الأقباط متحدون - أمى التى أحبها أبى..
  • ٠٦:٥٤
  • الاربعاء , ٢١ مارس ٢٠١٨
English version

أمى التى أحبها أبى..

مقالات مختارة | حمدي رزق

٣٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨

حمدي رزق
حمدي رزق

عذراً يا أمى سأكتب فى عيدك عن أبى، فكان يحبك حباً جماً، ما رأيت حباً مثله ولا فى أفلام السينما، كان إذا ابتسمتِ رضى واغتبط وصار مسروراً، وإذا لوّنت وجهكِ الصبوح سحابة حزن اغتم وبات ليلته محزوناً، كان يترضى الرضا أن ترضى، ويخشى عليكِ من الهوا الطاير.

كنت اضبطه متملياً فى وجهك، متنسماً عبيرك، مستبق أحلامك، يود لو جابلك قطعة من السما، لكن اليد قصيرة والعين بصيرة، ولكنه كان موثراً ولو كان به خصاصة، كان يتنازل عن «نايبه من الظفر» لك وحدك، ويكتفى بقليل الزاد، فتردين النايب إليه مع إيثار، كان بينهما إيثار نادر المثال.

إذا تألمت كان يسهر على راحتك ويتسمع أنينك، ويظل ساهراً حائراً وكم سمعته يناجى ربه «خفف عنها.. ليتنى كنت أنا.. أنا مليش غيرها يا رب» كان الدعاء أسمعه صاعداً من قلبه فى أنصاص الليالى المظلمة، وبينه وبين نفسه كان يحدثها، ويناجبها ويعاتبها، لم يعنفها يوماً، ولم يغضبها يوماً، كان شايلها على كفوف الراحة، وكان يستطعم اسمها فى فمه يحرك به لسانه، ينادى عليها بصوت عذب وكأنه يتغنى باسمها، يا رجاء، وكانت رجاءه من الله.

أتذكر وأنا تحت قدميها فى المستشفى أخفف عنها بحكايات من أيام الأبيض والأسود، كان بيننا سبع كلمات طيبات، تحكى وأسمعها تشجينى، واحكى وتنصت وتدعى لى، أن أوصتنى إذ فجأة أن أدفنها جواره فى مقبرة العائلة، وقالت تغالب دمعاُ «مش هرتاح فى نومتى إلا جنبه»..

أيقنت بأن رحيلها قد حان، وموعدها قد أزف، وأوصيت إخوتى أن يجهزوا مقبرة والدى لأنها أوصت بالدفن إلى جواره، اختارت الظهر والسند والحبيب المخلص والزوج الطيب، كان طيباً ومخلصاً ومحباً، من قصة حبه لوالدتى أروى طرفاً أو طرفة، إنه باع من أجل شراء شبكتها «الطين» ما ورثه عن والده، كانت بنت مدينة وكان فلاحاً يمر بها وهو خلف الجمل يدندن، على طريقة شريفة فاضل من كلمات حسين السيد وألحان منير مراد، فلاح كان فايت بيغنى من جنب السور/ شافنى وأنا بجمع كام وردة فى طبق بنور/ قطع الموال ااه ااه، وضحك لى وقال ااه ااه / يا صباح الخير يا صباح الخير/ يا اهل البندر يا صباح النور.

كان يخجل إذا ما ذكرته بحكاية حبه فى حضرتها، وكانت تقهقه، وتمازحه كان واقع لشوشته، يدارى عنا سر حبه الصغير، ويتشاغل بحكايات المساء والسهرة، ولكنه أوصانى قبل الرحيل أن أحطها فى عينيا، وحلفنى على كل المقدسات، وأخذ منى ميثاقا غليظا.

ذقت حلاوة الحب بين حبيبين تعبا تماماً من شقاء الحياة، استعانا على أيامهما القاسية بالحب يحلى شاى أيامهما الأسود، ما كان يتكيف إلا بكوب شاى من يديها، لم يقرب من الكيوف إلا شاى من يد الحاجة، وكأنه شرب من خمر الجنة.

فاتحته مش هتحج بقى.. قال لى هى تحج وتدعى لى، وحجت لها ولم ترتاح إلا وحجت له تاليا، ربنا هيقبلها، كان حامدا شاكرا، يحمد ربه إذا جن الليل، وينام قرير العين طالما هى راضية عليه فإذا قست طلب منى تدخلاً باعتبارى وسيطاً مؤتمناً، وكانت كلمة السر «إنتِ عارفة أنه بيحبك قوى» فتضحك سعيدة «ما أنا عارفة، ربنا يخليه لنا ستر وغطا».

ذكريات عبرت، هما الآن فى الدار الآخرة مسجيان جوار بعضهما، كل فى عين، والمقبرة بعينين قريرتين بالمحبين، وتحت الثرى مدفونة قصة حب صغيرة، ليست كقصص الحب والغرام والهيام، لا هو قيس ولا هى ليلى، ولكن هما من غنت لهما أم كلثوم فى رائعتها من كلمات أحمد رامى وألحان رياض السنباطى «وانسى سهادى ونوحى ولوعتى بين ايديك».
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع