الأقباط متحدون - التوازن الدقيق
  • ٠١:٥٨
  • الاثنين , ٢٠ نوفمبر ٢٠١٧
English version

التوازن الدقيق

مقالات مختارة | بقلم : د. عماد جاد

٠١: ١٠ م +02:00 EET

الأحد ١٩ نوفمبر ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 تقوم معادلة الحكم فى لبنان على توازن دقيق للغاية، عبر عن نفسه فى الصيغة الطائفية للحكم، التى تتوزع المناصب الرئيسية على أساسها، فالرئيس مسيحى مارونى، ورئيس الوزراء مسلم سنى ورئيس مجلس النواب مسلم شيعى، وطوال تاريخه كان لبنان ملعباً للقوى الخارجية، فلم ينقطع الارتباط الخارجى للقوى والطوائف بالقوى الخارجية، فللشيعة علاقة قوية بإيران لاسيما بعد ثورة الخمينى عام 1979، كما أن للسنة علاقات قوية بدول عربية سنية وتحديداً السعودية، وللموارنة علاقات مميزة مع فرنسا، ولأن تجربة الحرب الأهلية اللبنانية التى اندلعت عام 1976 أكلت الأخضر واليابس وانتهت بكوارث على الجميع، فقد حافظت الطوائف اللبنانية على معادلة التوازن الدقيق، وضبطت التدخلات الخارجية على النحو الذى يسمح بها دون الإخلال بمعادلة الحكم القائمة على التوازن الدقيق. ويبدو أن التنافس بل التنازع والصراع السعودى الإيرانى قد تجاوز هذه الصيغ على أثر الصراع الثنائى فى مناطق أخرى، فى سوريا والعراق والبحرين واليمن، ففى الأخير هناك مواجهات مباشرة وغير مباشرة بين السعودية وإيران، وقامت الأخيرة بتجاوز قواعد اللعبة عندما أمدت الحوثيين بصواريخ بعيدة المدى تطال المدن السعودية المختلفة، وجرى توجيه بعض من هذه الصواريخ على مدينة الرياض، كما تدخل الحرس الثورى الإيرانى فى الحرب الدائرة فى اليمن. تجاوز إيران لقواعد اللعبة لم يتوقف عند حدود ذلك بل طال لبنان عبر علاقة مباشرة مع حزب الله تتجاوز الدولة اللبنانية، بحيث بات حزب الله دولة داخل الدولة، بل إن تسليحه يفوق تسليح الجيش اللبنانى، إضافة إلى امتلاكه خطوط اتصال خاصة خارج سيطرة الدولة اللبنانية. تحت شعار المواجهة مع إسرائيل وتحرير فلسطين راكم حزب الله السلاح أمام أعين الجميع، وعندما جاءت اللحظة المناسبة اكتشف الجميع أن الحزب أداة إيرانية بالكامل، وبات لاعباً إقليمياً لحساب إيران وبتوجيه إيرانى، فقد أرسل مقاتليه للقتال فى سوريا إلى جانب النظام، وإلى العراق مع الحرس الثورى ضد تنظيم الدولة، كما بدأ فى تقديم العون للحوثيين فى اليمن، هنا غضبت السعودية بشدة وقررت قلب المعادلة فى لبنان رأساً على عقب، فاستدعت رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى ودفعته لتقديم استقالته من الرياض متهماً حزب الله وإيران بالتدخل السافر فى لبنان وتدبير محاولة لاغتياله، وتدريجياً تكشفت حقيقة أن رئيس الوزراء اللبنانى المستقيل محتجز فى السعودية وتحت الإقامة الجبرية، لاعتبارات تتعلق بالشأن السعودى الداخلى، وهو ما نفته السعودية على لسان وزير الخارجية عادل الجبير الذى أضاف أن الحريرى مع أسرته مقيم فى السعودية باعتباره مواطناً سعودياً، وهى إشارة لا تخلو من معنى حيث تتعامل السعودية مع الحريرى باعتباره مواطناً سعودياً فمن حقها أن تفعل معه ما تشاء. لم تتدخل أى دول عربية، تدخلت فرنسا بحكم العلاقة التاريخية مع لبنان وصلاتها الخاصة بالموارنة الكاثوليك، وزار الرئيس الفرنسى السعودية والتقى الحريرى، ثم زاره وزير خارجية فرنسا ودعاه لزيارة باريس، ولوحت فرنسا بتصعيد الموضوع إلى مجلس الأمن الدولى، فكان القرار السعودى بمنح الحريرى حريته وتركه يغادر إلى باريس صباح أمس الأول السبت، لينتهى فصل سخيف للغاية من فصول الملف اللبنانى والصراع السعودى الإيرانى الذى لا يقف عند هذه الحدود، بل يتجاوزها إلى دول جوار أخرى، وإذا كان الحريرى قد غادر الرياض وسوف يعود إلى بيروت فإن ذلك لا يعنى نهاية القصة لأن القصة لن تنتهى إلا حسب رؤية وإرادة طهران والرياض، ويظل لبنان يدفع الثمن.

نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع