الأقباط متحدون - زمن البعكوكة
  • ٠٥:٤٦
  • الأحد , ١٢ نوفمبر ٢٠١٧
English version

زمن البعكوكة

فاروق عطية

مساحة رأي

٢٠: ٠٩ ص +02:00 EET

الأحد ١٢ نوفمبر ٢٠١٧

السعودية - أرشيف
السعودية - أرشيف

 فاروق عطية 

 
 كان زمان أيام الزمن الجميل، قبيل الغزو الشمولي وسيطرة الفاشيتين العسكرية والدينية علي البلاد، كان في مصر صحيفة أسبوعية فكاهية إسمها البعكوكة. كنا أيام الصبا معجبين بها نتبادل نكاتها وقفشاتها ونضحك من قلوبنا، كانت الفكاهة تبدأ من ترويستها حيث تجد: مقرها شارع آنست يا نور العين، نمرة لا طلعت ولا نزلت، صاحبها ملوش دعوة بيها وقارئها ميستغناش عنها، جريدة عصبية، تصدر حسب التساهيل، لسان حال الغلابة اللي زيي وزيك، وفي المتن تجد المقالات اللآذعة والأزجال الضاحكة والشعر الحلمنتيشي والنكت الحراقة ذات الكاريكاتير المميز. وعندما وصلنا سن الوعي وبداية الشباب زاد إعجابنا بها ولكن ليس فقط لنكاتها وأزجالها الساخرة ولكن أيضا لما نقرأه بين سطورها من نقد لاذع وبنّاء لكل ما يدور في البلاد. نقد مستتر لكل عاداتنا وتقاليدنا الغير محبوبة، نقد صريح لبعض قرارات الحكومة الغير صائبة، وتقد حتي للملك ذاته دون الوقوع في جريمة العيب في الذات الملكية.
 
   كان من أهم شخصياتها الكاريكاريتية أم سحلول والدكتور مكسوريان ورفيعة هانم والمصري افندي، غني حرب ومذكرات تلميذ خايب. وكان من أهم كتابها وزجاليها ورسامي كاركاتيرها: محمد عزت الفقي (صاحب امتياز إصدارها)، بيرم التونسي، عبد الله أحمد عبد الله (ميكي ماوس)، فتحي قورة، حامد الأطمس، محمد عبد الهادي بكري، عبد السلام شهاب (أبو بثينة)، سعد عقل، رمزي نظيم، محمد المويلحي، محمود كامل (مؤرخ موسيقي)، رخا، طوغان وغيرهم كثيرين. صدرت البعكوكة عام 1937، وتوقفت عن الإصدار بأمر قانون حكومي اسمه قانون تنظيم الصحافة الذي أسقط ترخيصات صحف القطاع الخاص في كارثة التأميم العام لكل عمل ناجح وكان ذلك عام 1961، وقيل في سبب منعها نفس ما قيل في منع برنامج البرنامج لباسم لوسف: أن الوقت وقت بناء لا يحتمل الهزل..!
 
      كان لا بد من هذة المقدمة لأننا الآن نعيش زمن البعكوكة. زمن لا تستطيع فيه أن تفرق بين الصدق والكذب، لا تستطيع أن تميّز فيه بين الكوميديا والتراجيديا، لا تستطيع أن تفصل فيه بين ما هو خير وما هو شر، باختصار زمن متلون بلون الحاكم، يصير فيه الحرام حلالا، والحلال حراما كيفما شاء من تسلطن علينا شئنا هذا أم أبينا.
 
   كانت المرأة في مملكة الصحراء المسماة بجزيرة الجرب ممنوعة من سياقة السيارة بقرار من طويل العمر أطال الله سرواله، وأوجد له علماء الوهابية المهلبية من أيات الذكر الحكيم ومن أحاديث السنة الشريفة وما اتفق علية اهل الفقه والسنة والمذاهب ما يؤيد هذا المنع، وأضافوا إليها الكثير من البهارات حتي تسبّك الطبخة وتصبع مبلوعة وسريعة الهضم كقولهم أن المرأة حين تجلس علي مقعد السيارة يدخل الشيطان بين فخذيها، وحين تمسك بمقبض تغيير السرعات تثار جنسيا لتشابه المقبض بالحمامة، وأن هزة السيارة تؤثر علي الرحم فتمنع الحمل أو تسقط الجنين إذا كانت حامل، وإن كانت فتاة الهزة تحدث لها احتكاكا فتثار جنسيا، وغيرها من الأسباب والمبررات. وفجأة عندما وافق طويل العمر أطال الله أعوامه وقصر خطاياه وأيد أعماله علي قيادة المرأة للسيارة، انبري علماء الغبرة والهبرة علي تأييد الموقف بما تيسر من أيات الكتاب وأقوال السنة وشرح أصحاب الفقه والذمة وما جاء في كتب الأئمة، أنه ليس هناك مانع شرعي من قيادة المرأة للسيارة وهناك ألف سبب وأمارة.
 
   كانت مملكة حداة الإبل ورعي الغنم وما تزال مفرخة للفكر الداعشي، مُموّلة لإنشاء المدارس والمساجد الإسلامية في شتي بقاع العالم وهذه المدارس والمساجد يدرّس فيها وسائل الجهاد الوهابي المؤيد لقتل الآخر المختلف حرقا وتفجيرا ودهسا. حتي الدول العربية الشقيقة لم تسلم من عبثهم، فكانت هي السبب في تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن. كما صدّرت لمصرنا الفكر الوهابي السلفي الذي اعتنقه غلاة المتطرفين فكريا أمثال برهامي وحسّان ويعقوب والحويني الذين نشروا الفتنة الطائفية وحرضوا علي قتل أفراد الجيش والشرطة، وتكوين الخلايا الإرهابية النائمة في سيناء والصعيد انتظارا للفرصة المواتية للانقضاض علي نظام الحكم لتدميره، وتحول معظم أفراد الشعب من متدينين بالفطرة إلي التمسك بمظاهر الدين دون جوهره، فانتشر الحجاب والنقاب والجلباب القصير والطاقية والذبيية علي الجبهة، وآمن الناس أن الفن مسرح وسينما وموسيقي حرام، الرسم والتصوير والنحت حرام، الاختلاط في المدارس والجامعات بين الجنسين حرام، الآثار أصنام يجب القضاء عليها أو علي الأقل تغطيتها حتي لا تكون فتنة للناظرين. التمتع بالبحر وشواطئه بلباس البحر حرام، اللهو البريئ بين الأصدقاء حرام، والنتيجة فقدان الدخل القومي من السياحة، وتدهور صناعة السينما، وفقدان المزيد من الدخل القومي.
 
   وفجأة أيضا يعلن ولي عهد مملكة الظلام ومليكها المنتظر تغييرا دراميا في توجهات دولته، يعلن الحرب علي الغلوّ الديني واعتناق الوسطية التي تحرم الإرهاب والعنف، والانفتاح والتعايش مع الديانات الأخري، مبشّرا بتعاظم الدخل القومي المنتظر نتيجة لتخطيطه بانشاء منتجعات علي شواطئ البحر الأحمر وجزره الكثيرة لتكون متاحة للسياحة الشاطئية لكل دول العالم للتمتع بدفئ أشعة الشمس الساطعة في الشتاء، والاستمتاع بالجبال والسهول والوديان في صحاريها، وتوفير كل مستلزمات المتعة لهم. ويتفاعل مع تطلعاته بعض رجال الدين المدجنين مرحبين، وانتشر الحديث عن أن الحجاب والنقاب عادة وليست عبادة وأن شعر المرأة وزينتها حلال حلال وسبحان مغير الأحوال، ومن منهم حاول الشجب تم القبض عليه وآخرين فروا إلي دويلة قطر بالجوار.
 
   ألم أقل لكم أننا في زمن البعكوكة، زمن تحولت فيه المفاهيم من المنطق إلي اللا منطق، مصر الحضارة التي كانت مثال للديموقراطية الواعدة وتسير بخطوات واثقة إلي الحداثة والتقدم، تقع بين شقي الرحا، بين الفاشية الدينية والفاشية العسكرية، وتنهار بسرعة الصاروخ إلي التطرف والغوغائية، ودولة الرمال والتخلف والغلوّ الديني، تصدّر لنا كل وسائل التخلف والانحطاط والغلوّ والإرهاب، وتنأي بنفسها من هذا المستنقع وتحاول مسايرة العصر بالانفتاح علي العالم. هل هذا معقول ؟ هل هذا منطقي ؟ وهل سيستمر ؟ هل سنري قريبا تحول جزيرة الجرب من دولة مفردة الديانة لا تعايش فيها مع الآخر إلي دولة ترحب بالاختلاف وتُبني فيها الكنائس والمعابد بجوار المساجد ؟ هل ستكون شواطئها وجزرها مرتعا للمتعة يُرتدي فيها للبكيني بدلا من البوركيني ويحتسي فيها الويسكي بدلا من بول البعير ؟ إن غدا لناظره قريب أو كما يقول المثل الشعبي: نقعد علي الحيط ونراقب الزيط. وقد وصلتني الأخبار قبيل ختام هذا المقال بأن السعودية وافقت علي بناء أول كنيسة بها، ومرحا بتغير الأحوال..!!       
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع