الأقباط متحدون - شئون النكاح وأمور المضاجعة
  • ١٠:٥٧
  • السبت , ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧
English version

شئون النكاح وأمور المضاجعة

مقالات مختارة | أمينة خيرى

٥٧: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧

أمينة خيرى
أمينة خيرى

هراء من دون ثراء.. وفراغ منزوع المحتوى.. وإلهاء ولكن دون إجبار.. قبل سنوات ثورة يناير انتشرت نظرية فكرية مبنية على تحليلات سياسية بأن نظام الحكم القائم يخطط ويدبر كل ما من شأنه أن يلهى الناس عن التفكير فيما حولهم من فساد، وما يرونه من توغل الشلة الحاكمة على موارد البلاد، وما يكابدونه من مشكلات ومصاعب تتعلق بالصحة والتعليم والاقتصاد إلى آخر القائمة المعروفة.

فمن خناقة مدوية على مباراة كرة قدم إلى فضيحة مجلجلة لراقصة ورجل أعمال، ومنهما إلى «شعبولا» وإيييييييه فى شتى أمور الدنيا أو تفجير كنيسة هنا أو بث فتنة هناك، اعتنق البعض نظرية الإلهاء باعتبارها وسيلة لإدارة أمور الحكم وتسيير شئون الرعية. هى وسيلة مضمونة ومعروفة للسيطرة على الجموع والإبقاء عليهم فى حالة خمول أو كمون أو هدوء. وسواء كانت هذه النظرية قد طُبِّقت بالفعل فى أيام الرئيس الأسبق مبارك أو لم تطبق، فإن هذا لن يؤثر كثيراً فى معيشتنا اليوم.

اليوم نحن لسنا فى حاجة إلى إلهاء، لأننا ملهيون دون مجهود، ولا نحتاج تدخلات خارجية أو مؤامرات أجنبية أو ترتيبات إقليمية أو تخطيطات محلية لإلهائنا. ليس هذا فقط، بل إننا لو مضى يومان دون إلهاءات لشعرنا بأن شيئاً ما «غلط»، وأن مساحة ما فارغة فى حياتنا.

حياتنا التى تدور فى الأيام القليلة الماضية حول مضاجعة الزوجة الميتة حيناً والبهائم حيناً، لم تدهش أحداً. فقد باتت اهتماماتنا متمحورة حول شئون النكاح وأمور المضاجعة. وهى تتخذ لوناً اجتماعياً تارة، وتتلون بألوان الاقتصاد تارة أخرى، وترتدى رداء الدين دائماً وأبداً. هذا الرداء هو ما يعطى حديث النكاح المرغوب مشروعيته، وهو ما يضفى على هموم المضاجعة حلاوتها وطراوتها، ومن ثم شغف الناس بها.

ومن الزوجة الميتة إلى البهيمة غير الميتة، ومنهما إلى الطفلة الرضيعة والطفلة التى لم تبلغ، فيجوز مضاجعتها من على بعد، وكذلك الطفلة التى نضج جسمها لكن لم ينضج عقلها، لذا وجب نكاحها، إلى آخر قائمة الأمور التى تمددت وتوغلت وتوحشت حتى باتت تسيطر على حياتنا بشكل واضح لا ريب فيه.

يظهر علينا الإعلامى الشهير والمذيع الرعديد صاباً الغضب على أولئك المتخلفين الذين يشغلون الناس بفتاوى غريبة شاذة. وعلى سبيل الدحض والتبيان، يستضيف الشيخ فلان العلامة والحاج علان الفهامة ليبحرا بالمشاهدين والمشاهدات فى مزيد من شئون النكاح والمضاجعة تحت راية التنوير والتوضيح، فإذا بالفقرة تنتهى بابتداع شكل جديد من أشكال النكاح، ووضع فريد من أوضاع المضاجعة، وينتهى البرنامج بصراخ وسباب فى الاستوديو وتهانٍ وأمانى فى الكواليس بأعداد اللايك وآلاف الشير وملايين المشاهدات التى ستحظى بها الحلقة التى حوت سر النجاح والطريق إلى الاستمرار: جنس مغلف بدين مع قليل من الشتم وبعض من السب، وكثير من الصراخ والصخب.

وتستيقظ الملايين فى صباح اليوم التالى لتدور فى دوائرها الإلهائية التى اختارتها بتلقائية. يشاهدون مقطع الحلقة الذى يسهب فيه الشيخ العلامة فى حديثه الذى لا حياء فيه لأنه تحت بند الدين، ومقطع آخر للحاج الفهامة الذى يعدد فيه شرعية أنواع المضاجعة المختلفة ولا مجال لاتهامه بالتفاهة أو نعته بنشر الكراهية الموجهة ضد المرأة أو التشكيك فى مصداقيته لا سيما أنه يحشو كلامه بقال الله وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما يريح الضمائر ويسعد القلوب التى باتت لا تهفو إلا إلى المضاجعة والمناكحة.

وبين الناكح والمنكوح وأحاديثهما التى تجذب الملايين وتسعد قلوب المشتاقين لكل ما يدخل الإثارة إلى حياتهم، تمر أيامنا مروراً يستوجب التوقف والتفكر. هذه الملايين من التدوينات على «فيس بوك»، والتغريدات على «تويتر»، والتعليقات على الموضوعات المنشورة فى الصحف والمواقع العنكبوتية، ناهيك عن أحاديث المقاهى وستات البيوت والناس فى المواصلات العامة عن المضاجعة والمناكحة فى ضوء ما قاله «علماء الأمة».

العجيب والغريب والمريب أن البعض من «علماء الأمة» لا يتضايقون أو يتململون أو تستنفر حجتهم الدينية حامية الوطيس بحالة الفوضى العارمة التى نعيشها، التى يمعن أبطالها فى بسط عضلاتهم على بقية خلق الله، فلم نسمع أحدهم يفتى ويجتهد فى حكم من يسمح لنفسه بقيادة سيارة دون لوحة أرقام عكس الاتجاه وبأقصى سرعة معرضاً من حوله للخطر الداهم. ولم نسمع صوتاً مجلجلاً يجوب الفضائيات محذراً من ظاهرة التدين المظهرى حيث أصحاب اللحية والجلباب والنقاب والقبقاب الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين درجة أولى ويسمحون لأنفسهم بوعظ غيرهم بضرورة تغيير مظهرهم لتكون مصر شبههم ومن ثم إلى الله أقرب.

أقرب ما يمكن سرده كنتيجة مجتمعية واضحة للإلهاء الذى باتت الملايين تعشقه وتتجرعه حتى الثمالة، ويتخصص فيه الفقهاء ومدعو العلم والتدين هى تلك الأحاديث التى تدور رحاها بين مجموعات السكان فى المجتمعات العمرانية الجديدة على «واتس آب» أو «فيس بوك». قبل أيام، وعلى صفحة تجمع سكان أحد هذه المجتمعات الحديثة التى تعانى فوضى عارمة فى قواعد المرور فيها، وسطوة هائلة للسكان من مطلقى عيالهم يصرخون ويلعبون فى الحدائق العامة حتى ساعات الليل المتأخرة والذين يعتبرون قيادة الصبية الصغار لسياراتهم فى الشوارع بجنون وعنجهية حرية شخصية لا يحق لأحد الاعتراض عليها، قامت قومة الكثيرين لأن فتاة شوهدت مع مجموعة من الشباب وهى تضحك معهم بصوت مرتفع وكانت ترتدى ملابس «غير لائقة». فجأة تحول الجميع إلى رافعين راية الحق والفضيلة والشرف والحرام والدعوة إلى عدم السكوت على ما أصاب المدينة الفاضلة من فسق وفجور.

ويبقى الفسق والفجور بأشكالهما الأخرى الكثيرة والأكثر ضرراً مسكوتاً عنها مرضياً عليها، وذلك لأنها لا تتعلق بشئون النكاح وأمور المضاجعة.. إنه الإلهاء الشعبى الفطرى الذى لا يحتاج لجهود دول أو اجتهاد أنظمة.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع