الأقباط متحدون - الإنسانية أرحب من دين وأوسع من طائفة
  • ١٥:٠٤
  • الثلاثاء , ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧
English version

الإنسانية أرحب من دين وأوسع من طائفة

مقالات مختارة | بقلم د. عماد جاد

٥٨: ٠٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

يقترب عدد سكان الكرة الأرضية من سبعة مليارات إنسان أقل من نصفهم يتبعون الديانات الإبراهيمية، من يهودية ومسيحية وإسلام، وأكثر من النصف يتبع ديانات تقليدية، البعض يسميها وضعية مثل البوذية والهندوسية والكونفوشيوسية، ناهيك عن آلاف العقائد والمعتقدات المحلية فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، التى كان يسميها أستاذنا الراحل المتخصص فى الشئون الأفريقية، د. عبدالملك عودة كريم «الديانات المحلية».

الملاحظ أن الصراعات الدموية والقتل على الهوية جرى فى أغلبه داخل الديانات الإبراهيمية وفيما بينها، فالصراعات بين الفرق اليهودية متأصلة فى التاريخ، والصراع الدموى بين اليهودية والمسيحية معروف، والحروب الدينية فى قلب أوروبا والعالم الجديد بين الكاثوليك والبروتستانت معروفة، وإحداها دامت سبعة عقود كاملة عرفت بحرب السبعين عاماً وانتهت عام 1643 بمعاهدة صلح وستفاليا، التى وجدت الحل فى الدولة القومية وفصلت الدين عن الدولة والسياسة، كما استخدم الدين من قبل أباطرة أوروبا شعاراً لاحتلال دول أخرى ونهب ثرواتها، ومن بين ذلك حروب الفرنجة على الشرق التى سموها بالحروب الصليبية، أيضاً الصراعات والحروب الدموية فى صدر الإسلام معروفة ومسجلة تاريخياً، وتزخر كتب التاريخ بالصراعات والحروب بين ملوك وأمراء الطوائف، وكيف سعى البعض لاستخدام الدين لأغراض دنيوية، وتعمد الخلط بين الدين والسياسة وتوظيف الأول، المقدس والمطلق فى خدمة الثانى، المتلون والمتغير، الأول الذى يحرص على نبل الغاية وسلامة الوسيلة، الثانى الذى تبرر لديه الغاية فاحشة الوسيلة، فالغاية فى السياسة تبرر الوسيلة مهما كانت. ولا تزال منطقتنا تعانى من صراع فرض الدولة الدينية وإيمان قطاعات من المواطنين وصناع القرار داخل أجهزة حيوية بالخلط بين الدين والسياسة، والتسليم بأن الرابطة الأساسية هى رابطة الدين/ الطائفة لا رابطة الوطن والوطنية.

فى قداس الأحد الماضى وفى ساحة القديس بطرس، الساحة الرئيسية فى الفاتيكان، وأمام مئات الآلاف من المصلين، قدم بابا روما «فرانسيس» نموذجاً فى تجاوز رابطة الدين والطائفة إلى الرابطة الإنسانية، فقد علق الرجل على الجريمة النكراء التى ارتكبها إرهابيون تكفيريون ضد مصلين أبرياء إبان صلاة الجمعة الماضية فى مسجد الروضة بمدينة بئر العبد غرب مدينة العريش وأسفرت عن استشهاد ثلاثمائة وخمسة من المصلين وإصابة مائة وخمسة وثلاثين آخرين، قال الرجل للمصلين الكاثوليك «لقد سبب لنا خبر المجزرة التى وقعت الجمعة الماضى فى مسجد فى شمال سيناء بمصر، ألماً كبيراً، إنى أواصل صلاتى من أجل الضحايا الكثر ومن أجل الجرحى والمجتمع المتألم للغاية بأسره، ليحررنا الله من هذه المآسى وليعضد جهود جميع أولئك الذين يعملون من أجل السلام والوفاق والتعايش، هؤلاء الأشخاص كانوا يصلون فى تلك الساعة، نحن أيضاً فى داخلنا وبصمت فلنصلِّ من أجلهم».

تلك كانت كلمات الحبر الأعظم بابا الفاتيكان، لم يتوقف أمام دين أو طائفة الضحايا، حزن عليهم وصلى من أجلهم كبشر من خلق الله، رسالة الرجل باختصار أننا بشر خلقنا الله جميعاً وترك كل جماعة أو كل واحد يعبده بطريقته الخاصة، لكن الوصية الأولى أن أحبوا بعضكم بعضاً كما أحب الله البشرية جمعاء، يشرق شمسه على الصالح والطالح، وله الحساب فى اليوم الأخير، ورحمته أوسع وأكبر وأعمق من قدرة الإنسان على الاستيعاب. كلمات الرجل تقول «الإنسانية أرحب من دين وأوسع من طائفة وأكبر من عِرق، الإنسانية تشمل كل البشر على مختلف انتماءاتهم وعقائدهم».
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع