الأقباط متحدون - تحية كاريوكا أم اليسار وذكريات من زمن الحلم
  • ٠٦:٢٨
  • الثلاثاء , ١٩ يونيو ٢٠١٨
English version

تحية كاريوكا أم اليسار وذكريات من زمن الحلم

سليمان شفيق

مساحة رأي

٠٠: ٠٧ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٨

تحية كاريوكا
تحية كاريوكا
بقلم : سلمان شفيق
(1)
أم اليسار
لااستطيع ان انسي ابدا اول لقاء مع العظيمة تحية كاريوكا ، وكان اغلب اليسار معتقلا بعد انتفاضة 1977 ، وكنت قد خرجت للتو من السجن في نهاية فبراير بعد ان افرجت عني النيابة ، ناداني الزعيم خالد محي الدين في مكتبة وهمس في اذني انا سوف اعطيك مكافأة ،واعطاني عنوان تحية كاريوكا وقال لي اذهب اليها ستعطيك شئ لنا ، ذهبت اليها ولم استطيع ان اتمالك نفسي وقبلت يديه وهي محرجة ، وجلست ، دخلت الي الداخل وعادت حاملة ظرف اصفر مغلق ، تعرفت عليا وسألتني عن ليلي الشال زوجة رفعت السعيد واوصتني عند زيارتها ان انقل التحية ، واخرجت اجندة تليفونات ودققت معي ارقام منازل بعض الرفاق اتذكر منهم رفعت السعيد وزكي مراد ونبيل الهلالي .
غادرت المنزل ولكن هذة الرفيقة الام لم تغادرني ، في لقاء اخر ذهبت اليها مع الشاعر العظيم الراحل نجيب سرور وكان اللقاء في غرفتها بالمسرح ، واذكر حديثها معة في جوانب شخصية وسؤال عن اولادة ، وحينما استعدينا للمغادرة اوقفتني وطلبت مني ورقة بها الاحوال الاجتماعية للرفاق خاصة العمال الذين بالسجن ـ كنت وقتها في لجنة الحريات بالتجمع ـ والتي كانت تدافع عن حقوق السجناء ، وبعد يومين كانت الورقة معها ـ بالطبع بعد اخطار خالد محيي الدين ـ وحينما التقت بي اعطتني ورقة وقلم وكتبت اسماء الرفاق والمبالغ الخاصة بهم ، وعدت وسلمت الظرف للاستاذ خالد .
ظللت علي اتصال بها وفي احدي المرات طلبت مني ارسال رسالة الي زكي مراد المحامي ، وفي كل لقاء كانت تحكي لي عن علاقتها بالسياسة واليسار والحركة الشيوعية ، وقبل زواجي 1978 اخذتني من منزلها وهي في طريقها للمسرح اصطحبتني الي محل جورج للملابس شارع طلعت حرب واهدتني "بدلة" وأعطتني ظرف قالت لي اعطية للدكتور رفعت السعيد ، فتح السعيد الظرف مبتسما وقال : الست تحية احرجت تعطيك مبلغ "نقطة الفرح" حتي لا تصرفها ، واراني مبلغ (200) جنيها وقال سوف اعطيها لخطيبتك مريم ، ونادي علي مريم واعطاها المبلغ ، هذة هي ام اليسار تحية كاريوكا ، وحينما جاء المفكر اليساري د ادورد سعيد الي مصر لالقاء محاضرة في الجامعة الامريكية ، ودعاة د رفعت السعيد للغذاء ، طلب مني اصطحابة الي منزلها ، واصطحبتة وكان سعيدا جدا ، اذكر انة كان يكتب بعض ما تقول وحينما غادرنا قال لي : " هذة السيدة أعظم من الفنانة الكبيرة البريطانية "فينسيا ريدجريف" .. وبعدها كتب بالحياة اللندنية :
«ما روته كان مفاجئاً بالنسبة لي، إذ علمت لأول مرة أنها كانت على الدوام منتمية لليسار الوطني، حيث سجنها عبد الناصر في الخمسينات لانتسابها لعصبة السلام المنظمة الموالية لموسكو». ويختتم إدوارد سعيد مقاله بمغامرته في البحث عن تاريخ الفنانة في أرشيف السينما المصرية فلم يجد توثيقاً لمسيرتها أو حياتها فكتب قائلاً: «وجدت أن تحية هي تاريخها ذاته، تاريخ غير موثق إلى حد بعيد لكنه لا يزال مهيب الحضور.
 
ولازال تاريخها اليساري والوطني لم يكتب بعد سوي بعض الذكريات وكتاب للكاتب سليمان الحكيم وكتاب اخر للناقد الكبير طارق الشناوي ، ومقالات متناثرة في صحف مثل المصري اليوم والمصور وغيرها ، ولكن تاريخها السياسي واليساري لم يكتب بعد . 
(2)
ابنة ثورة 1919 
بدوية محمد النيداني ،سماها والدها بهذا الاسم تيمنا بأسم الشيخ السيد البدوي ، احد ابطال المقاومة اثناء الحروب الصليبية ،ولاننسي ما توارثناة في التراث من الاغنية الشعبية "الله الله يا بدوي جاب الاسري" لنجاحة في تهريب الاسري من معسكرات الصليبين ، وهكذا ورثت النضال بدوية التي ولدت أبان ثورة 1919 ، او نضالات الشعب المصري الثورية ، وترعرعت في ظل نضال الشعب المصري ضد الانجليز ومن أجل الديمقراطية ، واخبرتني انها شاركت في مظاهرات 1946 وكانت علي علاقة بأحد اعضاء اللجنة من الطلبة ،و كيف كانت أحد أعضاء عدة حركات مثل انصار السلام وعضو في تنظيم "حدتو" ، ومن 1946 وحتي عام 1988 استمرت في ادوارها السياسية والتقدمية الحركية ،كانت في أثينا مع مجموعة من الفنانين والمثقفين المصريين والعرب الذين عزموا على ركوب «سفينة العودة» في رحلة إياب إلى الأراضي المقدسة. وبعد أسبوعين فجرت المخابرات الإسرائيلية ذلك القارب وتم التخلي عن المشروع" 
(3)
من الرقص الي الوطن

 
اكتشفتها الراقصة محاسن محمد ، ثم انضمت الي فرقة بديعة مصابني ، قامت بتطوير اسلوب خاص بها جدد انتاج الهرمونية الشرقية القديمة الخاصة بالرقص ، و ذلك هو الأسلوب الذي بناء عليه تم تأسيس مدرسة كاملة متخصصة في الرقص الشرقي في نفس الوقت مع مدرسة سامية جمال التي قامت بعمل مزج بين الرقص الشرقي و الرقص الغربي.
اطلقت عليها بديعة مصابني اسم "تحية" لانها كانت تحي الجمهور قبل الرقص وبعدة ، أما "اسم كاريوكا"، جاء بعد ان رقصت من ابتكار الاسباني الشهير "ديكسون " من الفلكلور البرازيلي ، وعرضت بالفيلم الامريكي " الطريق الي ريو" 
قامت باعتزال الرقص الشرقي لتقوم بالتفرغ لعمل التمثيل قامت بالمشاركة في عدد كبير من الأفلام السينمائية الشهيرة و منها : لعبة الست ، شباب امرأة ، خلي بالك من زوزو ، وداعاً بونابارت ، إسكندرية كمان وكمان ، مرسيدس .
تألقت تحية علي خشبة المسرح ، مع فرقة اسماعيل يس في بداية عملها المسرحي عام 1954 ، قبل ان تقوم بتأسيس فرقة مسرحية خاصة مع زوجها فايز حلاوة 1961 .
(4) 
المناضلة التقدمية
 
كما يقول د رفعت السعيد المؤرخ اليساري المعروف في حوار خاص :
بدأ النشاط السياسي التقدمي للفنانة تحية بعد ان انضمت اولا لحركة السلام بعد انتصارات الاتحاد السوفيتي في ستالنجراد عام 1942 ، وبعدها بسنين 1954 تزوجت من عضو في حركة التحرر الوطني حدتو وهوالضابط مصطفي كمال صدقي وبعد زواجها بثلاثة شهور وجدت البوليس الحربي يكسر باب شقتها وتم العثور علي بعض منشورات الحركة ومن تلك اللحظة عرفت تحية السجن لاول مرة في حياتها وقضت في السجن 101 يوما ، ويضيف : - استغلت فترة وجودها في السجن ودافعت عن حقوق السجناء والأوضاع الإنسانية المزرية في السجون، وطالبت إدارة السجن بوقف عمليات التعذيب ضد بعض السجينات، وتخفيف الخدمة الشاقة ضد البعض الآخر وأقامت نشاطًا لمحو الأمية في سجن النساء.
هاجمت نظام الضباط الأحرار من داخل السجن، ومن أشهر جملها من داخل المعتقل واصفة حكم الضباط الأحرار: «ذهب فاروق وجاء فواريق». لذلك تم اعتقالها مع بعض أعضاء الحزب الشيوعي بعد أن قالت إن أداء نظام عبدالناصر لم يفرق شيئًا عن أداء فاروق.
ويبتسم رفعت السعيد قائلا : واتخذت لنفسها اسمًا حركيًا جديدًا داخل السجن، فأصبح اسمها «عباس» و"كانت جريئة الي حد كبير، وسبق ان قالت للملك فاروق وهو جالسا في كازينو الاوبرج بسخرية مكانك ليس هنا يا جلالة الملك بل بل علي العرش في القصر ، وابتسم الملك في حرج وغادر المكان ، ومعروف ايضا انها في بداية مشوارها الفني، الأمير حسن عكا، عضو الأسرة المالكة، بعد محاولته إمساك يدها بشكل غير لائق، وسبته بأمه بعد تطاوله عليها. - ساعدت الفدائيين عام 1948 واستخدمت مزرعة أختها مريم لتخزين السلاح، وكانت تنقل السلاح بنفسها في سيارتها الخاصة.
ومن رفعت السعيد الي "المصري اليوم " ، حيث نشرت :وأخفت السادات وأنقذته من الإعدام بعد قتله وزير المالية في ذلك الوقت، أمين عثمان، حيث أخفته فترة في منزل شقيقتها، وظل يقيم لمدة سنتين في مزرعة يملكها صهرها.
كما قال المفكر اليساري الراحل أنور عبدالملك إنه بعد تمكنه من الهرب من السجن، في زمن عبدالناصر، أن تحية كاريوكا أخفته في منزلها حتى تمكن من الهروب من السجن ،و ايضا حمت في الخمسينات، اليساري صلاح حافظ وأخفته في منزلها وكان طالبا وصحفيا سياسيا شابا في ذلك الوقت، وعادت مرة أخرى لتخفيه في منزلها في السبعينيات لكن هذه المرة من السادات بعدما انضم لتنظيم شيوعي سري، وكان ينتقد الرئيس في كتاباته.
و تربعت على عرش المتبرعين في أسبوع تسليح الجيش عام 1955، بعد قرار عبدالناصر كسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقي لتسليح الجيش، وقدمت جزء من مجوهراتها إضافة إلى التبرعات التي جمعتها من أماكن عدة.
ساعدت «كاريوكا» المقاومة في مدن القناة ضد قوات الاحتلال البريطاني، وكانت تنقل لهم السلاح. . وانخرطت في العمل السياسي وتدربت على السلاح خلال العدوان الثلاثي على مصر 1956، ثم خلال حرب يونيو 1967.
هاجمت الوفد الإسرائيلي في مهرجان «كان» أثناء مشاركتها بفيلم شباب امرأة، عام 1956، ووبخت الممثلة ريتا هيوارث بعد أن عمدت التحدث عن الوفد الإسرائيلي ومدحه، وأسمعتها بلغة انجليزية سليمة ما لا تتخيله، واضطرت «هيوارث» إلى الهرب من سب كاريوكا.. وأسست جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم ذوي الميول الصهيونية.
كانت «كاريوكا» عضوا نشطًا في حركة «حدتو» الشيوعية السرية،ورغم موقفها السياسي من النظام، قامت كاريوكا بجمع تبرعات للجيش بعد نكسة يونيو 1967، وكانت أول المتبرعين، ما جعل الرئيس جمال عبدالناصر يقول لها: «انتى ست بألف راجل يا تحية».. شاركت في نقل الأسلحة إلى الجبهة أثناء حرب الاستنزاف.. وايدت مظاهرات الطلبة في السبعينيات ودعمتهم ماديا وشاركت بالهلال الأحمر لدعم الانتفاضة.
سافرت إلى قبرص عام 1981 كأحد ضيوف الحفل الذي أقامته منظمة التحرير الفلسطينية لدعم الانتفاضة، وألقت هناك قصائد حماسية وقامت بجمع تبرعات من الحاضرين لصالح الانتفاضة.
(5)

الفنانة القائدة
 
ويقول عنها الكاتب طارق الشناوي : في كتابة عنها كاشفا عن الدور السياسي لكاريوكا الذي يجهله الكثير من جمهورها: «ظلت تمارس الحياة السياسية حتى سنواتها الأخيرة، فلقد تزعمت اعتصام الفنانين، وكانت هي الفنانة الوحيدة التي أضربت عن الطعام عام 1988، ولم يوقف إضرابها عن الطعام سوى تدخل الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي اتصل بها في نقابة السينمائيين مقر اعتصام الفنانين وداعبها قائلا: «عايزة يقولوا يا ست تحية إنك عشت تأكلين في عهد فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتي جوعانة في عهد مبارك؟!".
(6)
الام الزاهدة 
اكدت الفنانة رجاء الجداوي انها تفتخر بأنها تربية خالتها تحية كاريوكا ، وانها تزوجت 17 مرة لانها كانت لاتحب الا يلمسها رجل الا في الحلال 
وكشفت رجاء عن مفاجأة إقامة جدتها لسرادق عزاء في ابنتها تحية كاريوكا بمجرد هروبها من المنزل للعمل كراقصة، وكان اسمها الحقيقي "بدوية" ورفضت الجدة مقابلة ابنتها وظلت تعتبرها ميتة، حتى تزوجت رسميًّا وارسلت تحية لوالدتها قسيمة الزواج الشرعية، وكانت هي التي تختار ازواجها ، وأن رشدي أباظة أكثر من أحبت في حياتها، وكانت تتمنى لو أنجبت طفلًا منه .
وأضافت رجاء الجداوي ،أنّ تحية أنفقت كل ما جنته من الفن، ولم تترك ثروة لورثتها كما يظن البعض قائلة: الشيء الوحيد الذي وجدناه في خزانة تحية كاريوكا بعد وفاتها، هو دبلتها من فايز حلاوة وكانت موجودة في علبة قطيفة، كانت بتقولي لو فيه قرش حرام ضاع مني، بحمد ربنا إنه خلصني منه.. ووصلت لمرحلة كبيرة من الزهد والرضا.
 
(7)
 
سلاما عليكي انسانة وفنانة وأم ومناضلة وطنية و ورفيقة تقدمية 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع