الأقباط متحدون - ماذا يفعل الرجال في مجموعاتهم المغلقة على فيسبوك؟
  • ٢٢:٤٢
  • السبت , ١٣ يناير ٢٠١٨
English version

ماذا يفعل الرجال في مجموعاتهم المغلقة على فيسبوك؟

منوعات | vice

٣٦: ١٢ م +02:00 EET

السبت ١٣ يناير ٢٠١٨

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

اخترقنا إحدى المجموعات السرية للرجال على موقع التواصل الأشهر والمعنونة بـ "للرجال فقط" لنرصد بعيون أنثوية ملامح العالم الذكوري المحرم على النساء

”أشكرك، أنا الشخص المناسب لقصتك".. بادرت محرر "VICE عربية" بمجرد أن عرض عليّ فكرة الدلوف بحساب مزيف (باسم رجالي) إلى” المجموعات المغلقة الخاصة بالرجال فقط على موقع "فيسبوك" إذ تعتبر القضايا الخاصة بالنوع الاجتماعي على رأس اهتماماتي، فما يُضر من زيارة قصيرة لمجموعة "للرجال فقط" وتتبع "الآخر" عن قرب في حياته اليومية دون أن يدري أو يصبغ مظهره الخارجي بأي عوامل جذب.

في البداية كان اختيار "الجروب" أو المجموعة الرجالية المستهدفة، ظهر في نتائج البحث مجموعة باسم "للرجال فقط " لها خلفية مصورة ظريفة، مراهقة إلى حد بعيد يتوسطها شارب مع لافتات تحذيرية "لا فتيات" باللغة الإنجليزية، وبإجمالي عدد أعضاء بتخطى 116 ألف عضو أيًا منهم لم يكن بقائمة أصدقائي الأساسية، لحسن الحظ.

في خانة الوصف عُرف للرجال فقط بـ"جروب خدمي توعوي"، في واقع الأمر لم يكن لدي تصورات مُسبقة عن ماهية الخدمات التي قد ينشد الرجال لطلبها خصوصية وسرية، على أي الأحوال بدأت بإنشاء حساب جديد على "فيسبوك" باسم وهوية ذكوريين، لأضمن تذكرة الانضمام إلى أحد أكبر مجتمعات الرجال المغلقة على الإنترنت.

اخترت اسم "مُحمد علي"، اسم مألوف واعتيادي، ومن غير المتوقع أن يثير أية شكوك، خريج كلية الآداب جامعة القاهرة، عمل لفترة بائع بأحد المتاجر والآن بلا عمل. كان عليّ اختلاق تاريخ قصير لشخصيتي المزيفة لتعبئة البيانات المطلوبة للحساب كي يبدو على قدر مقبول من المصداقية، إلا أن الأزمة الأكبر جاءت في صعوبة اختيار صورة للحساب، اخترت في النهاية صورة لشاب وفتاة بصالة تمرين رياضية يستعرضان تشكيلاتهما العضلية برشاقة. بدت الصورة متسقة مع الاهتمامات النمطية لشاب عشريني.


تعين عليّ ملئ استبيان قصير/ قائمة أسئلة من المفترض أنها استهدفت التأكد من هويتي كرجل، تضمنت ثلاث أسئلة فقط، أولها وللغرابة كان "هل أنت رجل ؟". تبدو الاستمارة غير ذات أهمية للوهلة الأولى؛ إلا أنني خضت تجربة تعبئتها مرتين مختلفين، أولهما بحسابي الوهمي، أجبت الأسئلة بطريقة رسمية باستخدام اللغة العربية الفصحى، وتضمنت الإجابات فقط التأكيد على كوني رجل، ثم عمري وجنسيتي ومدينة الإقامة، وأخيرًا موافقتي الكتابية على قواعد الجروب والتي كانت كالتالي: ممنوع نشر روابط صفحات أو مجموعات لدينا، ممنوع نشر الصور الإباحية، ممنوع جمع تبرعات عن طريق الجروب.

رغم ذلك يمكن لمس اختلاف أجواء جروب الرجال عن جروب السيدات من اللحظة الأولى، إذ يُعتبر أكثر هدوءًا واستقرارًا، بمعدل ضخ منشورات لا يزيد عن بضعة منشورات للساعة الواحدة، بديلاً عن عشرات المنشورات كل بضعة دقائق

أجبت عن السؤال الأخير "مفهوم"، وفي واقع الأمر لم أتوقع قبولي ببساطة في المجموعة، إذ كان حسابي ما يزال (من وجهة نظر صحفية) يفتقر إلى عدد من عوامل المصداقية، لذا اتجهت في الوقت ذاته لتنفيذ الخطة (ب)، عبر ارسال طلب الانضمام للمجموعة ذاتها عبر حساب حقيقي استعرته من أحد أفراد عائلتي، وهو شاب يبلغ من العمر 18 عامًا. أرسلت لي الاستمارة ذاتها وهذه المرة أجبت بأسلوب أقرب ما يكون لصاحب الحساب الحقيقي، مُستخدمة ما يُعرف بلغة "فرانكو آراب" أي كتابة لغة عربية باستخدام الحروف اللاتينية، وعمدت إلى الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالعمر والجنسية ومحل السكن باللغة الإنجليزية. المفارقة أنه لم يتم قبول هذا الطلب حتى تحرير قصتنا.


في غضون بضع ساعات اعترف بي "للرجال فقط" وأصبحت أحد أعضائه، ما يعني بالتبعية اكتسابي حق مُطالعة المنشورات والتعليق في فاصل ممتع وفكاهي بدأ بتعجبي من أسلوب النداء الأكثر استخدامًا في منشورات الأعضاء "يارجالة"، منتهى الحرفية، منتهى النمطية. لم يختلف كثيرًا عن النمط المعتاد في مجموعات السيدات؛ إذ بيدأن الحديث دائمًا أبدًا بالنداء "يا بنات"، رغم ذلك يمكن لمس اختلاف أجواء جروب الرجال عن جروب السيدات من اللحظة الأولى، إذ يُعتبر أكثر هدوءًا واستقرارًا، بمعدل ضخ منشورات لا يزيد عن بضعة منشورات للساعة الواحدة، بديلاً عن عشرات المنشورات كل بضعة دقائق، ما يجعل عملية التصفح ذاتها ثم العودة لمنشور سابق أمر ممكن بديهيًا يُحسد عليه الأعضاء.

بنظرة سريعة على قائمة أعضاء المجموعة اكتشفت أن أغلبهم من الشباب، شباب أكثر نضجًا وعملية من غطاء هويتي الحقيقية المدعو "محمد علي". اكتشفت عالم آخر من الشباب، أغلبهم أنهى مرحلة الدراسة الجامعية، يُحسن تطويع واجهة بيانات "فايسبوك" في التعريف عن نفسه، هناك المصور الصحفي، المتخصص في الموارد البشرية، الموظف في أحد قطاعات الدولة، فضلًا عن الأطباء والمدرسين وأصحاب الأعمال والمشروعات الخاصة، هناك أباء كذلك، فضلوا وضع صور حساباتهم الشخصية برفقة صغارهم، بينما استغنوا عن أسمائهم الأولى لصالح "كُنية" من الشائع ارتباطها بالابن الأكبر، إلا أن الأمر بدا على قدر كبير من الواقعية والوضوح، خاصة ما إذ وضعت في سياق مقارنة مع قائمة مختارات السيدات من الاسماء المستعارة، غير ذات الدلالات الواضحة، أغربها على سبيل المثال "مرات محمد" أو "حبيبة زوجي"، بدت لي شخصيتي المختلقة هشة أمام هؤلاء، بيد أن التفاعل في أغلب الأحيان على المجموعة كان من نصيب الفئات العمرية الأصغر، أصحاب المشروعات الجديدة، والزيجات الجديدة كذلك.

في واقع الأمر لم أتمكن تبين السبب الرئيسي حول جعل المجموعة حصرية على الرجال فقط، إذ أن أغلب موضوعات المناقشة لم تتطرق للحياة الزوجية أو المرأة بشكل مباشر إلا فيما ندر، بعض المشكلات المعروضة رغم ذلك كان لها طابع اجتماعي/ أسري، كطلب المشورة في كيفية إخفاء كذبة عن أحد الحموين..


"يارجالة..، دلوقتي أنا مفهم حمايا أن جيشي في شهر يناير والدخول شهر مارس، بس الحقيقي إن الجيش بتاعي كشفه في شهر يونيو، والدخول شهر سبتمبر؛ فأنا عاوز سبب أقوله ليه يكون مقنع إني هأجل الجيش لحد دفعة شهر يونيو علشان مطلعش كداب قدامه."

على الرغم من أن العديد من الصديقات وعضوات المجموعات النسائية المغلقة حيث أشترك يملكن سيارات ويقدن دون صعوبات، بدا الرجال كذلك أكثر تعاونًا، للمرة الأولى أيضًا أصادف منشورات تناقش أساسيات إنشاء تجارة جديدة، وأي البضائع يصلح للتسويق في أي النطاقات الجغرافية

عُرضت المشكلة من قبل شاب عشريني يوشك على الانضمام لأداء الخدمة العسكرية، إلا أنه يحاول اصلاح كذبة خدع بها والد عروسه، وسط عشرات الأجابات الشائع بينها حث الشاب على التقدم للاعتراف لوالد عروسه بالحقيقة (ما أثار دهشتي)، الطريف أيضًا أن الشاب وخلال دقائق معدودة أزاح الستار عن تفاصيل الأزمة، وكيف أن بداية الكذبة جاءت عندما أنهى مرحلة الدراسة الجامعية في الدور الثاني وفضل ألا يخبر حموه، وعلى الرغم من بساطة الموقف؛ إلا أن أغلبية التعليقات قررت أن تأخذه على محمل الجد وتُسدي نصائح حقه، أضاف أحدهم مزحة خارج السياق.. "يا سلام لو حماك في الجروب ده وقاعد يتفرج عليك.

اتعامل مع موقع "فيسبوك" بصورة دائمة منذ عام 2008 لكني لم أتعثر قط في منشور للاستفسار عن أنواع إطارات السيارات، وأيهم أكثر كفاءة سوى على "للرجال فقط"، بالرغم من أن العديد من الصديقات وعضوات المجموعات النسائية المغلقة حيث أشترك يملكن سيارات ويقدن دون صعوبات، بدا الرجال كذلك أكثر تعاونًا، للمرة الأولى أيضًا أصادف منشورات تناقش أساسيات إنشاء تجارة جديدة، وأي البضائع يصلح للتسويق في أي النطاقات الجغرافية، حيث يقتصر البعد الاقتصادي لعالم السيدات على تسويق مواد التجميل أو الملابس والمأكولات، ما جعل ثاني انطباعاتي عن المجموعة هو عمليتها الشديدة، هنا نقاشات تجارية ونصائح محددة قانونية كانت أو اجتماعية، ما يدفعنا للحديث عن الانطباع الثالث "الوضوح".

حسب تجربتي الشخصية، تُعد التفاصيل العائلية ومناقشة المشكلات الاجتماعية من أبرز الموضوعات المطروحة دائمًا للمناقشة في أي مجموعة نسائية مغلقة، بيد أن عرض المشكلة وأسلوب مناقشتها والردود عليها كذلك يبدو لي أمر غاية في التعقيد، حيث تفتقد العضوات حس التنظيم في أغلب الأحيان، فتتخلل التعليقات المُحللة للمشكلة أخرى تتساءل عن تفاصيل أو تبدل دفة الحوار برمته، ليحمل المنشور الواحد أكثر من وجه، في غرفة الرجال بدا الأمر أكثر تنظيمًا، لا يخرج أحدهم عن سياق الحديث وتُجيب الأغلبية العُظمى عن الاستفسارات بردود مقتضبة وواضحة، خالية أغلب الأحيان من الفكاهة المفتعلة، حتى عندما يأتي الأمر لمناقشة مشكلة ذات طابع جنسي، ما يُسلمنا للانطباع الأخير "الجرأة".


على صفحات مجموعة الرجال، يمكن مناقشة المشكلات المتعلقة بالأداء الجنسي بأريحية أكبر من المجموعات النسائية، باعتبار الممارسة الجنسية أمر اعتيادي من مفردات الحياة اليومية، مجموعات السيدات المغلقة ما تزال تعتبرها "تابوه" إلى حد كبير، يستوجب بدء الحديث فيه تصريح من "الأدمن" أو اعتذار مُسبق عن الألفاظ والعبارات غير المألوفة، حتى أن أحد الرجال المشاركين في المجموعة قرر أن يسأل الزملاء عن دواء/ عقار يُساعد على أن يخلد الصغار للنوم مبكرًا كي يتمكن من قضاء وقت خاص مع زوجته قائلًا: "بعد إذن الادمن محتاج منوم للاطفال مش عارف أعيش حياتي لأنهم بيسهرو وأنا بنام بدري".

لحسن الحظ حذره عشرات من خطورة مثل هذا التصرف على صحة أطفاله، ما جعلني في نهاية جولتي أحظى بالقليل من السكينة والهدوء، إذ هناك بعض العقلاء ما زال بإمكانهم حماية كوكبنا من التداعي، والنوع البشري من الانقراض. أول التعليقات على الإطلاق كان من نصيب "أدمن" الجروب أي المسؤول عن تنسيق التفاعل على المجموعة حيث أجاب .. "متهيألي خطر أنك تدي أطفال منوم، ممكن تسرحهم عند الجيران طالما بدري".. قال آخر على نحوٍ بدا أكثر جدية .."فعلا خطر جدًا المنوم على الأطفال ممكن مهدئات طبيعية ينسون ونعناع " فرد الأب معلقًا: "دول عفاريت مش نافع معاهم حاجة".


تعثرت في مجموعة أخرى من العقلاء، العشرات منهم على وجه الدقة، قرروا التجاوب على نحوٍ لم أتوقعه على تساؤل من شاب رغب أن يعرف ما إذا كان الوحيد الذي يتلذذ بإيذاء وضرب زوجته دون داعي، وكان استفساره كالتالي: "السلام عليكم انا عايز اسألكم أنا بحب أوي اضرب مراتي واعيط عليه..ا بحب أعذبها، مين مثلي وقولي دا سببه إيه، عايز جواب سريع".

هنا قرر أغلبية المعلقين نصح المشارك بالتوجه لمعالج نفسي، إذ اعتبروا سلوكه نوع من المرض النفسي أو "السادية". أجاب أحدهم في تعليق مقتضب "وساكت على نفسك ليه روح اتعالج"، وقرر آخر وهو شاب درس بكلية الصيدلة الاسهاب في النصح: "اللي قدرك على زوجتك اليوم هيخليها تقدر عليك غدًا، فبالله عليك اتعالج وبلاش تضرب أو تؤذي زوجتك اللي هى المفروض السكن، لكن وأنت المفروض الحنان والسكن لها". لم يكن هناك تشجيع على العنف والإيذاء كما قد تُرجح الصور النمطية للمجموعات المغلقة المبنية على التصنيف النوعي ومن ثم التقليل المتعمد والاستهانة بحقوق الآخر. للأمانة أغلب حقوق الأخرى في غرفة "للرجال فقط" كانت مصونة، بينما جاء أطرف التعليقات على المنشور من مجموعة آباء ثلاثينين قرروا تحويل الدفة للتنمر والسخرية من كاتب المنشور باعتباره زوج مستضعف مضطهد يدعي التفوق على زوجته إذ قال أحدهم: "كذاب يا خيشة ماتصدقوش الكلام دا"، وأكمل آخر: "اسرح بينا اسرح دا أنت شكلك اللي مراتك بتظبطك".


خارج السياق الظريف والفكاهي، يطرح البعض أحيانًا تساؤلات قد تكون خلافية في مجتمع الذكور، كسؤال طرحه عضو حديث الانضمام للمجموعة: "لو خطيبتك قالتلك انها كانت في علاقة جنسية سطحية مع شاب، يعني هيا لسه بنت وتابت وبقت تصلي، وأهلها ناس كويسين أوي ومحدش يعرف غيرك، وانت من تعاملاتك معاها شايف إنها كويسة وبتراعي ربنا فيك وفي أهلك ..توافق تكمل ولا لأ؟ ولا تعمل إيه معاها؟"

مرة أخرى، من وجهة نظر شخصية، توقعت أن أرى ردود فعل أكثر حدة وعنفًا على المنشور، إلا أن ما أثار دهشتي أن أغلب التعليقات جاءت في سياق القبول بالزيجة، كي لا نرى الصورة بوردية زائدة، دفع بالقبول ذاك من باب "العفو" والصفح وليس تقبل خيارات الآخرين/ الأخريات، لتمتعهن بالحقوق ذاتها. في أحد التعليقات قال عضو بالجروب: "ومن عفى وأصلح فأجره على الله، كل بني آدم خطاء وهى نضيفة ومحبتش تخبي عليك والنفس اللوامة اللي هى فيها دي إن شاء الله عمرها ما هتغلط تاني أبدًا، وانت عارف إن في شباب زبالة كتير يعني هو أكيد ضغط عليها كتير أوي بدافع الحب والجواز".

على الجانب الآخر، عبرت بعض التعليقات بأسلوب فج بليغ على نحوٍ شعبي على ضرورة إنهاء العلاقة: "لا متخدش أم ديل" أو "اخلع". فيما قرر آخر التعبير عن وجهة نظر قريبة: "بلاش أحسن الموضوع صعب إنك تنساه، غير إنها مع أول مشكلة بينكم هتلاقي نفسك بدأت تشك فيها، والله أعلم."

راعينا عدم نشر أي منشورات أو أسماء صور تكشف هوية أعضاء المجموعة الذين أشار إليهم المقال.