الأقباط متحدون - قيمة التسامح Tolerance
  • ١٢:٠٥
  • الخميس , ١٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

قيمة التسامح Tolerance

ماجد كامل

مساحة رأي

٢٩: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ١٦ نوفمبر ٢٠١٧

 قيمة التسامح Tolerance
قيمة التسامح Tolerance
بقلم :  ماجد كامل
التسامح قيمة إنسانية عظمي ؛ وعليه تقوم المحبة والسلام سواء بين الأفراد أو الشعوب . ولقد ضرب السيد المسيح له المجد أروع نموذج للتسامح في مثل السامري الصالح "لو10 :30 –37 " الذي رغم العداوة القديمة بين اليهودي والسامري ألا انه قام بتضميد جروحه والاهتمام بعلاجه . وفي هذا المقال سوف نتتبع قيمة التسامح عبر الأجيال المختلفة وسوف نبدأ أولا بالتسامح عند :-
أولا : أباء الكنيسة الأولين :
أمنت مصر بالمسيحية عام61 م مع دخول مار مرقس الرسول مدينة الإسكندرية وقيامه بتأسيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية لمواجهة المدرسة الوثنية فتعاملت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية مع الفلسفة الوثنية بتفتح عقلي شديد. وكان خير من مثل هذا الاتجاه هو القديس والفيلسوف كليمندس السكندري الذي استخدم الفلسفة اليونانية كسلاح قوي للدفاع عن المسيحية والرد علي هجمات الفلاسفة الوثنيين ؛ فلقد اعتبر الفلسفة (هبة الله ومنة منه ؛ ووسيلته لتقبل العالم للمسيحية ) وقال أيضا (أن ما تقدمه كل مدرسة بشكل طيب ويقود إلى المعرفة الحقة النقية هو ما اسميه أنا فلسفة ؛ والي هذه الفلسفة تنتسب كل الدراسات الأخرى وتدور في فلكها ) وعلي نهج القديس كليمندس سار الأباء الكبادوكيين العظام ؛ فالقديس باسيليوس الكبير يقول في احدي كتبه (علينا أن نستعد مسبقا بالاستماع للمعلمين من خارج المسيحية لنصير مؤهلين للإنصات الداخلي إلى الدروس الإلهية) ؛ ويقول أيضا(إذا افترضنا وجود صلة قرابة بين علوم الدنيا والدين فأننا سنستفيد كثيرا بمعرفتنا بهذه الصلة) ويقول أيضا في نفس الكتاب ( أن شعر هوميروس "أحد اشهر شعراء اليونان القدامي" ليس ألا مدحا في الفضيلة عدا بعض الأمور القليلة وهذا يظهر جليا من قصة الاوديسة" "احدي أعمال هوميروس الشهيرة ") ويقول أيضا (وبما أن الكثير من أفعال واقوال هؤلاء البارزين لا تزال حتى اليوم محفوظة بين أيدينا في الكتب أو باقية في ذاكرتنا؛ فلا يجب أن يفوتنا الاستفادة منها ) "ولقد صدرت ترجمة عربية للكتاب عن أسقفية الشباب بعنوان الشباب وروح العصر تحت سلسلة الإيمان – الثقافة – المجتمع رقم 3 " أما القديس غريغوريوس النازينزي "وهو واضع القداس الغريغوري الشهير الذي تصلي به كنيستنا القبطية " فيقول (نحن نأخذ من الثقافة اليونانية ما هو الحق ؛ أما ما يقود إلى الوقوع في حبائل الشيطان فأننا نرفضه )ويضيف أيضا (ان كل ما عندهم حتى ما فيه من الضلال نافع لتقوانا إذ يجعلنا نفرق بين الخير والشر ومن ضعفهم نقوي تعاليمنا )وبعقلية متفتحة مستنيرة يختتم القديس غريغوريوس كتابه بقوله (من الحماقة أن ندين المعرفة التي عند غيرنا لان غيرنا سوف يفعل معنا الشي نفسه ) وهكذا ضرب أباء الكنيسة الأولين المثل الرائع في التسامح والتفتح العقلي 
ثانيا :- التسامح في العصور الوسطي 
وللأسف الشديد لم تتسم العصور الوسطي بالتسامح في اغلب فتراتها ؛فلقد استخدمت الإمبراطورية الرومانية لفظ (البرابرة –Barbarians ) لوصف كل ما هو غير روماني وهي كناية عن الاحتقار للشعوب والحضارات الأخرى ؛كما وضع البابا ليو الكبير "440 –461 " بدعة ما يعرف بـ "رئاسة بطرس علي سائر الرسل" وبالتالي كل من يخلفه علي كرسي روما وهكذا اصبح أسقف روما هو الوحيد الذي يملك مفاتيح الملكوت وكل من لايدين له بالطاعة والولاء هو خارج ومنشق علي الأيمان المستقيم ؛ وفي هذه الحقبة ظهرت ما يعرف بمحاكم التفتيش التي قامت بحرق العلماء والمفكرين وبلغت ذروة الكراهية وعدم التسامح مع الحروب الصليبية Crusade والتي رفعت الصليب رمز المحبة والفداء ظلما وعدوانا لتبرير أغراضها الاستعمارية للسيطرة علي الشرق وخيراته وهكذا تعمقت هوة الكراهية بين الشرق والغرب طوال العصور الوسطي 
ثالثا :- التسامح في العصور الحديثة :-
وجاءت عصور النهضة والتنوير لتشهد ثورة كبري في مفاهيم الحرية والتسامح ؛ "وقد سبق الكتابة عن بعض ملامح هذه الثورة في سلسلة مقالات كيف تقدم العالم وخصوصا الحلقة الثالثة برجاء الرجوع أليها ففي انجلترا ظهر الفيلسوف الانجليزي جون لوك ؛ وكتب كتابين كبيرين بعنوان "رسالتين في التسامح " ( وقد ظهرت لهما ترجمتان عربيتان ؛الترجمة الاولي للدكتورة مني ابو سنة عن المركز القومي للترجمة ؛والترجمة الثانية للدكتور عبد الرحمن بدوي عن مؤسة عبد الرحمن بدوي ) . " وفي فرنسا ظهر الفيلسوف فولتير وله كتاب شهير بعنوان "التسامح " يقول فيه (لا يحتاج المرء إلى براعة فائقة أو فصاحة نادرة لكي يبرهن علي لزوم التسامح بين جميع الناس علي السواء . وقد تسألني الآن :هل يجب أن اعتبر التركي أو الصيني أخا لي ؟ أقول :نعم ؛أليس كلنا أبناء أب واحد وخلائق رب واحد ؟) 
أما الشاعر الألماني العظيم "جوته" "1749 – 1832 "فله ديوان شعري شهير بعنوان (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) يقول فيه :- (لله المشرق . لله المغرب .الأرض شمالا والأرض جنوبا تسكن آمنة ما بين يديه ؛من يعرف نفسه وكذلك غيره فسيعرف أيضا أن الشرق وان الغرب لن يفترقا عن بعضهما أو يبتعدا أبدا أبدا سأظل اغني واردد لحني وأهدهد نفسي بين الشرق وبين الغرب وليصبح جهدي هو غاية مجدي ) وهكذا يرد الشاعر العظيم جوته بشعره الرائع علي كل دعاوى التفوق والاستعلاء الغربي التي نادي بها كل من الشاعر الإنجليزي كبلنج الذي قال في استعلاء (الشرق شرق ؛ والغرب غرب ولن يلتقيا ) كذلك رد جوته علي دعاوى العنصرية التي ظهرت في كتابات فوكاياما وهنتجتون وبرنارد لويس ...... الخ
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع