الأقباط متحدون - لماذا نحتفل بالأعياد؟
  • ١١:٣٠
  • الخميس , ١٨ يناير ٢٠١٨
English version

لماذا نحتفل بالأعياد؟

مقالات مختارة | بقلم : الأنبا مكاريوس

٥٩: ٠١ م +03:00 EEST

الخميس ١٨ يناير ٢٠١٨

 الأنبا مكاريوس
الأنبا مكاريوس
طالما أن المسيح قد جاء بالفعل، وهذا إيماننا الراسخ والمستند على الكتاب والآباء والتقليد والتاريخ، وعليه فقد تم التجسد والفداء، ونحن نحيا بالفعل مفاعيل هذا التجسد ونتائجه، ونمارسه يوميًا من خلال الإفخارستيا، فلماذا إذًا نحتفل كل عام بالتجسد والعماد والصليب والفداء والقيامة والصعود وإرسال الروح القدس، وغيرها من الأعياد؟ ولماذا رتبت الكنيسة أن تكون هناك أعياد سنوية وأخرى شهرية وثالثة أسبوعية ورابعة يومية؟ وهنا نحاول الإجابة قدر المستطاع:
أولاً: لأن الله فوق الزمن، وبالتالي جميع أفعاله الخلاصية، الله ليس له ماضٍ وحاضر ومستقبل «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عب١٣: ٨)، ونقول في أبصالية يوم الاثنين: "تغرب الشمس والقمر في زمانهما، وأنت هو أنت، وسنوك لن تفنى". وعندما قدم المسيح ذاته على الصليب، قدمها مرة واحدة، وهي كافية جدًا وغير محدودة بل وممتدة إلى مجيئه الثاني المبارك، ويقول القديس بولس الرسول: «كاس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح» (١كو١٠: ١٦)، وهذا الكلام يكتبه بعد أكثر من ثلاثين سنة من صلب الرب على الجلجثة، أي أن الذبيحة مستمرة من خلال الإفخارستيا. وفي القداس الإلهي نحتفل بذكرى آلام المسيح وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني، ومع أننا ما زلنا نتشوَق إلى هذا المجيء فهو لم يأتِ بعد، إلّا أننا نحتفل به (نصنعه)، إذًا فالحدث الميلادي ما يزال مستمرًا وفاعلًا بالكنيسة.
ثانيًا: حتى نعيش أجواء الحدث، فنحيا بنفس مشاعر الجالسين في الظلمة وظلال الموت، والضيق الذي بلغ أشده عند الناس، وتعاظم الخطايا وجرأة الشياطين، وحال المدينة التي يهددها اللصوص، وتشوق الناس إلى مجيء الملك المخلص، مع طول فترة الغربة عن الله، والحاجز الكبير الذي نشأ ليس المتوسط فقط الذي أشار إليه القديس بولس الرسول مستعيرًا ذلك الحاجز في هيكل سليمان، وإنما الحاجز بين السماء والسمائيين والأرض والأرضيين، ومن ثَمّ فهناك معنى للنور والملائكة الذي بدأوا في التردد على الأرض، وموكب الخلاص الذي بدأ في الظهور، من السيدة العذراء إلى زكريا واليصابات إلى يوحنا وحنة النبية، وسمعان الشيخ، ويوسف النجار وسالومي، والرعاة والمجوس، وغيرهم.. ويصالح الله السمائيين والأرضيين بالمسيح، ومن ثَمّ يشملنا الفرح وتغمرنا السعادة ونحن نستعد لاستقبال المولود الكائن قبل كل الدهور، تمهيدًا للفداء والقيامة وانفتاح الفردوس.
وثالثًا: سعادتنا بأننا صرنا مُطوَّبين، لأننا ننظر ونسمع ما اشتهى الأنبياء والأبرار أن يروه وأن يسمعوه فلم يروا ولم يسمعوا، ولم يكن نصيبهم سوى بعض النبوات والرموز والإشارات والرؤى، فرأوا المواعيد ولكن من بعيد: «أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا» (عد٢٤: ١٧)، وحيّوها ورقدوا على الرجاء الذي سلمه جيلٌ للجيل التالي.
كما أننا نتمتع بأن نقرأ ما كُتِب في العتيقة، ثم نسعد بتحقيقه في العهد الجديد، وليس أن نقرأه فقط، مشبهين في ذلك بالرجلين اللذين حملا عنقود العنب من أرض الموعد، فقد كان المتقدم لا يرى أمامه شيئًا بينما كان الذي تلاه يرى ما تقدم، وهكذا مثّل أحدهما العهد القديم بينما مثّل الآخر العهد الجديد، هكذا ندرك النعمة التي نحن فيها مقيمون، فإنه بسبب طول الزمان ننسى الملابسات والخلفيات والمعاناة، ومن ثَمّ لا ندرك ما نحياة ومفاعيل الخلاص وثمر البر.
ولعل ذلك يُعَد من الأسباب الرئيسية في ضعف المسيحيين في بعض البلاد، أي بعدهم عن الحدث الأساسي والاحتفال به جوهريًا، وليس شكليًا وماديًا، والذي من شأنه إضعاف معنى العيد وقيمته، إذ تحول الكريسماس (ميلاد المسيح) على سبيل المثال إلى طعام وخمر وهدايا وغيرها، مما يُعد تسطيحًا للعيد وجوهره، وهكذا أعياد أخرى صار الاحتفال به لمدة من الزمن بطابع شعبي، وامتد البُعد الشعبي إلى ممارسات من شأنها الإساءة لجوهر العيد، ولذلك نقول في الليتورجية "عيِّدوا عيدًا روحانيًا". ومن ثَمّ فالأصل في الكنيسة هو مجموعة من الأعياد نستعد لها بالصوم مدة بحسب أهمية العيد، وليس مجرد أصوام نختتمها بأعياد.
ومن هنا نفهم لماذا ترتب الكنيسة لكل موسم ليتورجي، قراءات من العهدين مع تفاسير وشروحات وطروحات وعظات مناسبة، وألحان معبّرة ونغمات متعددة بحسب الموسم تخاطب وجدان المصلين، إلى استخدام مناسب للمادة شعبيًا في العيد (مثل السعف والبلح ووغيرها)، وتوقيتات وغيرها، مما يجعل الحدث واقعًا وحيًا.
فالعيد ليس مجرد عنوان وليس مجرد تاريخ، ولكنه حدث وجوهر لم يقدم ولم يبلَ بل حي مستمر، وحدث هام نستعيده ونتأمله ونؤكد على مفعوله فينا، مثل ميلاد شخص فيه نتذكر كم انتظرناه وطلبناه بحرارة من الله، وكم كان مجيئه بركة وإضافة للعالم ونورًا لكثيرين، وأن الله أنعم على الأرض والبشر بقدومه، فكم بالأحرى أفعال المسيح الخلاصية، ثم أولئك الذين عاشوا وشهدوا له وماتوا من أجله، وهكذا بقية المناسبات والأعياد.
#انبا_مكاريوس
نقلا عن الفيس بوك
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع