الأقباط متحدون - «الألِفُ» الزائدة.. عند فرسانِ الرحمة
  • ١٧:١٣
  • الخميس , ١٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

«الألِفُ» الزائدة.. عند فرسانِ الرحمة

مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت

٥٥: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ١٦ نوفمبر ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 عنوانُ المقال قد يثيرُ سؤالًا فى ذهن القارى. لماذا لم أستخدم تراكيب لغوية شهيرة مثل: (ملائكة الرحمة- رُسُل الرحمة)؟، والإجابة: ليس فقط لأننى لا أحب استخدام الكليشيهات الشهيرة المُستهلَكة، بل لأن كلمتى: ملائكة ورُسل لا تخدمان فكرةَ المقال، فـ«الملائكية» تحمل معنى «الفرض» لا الاختيار. الملائكةُ مجبولون على الخير، كما أخبرنا الموروث، فليست لهم حريةُ «اختيار»: الخير أو الشر، الرحمة أو القسوة، مثلما نحن البشر. هم جنود السماء يسمعون فيطيعون. كذلك «الرسولية» تحملُ معنى «التكليف»، لا الاختيار. تعلمنا من الموروث أنه لا رسولَ قد اختار أن يكون رسولاً، إنما اصطفته السماءُ من بين بنى الإنسان، لكى يقدّم الرسالة التى «كُلِّف» بحملها، فالتزم بها.

 
«الفرض» و«التكليف» يحملان معنى: «الجبر» و«الإلزام»، وليس هذا طرح مقالى. اخترتُ «فرسان»، لأنها الأنسب، فالفروسية «قرارٌ» و«اختيار» من موقع القوة. يختارُ المرءُ أن يكون فارسًا، فلا يصنع الجمال من باب «الفرض»، أو «التكليف»، بل بمنطق الاختيار: «وهديناه النجدين»، والاختيارُ قوةٌ. تُضاف إليها قوى أخرى مثل الحكمة والبسالة والشهامة، وغيرها من صفات «الفارس».
 
بعد هذه الاستهلالة، أبدأ المقال.
 
إنه حرفُ «الألف» الزائد فى خطاب الفرسان. ولهذا قصة. فى جروب يجمعنا، نحن بعض مثقفى مصر من فنانين وأدباء وأطباء وموسيقيين وسياسيين، نجتمع دوريًّا فى مكان ما. بعضنا يعتذر عن اللقاء لدواعى السفر، أو للمرض، أو غيرهما من أعذار. لكن الطبيب «هشام الخياط» كتب عذرًا عجيبًا ظللتُ أتأمل حروفَه طويلا. كتب يقول: «أعتذر عن حضور اللقاء لظروف مرضاى. وإن شاء الله أكون معكم فى اللقاءات القادمة».
 
ما هذا؟!، لم يقل الطبيبُ: «لظروف مرضى»، بل لظروف «مرضاى»!، عذرٌ يخصُّ «الآخر»!، وحين نغيب لظرف «امتحانات أولادنا، أو مرضهم»، لا يكون أطفالُنا: «آخرَ»، بل هم جزءٌ منّا، وبالتالى فهو ظرفُنا نحن. لكن «مرضَى» الطبيب «آخر» بالنسبة له. قد يتغيب عنهم إن كانت حالتهم مستقرة، ولكن فى الحالات الحرجة، ينسى الطبيبُ أصدقاءه ويغيب عنهم من أجل «الآخر المريض».
 
أعجبنى العُذرُ، فكتبتُ فى الجروب ردًّا على عذره: نحن يا دكتور هشام نقول: «أعتذرُ عن الحضور لظروف (مرضى). وأنتم فرسان الرحمة تقولون: لظروف (مرضاى). فى تلك (الألف) النحيلة: الزائدة فى عذركم والناقصة فى عذرنا، يكمن الفارقُ بين الَأثَرَة والإيثار. طوبى لكم». الأثرة: حب الذات. والإيثار: حب الآخر.
 
الطبيبُ الذى يعالجُ مرضاه من منطلق الالتزام أو الواجب يختلفُ عن الطبيب الذى يعالج مرضاه من منطلق الحبّ والرحمة وكراهة أن يتألم إنسانٌ. الأول طبيبٌ، والثانى هو «الفارس».
 
بشكلٍ شخصىٍّ أنا مَدينةٌ للفارس «هشام الخياط»، أستاذ الكبد الشهير، نجل الكاتب الشهير «رأفت الخياط»، لأنه اكتشف مرضى، وكذلك مرض أمى الروحية «آنجيل غطاس»، فورًا، بعدما حار الأطباءُ شهورًا فى تشخيص حالتها. وأشعر بالفخر حين أراه يحاضر فى كُبريات مؤتمرات العالم حول كشوفه الطبية الجديدة، حاملاً اسم مصر، فضلاً عن كونه مثقفًا رفيعًا ومتذوقًا للأدب والموسيقى والتشكيل والنحت. وفى ذات السياق أقرُّ بأننى مدينةٌ لفرسان رحمة آخرين، مثل د. عادل عدوى، أستاذ جراحة العظام، وزير الصحة السابق، ود. على حجازى، وغيرهما ممن يمارسون الطبَّ من باب الإنسانية والإيثار، وليس من باب الوظيفة والأثرة. وتمتدُّ القائمةُ النبيلة حتى تصلَ إلى كلّ طبيبٍ عالجنى منذ طفولتى حتى اليوم. بل أنا مَدينةٌ للطبيب الذى أخرجنى للحياة من رَحِم أمى. وهو بالمناسبة طبيب يهودى مصرى اسمه «ليون ليشع». وسأترك لخيالكم أن يرسم صورةً لأبى، المتصوّف، حافظ القرآن، المستنير، الذى ذهب بزوجته الجميلة إلى طبيب «يهودى» لتلد على يديه. علمنى أبى أن أحب كلَّ إنسان فوق الأرض دون أن أنظر إلى عقيدته، مادام الإنسانُ (طيبًا). والطِيبةُ، من الطِّيْبِ والشذا، تعنى: الرحمة والتسامح والعدل والتحضر. وماذا أفعل مع الأشرار يا أبى؟، هذا فى مقال قادم.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع