الأقباط متحدون - نزار قباني.. فرعون الكلمات
  • ٠٩:٤٥
  • الاربعاء , ٢١ مارس ٢٠١٨
English version

نزار قباني.. فرعون الكلمات

مقالات مختارة | ياسر الغبيري

٠٧: ٠٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨

نزار قباني
نزار قباني

يا سيِّدتي
كنتِ أهمّ امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العام أنتِ الآنَ أهمُّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ أنتِ امرأةٌ
لا أحسبها بالسّاعاتِ وبالأيَّام
أنتِ امرأةٌ
صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ
ومن ذهب الأحلام
أنتِ امرأةٌ
كانت تسكن جسدي قبل ملايين الأعوام


"نزار قباني" شاعرًا استثنائيًا في الأدب العربي الحديث، حيث مثّلت كلماته مدرسة شعرية جديدة حاول البعض تقليدها، ولكنه ظل مُتفردًا بأشعاره التي تنوعت ببراعة بين الحب والسياسة والرثاء، وكان جديرًا بأن يضعه الشعراء أنفسهم في مكانة بعيدة عن المُنافسة.

يا سيِّدتي:
يا مغزولةً من قطنٍ وغمام
يا أمطارًا من ياقوتٍ
يا أنهارًا من نهوندٍ
يا غاباتِ رخام
يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ
وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ
لن يتغيّر شيء في عاطفتي في إحساسي
في وجداني في إيماني
فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلام


ولد نزار قباني في مثل هذا اليوم 21 مارس عام 1923، بحيّ مئذنة الشحم في مدينة دمشق القديمة لأُسرَةٍ دمشقيّة عريقة؛ وورث القباني من أبيه حبه الكبير للشعر، وبلغ عشقه لوالدته أنه قيل عنه أنه يُعاني من عقدة أوديب، وكانت قصائده عن أمّه في ديوانه "الرسم بالكلمات" خير دليل على شغف الطفل بصورة الأم التي ألهمته في نصوصه.

يا سيِّدتي
لا تَهتمّي في إيقاع الوقتِ، وأسماء السنوات
أنتِ امرأةً
تبقى امرأةً في كلّ الأوقاتْ
سوف أحِبُّكِ عد دخول القرن الواحد والعشرين
وعند دخول القرن الخامس والعشرين
وعند دخول القرن التاسع والعشرين
وسوفَ أحبُّكِ حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ
وتحترقُ الغابات


عام 1939 كتب قباني أولى أشعاره أثناء رحلة بحرية إلى روما، فكتب مُتغزلًا الأمواج والاسماك، وبدأت موهبته في النمو خلال الدراسة، عندما التحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق، ونشر خلال دراسته أولى دواوينه الشعريّة "قالت لي السمراء"، الذي قام بطبعه على نفقته الخاصة، وكتبَ له مُقدّمة الديوان منير العجلاني الذي أحبّ القصائد ووافق عليها.

يا سيِّدتي:
أنتِ خلاصةُ كلِّ الشعرِ
ووردةُ كلِّ الحريات
يكفي أن أتهجّى اسمَكِ
حتّى أصبحَ مَلكَ الشعرِ
وفرعون الكلمات
يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلكِ
حتى أدخُلَ في كتب التاريخِ
وترفعَ من أجلي الرايات


وأثار موضوع الديوان جدلًا في أوساط الجامعة، وذاع صيت نزار كشاعر إباحي؛ وعقب تخرجه التحق بوازرة الخارجية السوريّة، وفي العام نفسه تم تعيينه في السفارة السوريّة بالقاهرة؛ ثم تنقل إلى عواصم أخرى، فتنقل بين لندن، أنقرة، الصين، مدريد؛ إلى أن استقرّ في لبنان بعد أن أعلن تفرغه للشعر عام 1966، وأسس دار نشر خاصة باسم "منشورات نزار قباني".

يا سيِّدتي
لا تَضطربي مثلَ الطّائرِ
في زَمَن الأعياد
لَن يتغيّرَ شيءٌ منّي
لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريان
لن يتوقّف نَبضُ القلبِ عن الخفقان
لن يتوقّف خجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ
حين يكون الحبُ كبيرًا
والمحبوبة قمرًا
لن يتحوّل هذا الحُبُّ لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيران


بدأ قباني كتاباته بالشعر العمودي، ثم انتقل إلى شعر التفعيلة، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير؛ وتناولت قصائد عديدة له حرية المرأة، وكانت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية، ثم تحوّل إلى الشعر السياسي في أعقاب حرب يونيو 1967، فأصدر عدة قصائد لاذعة ضد الحكومات والأنظمة العربية، وخاصة ضد نظام البعث في سوريا، ومنها "هوامش على دفاتر النكسة"، "عنترة"، و"يوميات سيّاف عربي".

يا سيِّدتي:
ليس هنالكَ شيءٌ يملأ عَيني
لا الأضواءُ ولا الزينات
ولا أجراس العيد
ولا شَجَرُ الميلاد
لا يعني لي الشارعُ شيئًا
لا تعني لي الحانةُ شيئًا
لا يعنيي أيّ كلامٍ
يكتبُ فوق بطاقاتِ الأعياد


واعتبر كثير من النقاد أنه مدرسة شعرية، وحالة اجتماعية فريدة، وظاهرة ثقافية، ولكن تم انتقاد هذه الجرأة، التي وصفها البعض بأنها وصلت في المرحلة الأخيرة من قصائده لما يُشبه السباب؛ ولا أحد يغفل دوره البارز في تحديث مواضيع الشعر العربي الحديث، فكان مع الحداثة الشعرية، ويكتب بلغة أقرب إلى الصحافة، وكانت قصائده سريعة الانتشار، فألقت حداثته بظلال كثيفة على كل من كتب الشعر.

يا سيِّدتي:
لا أتذكَّرُ إلّا صوتَكِ
حين تدقُّ نواقيس الأعياد
لاأتذكرُ إلّا عطرَكِ
حين أنام على ورق الأعشاب
لا أتذكّر إلّا وجهكِ
حين يهرهر فوق ثيابي الثلجُ
وأسمع طَقطَقة الأحطاب
ما يُفرِحُني يا سيِّدتي
أن أتكوَّمَ كالعصفور الخائفِ
بين بساتينِ الأهداب
ما يبهرني يا سيِّدتي
أن تهديني قلمًا من أقلام الحبرِ أعانقُهُ
و أنام سعيدًا كالأولاد


تزوج قباني مرّتين، الأولى من ابنة خاله زهراء آقبيق، وأنجب منها هدباء، وتوفيق، الذي توفيّ عام 1973 فنعاه بقصيدة "الأمير الخرافي توفيق قباني"؛ والثانية من العراقيّة الأصل بلقيس الراوي، التي عشقها وتزوجها، ولكنها لقيت حتفها أثناء الحرب الأهلية بلبنان في حادث انفجار السفارة العراقيّة عام 1982؛ فرثاها بقصيدته الشهيرة "بلقيس.

يا سيِّدتي:
ما أسعدني في منفاي
أقطِّرُ ماء الشعرِ
وأشرب من خمر الرهبان
ما أقواني حين أكونُ
صديقًا للحريّةِ والإنسان


توفيَّ نزار قباني في 30 أبريل من عام 1998 بالأزمة القلبية عن عمر يناهز 75 عامًا في لندن، وكان قد كتب في وصيته في المستشفى يوصي بأن يتم دفنه في دمشق، فتم نقل جُثمانه إلى العاصمة السورية بعد أربعة أيام، حيث دفن في باب الصغير، وشارك في جنازته أطياف المجتمع السوري إلى جانب الكثير من الفنانين والمثقفين السوريين والعرب.

يا سيِّدتي:
كم أتمنّى لو أحببتُكِ في عصر التَنْويرِ
وفي عصر التصويرِ
وفي عصرِ الرُوَّاد
كم أتمنّى لو قابلتُكِ يومًا في فلورنسَا
أو قرطبةٍ
أو في الكوفَةِ
أو في حَلَبً
أو في بيتٍ من حاراتِ الشام

يا سيِّدتي:
كم أتمنّى لو سافرنا نحو بلادٍ يحكمها الغيتار
حيث الحبُّ بلا أسوار
و الكلمات بلا أسوار
و الأحلامُ بلا أسوار
يا سيِّدتي
لا تَنشَغِلي بالمستقبلِ
يا سيّدتي
سوف يظلُّ حنيني أقوى ممّا كانَ
وأعنفَ ممّا كان
أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّرُ في تاريخ الوَردِ
وفي تاريخِ الشعْرِ
وفي ذاكرةَ الزنبق والرّيحان

يا سيِّدةَ العالَمِ:
لا يشغِلُني إلا حبُّكِ في آتي الأيّام
أنتِ امرأتي الأولى
أمّي الأولى رحمي الأوّلُ
شَغَفي الأوّل شَبَقي الأوَّلُ
طوق نجاتي في زَمَن الطوفان

يا سيِّدتي:
يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
هاتي يَدَكِ اليُمْنَى
كي أتخبَّأ فيها
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى
كي أستوطنَ فيها
قُولي أيَّ عبارة حُبٍّ حين تبتدئ الأعيادْ
نقلا عن البوابة نيوز

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع