الأقباط متحدون - باركي الرب يا نجوم السماء!
  • ٠٩:٠٨
  • الأحد , ١١ فبراير ٢٠١٨
English version

باركي الرب يا نجوم السماء!

أندرو اشعياء

مساحة رأي

١٩: ٠٨ ص +02:00 EET

الأحد ١١ فبراير ٢٠١٨

صور_أرشيفية
صور_أرشيفية

 بقلم: أندرو أشعياء 

 
 
أوقات الغروب هي أحب أوقات اليوم الي نفسه. يخرج في الرابعة عصرًا سائرًا في دروب الصحراء مرة مرتلًا، مرة متنهدًا، واليوم مصليًا تحليل صلاة الغروب متذكرًا غروب سِني حياته .. خمسون عامًا يسير في هذا الطريق بين الجبال العالية، طريقًا لم يفكر مرة أن يُغيره..
 
غروب الشمس دائمًا ما يُذكره بحنو وعطف الله ودفء معاملته مع البشر؛ فوقت الغروب في نظره ليس كوقت الظهيرة وسخونة شمسه، ولا كوقت المساء وسقيع أجوائه!.. 
 
في هذا اليوم خرج كعادة كل يوم شاعرًا بإمتنان عميق يُخيّم على نفسه، بدأت قدماه تدب في الرمال الذهبية التي خطى عليها أباؤنا القديسين، خطوة تلو الأخرى، والقلب والوجدان والجسد في نشوة الحب الالهى.. نظر بعشق نحو السماء وكأنه يَشْخص النظر الي اللامنظور .. أشعة غروب الشمس جذبته فوجد نفسه يهمهم: "باركي يانفسي الرب.. باركي الرب أيتها الشمس والقمر.. باركي الرب يا كل نجوم السماء.. حقًا ربي كل البرايا تسبحك، الصيف والشتاء، الايام والليالي، الحر والبرد.. هوذا السماوات تخبر بمجدك وهي صامتة؛ فليس لقصتها مقالة ولا كلمات ولا أناشيد. السماوات تُسبح في صمت وما من أحد يسمع صوتها سوى العقل! .. 
 
وبدأ يناشد نفسه: " يانفسي حلقي بعقلك وطيري بالصمت لجسر القوات وسوف تسمعي تسابيحهم .. ها هي الشمس التي تخرج من خدره وهي مكلله بأكاليل النور لتبهج الأرض بالأعاجيب، تتراقص في دربها مِثل جبار في سمو سمائه وقد جُعلت مِثل وكيل على النهار. تخرج راكضة من بداية معابر العالم وينتهي دربها في نهاية كل الأقاصي، نورها جميل ومسيرتها سريعة.. تقف في جبروت على الأيام لتوقظها كما يركض القمر في الليالي ليجعلها تنام..  تشرق الشمس فيفتح الصباح، ويخرج النهار، وينتشر في كل الجهات.  تغرب الشمس فيدخل القمر ويسدل الليل ستاره على العالم فيرتاح المتعبين. أنظري يا نفسي الشمس والقمر، المساء والصباح اللذان لا يتجاوزان ولا يلومان ولا يسرقان بعضهما بعضًا، لا ينامان ولا ينسيان أوقاتهما، كل واحد منهما يأخذ ما هو لخاصته، يذهب هذا ويرسل ذاك ليأتي، يغادر هذا ويعطي المكان لرفيقه ..
 
قديمًا عند موت الأبن على الصليب إظلمت الشمس، وهرب نورها، وفنيت أشعتها. الظلمة صارت حجابًا للملك العريان لئلا ينظر اليه الدنسون الذين صلبوه. العبد الخجول (الشمس) لما رآى ربه هكذا حزن وأغمضَ عينيه وسمح في وقار الي الليل أن يسدل ستاره .. الشمس والقمر تغطيا مثل سام ويافث ليستُرا نوح، ولكن الله - تجلى اسمه - لم يخطئ إنما اغمضا عيناهم من عظمة وبهاء فدائه.. أيها النهار لماذا تهرب؟ ولماذا تختبئ وتختفئ وأين هو نورك؟!  يابحر الأضواء والأشعة من اعماكِ ؟ يا كرة النور العجيبة أين جمالك فهذا المنظر المسكوب عليكِ ليس اعتياديًا !! عجبًا فقوات السماء صرخت فمتى يخجل البشر ؟!" 
 
وهكذا سار يتأمل ويلقي بشباكه في العمق، وكلما دبت قدماه في الرمال كلما نفذت اشعة الحب داخله تنير له، فلم يستطع أن يقاوم فخرج صوته خاشعًا: ربي ما أجملك في الأبدية! فلن تكون هناك حاجة "إلي الشمس ولا إلي القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها" و"سيضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" .. إن كانت الشمس بهيه في لمعانها فالحكمة أبهى منها: ألم يقل الأباء إنها "مختفيه عن الملائكة وأبهى من الشمس وكل الكوكب وتتمشى في طريق العدل، وتتحرك في سبيل الحق، لتهب الذين يعرفونها غنى ونورًا.. الحكمة هي ربنا يسوع المسيح" ( القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس) 
 
ربي .. إن كانت الشمس تنير الأرض والقمر يضئ عليها؛ فأنت هو مصدر النور وشمس البِرّ وبك يبدأ كل شئ وبكلمتك يقوم الكل .. يوحنا الحبيب في رؤيته شهد "آية ظهرت في السماء إذ بامرأة متسربلة بالشمس والقمر أيضًا تحت رجلها. المرأة هى مريم السماء الجديدة التى على الأرض المشرق لنا منها شمس البر. لأن الشمس المتسربلة بها هى ربنا يسوع المسيح والقمر الذى تحت رجليها هو يوحنا المعمدان". (ثيؤطوكية الخميس)
 
ثم أخذ يَسبح في الأعماق حتى كاد يصرخ لكل إنسان: "إن كنت تشك في عناية الله سلْ الأرض والسماء والشمس والقمر. سلْ الكائنات غير العاقلة والزروع... سلْ الصخور والجبال والكثبان الرملية والتلال. سلْ الليل والنهار؛ فإن عناية الله أوضح من الشمس وأشعتها، في كل مكان: في البراري والمدن المسكونة، على الأرض وفي البحار" .. 
 
وفيما هو يتأمل ويسبح في هذا لاحظ تبةً عاليه تكونت من هبوب الرياح، فجلس فوقها يردد: السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه .. وأحس أنه لا يخاف شئ ولا يشتهي شيئًا ..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد