الأقباط متحدون - المعونات واستقلال القرار (5)
  • ٠٦:١١
  • الأحد , ٣ سبتمبر ٢٠١٧
English version

المعونات واستقلال القرار (5)

مقالات مختارة | بقلم :د. عماد جاد

٤٧: ٠٧ م +02:00 EET

الأحد ٣ سبتمبر ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 عندما بدأ الكونجرس الأمريكى يتحرك لتخفيض المعونات المقدّمة لمصر، طرح مبررات عدة، منها حال حقوق الإنسان فى مصر، ومنها التضييق على الأقباط وحرمانهم من حقوق أصيلة لهم فى الوظائف العليا، إضافة إلى قضية بناء وإصلاح وترميم الكنائس، وأخيراً طرح موضوع قانون الجمعيات الأهلية، فهناك من يراه يقيد حركة وحرية الجمعيات العاملة فى مجال حقوق الإنسان والعمل الأهلى، وهناك من أضاف أن القانون يخالف القوانين الأمريكية فى ما يخص المنح والمساعدات المقدّمة، حيث ينص قانون الجمعيات الأهلية المصرى الجديد على استقطاع 1% من إجمالى المساعدات الأمريكية المقدّمة للمنظمات الأهلية أو منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مصر وتقديمها إلى منظمات وجمعيات معيّنة، وهى المنظمات التى لا تحصل على تمويل خارجى وليست لديها قدرة على الحصول على هذا التمويل لمواصلة عملها الأهلى والإنسانى، وقد أبلغنا بعض القائمين على شأن مصر فى الخارجية الأمريكية أن هذا البند يخالف القانون الأمريكى الذى ينص على عدم جواز فرض رسوم أو ضرائب على ما تقدمه «واشنطن» من منح ومساعدات، وقالت لنا المسئولة بوضوح شديد نرجو أن تحذفوا هذا البند من القانون حتى نتمكن من الدفاع عن عدم تخفيض المعونات المقدّمة إلى مصر أمام الكونجرس، وقالوا لنا سوف تستمعون بأنفسكم من أعضاء الكونجرس الذين سوف تلتقون بهم، وهو ما حدث بالفعل. أما فى ما يخص الحديث عن الحريات والحقوق، ورغم أن النقد كان شديداً بفعل تقارير منظمات تابعة لجماعة الإخوان، .

وأخرى لها سمعة دولية جيدة، فإن الأموال القطرية تمكنت من تجنيد عناصر مهمة فيها إضافة إلى شخصيات نافذة متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر فى قضية التمويل الأجنبى ومحكوم عليها، أو على أقارب لها بالسجن فى القضية الشهيرة التى وقعت إبان حكم المجلس العسكرى، وتم تهريبهم سراً، مثل زوج ميشيل دن، إلا أن القضية جرى الرد عليها بأن هناك تحسّناً يطرأ على سجل مصر فى هذا المجال، وأن بعض التجاوزات وقعت بفعل تعرّض البلاد لموجة غير مسبوقة من الإرهاب، إضافة إلى نشاطات هدّامة ممولة خارجياً من بعض الدول والمنظمات. وفى ما يخص أوضاع الأقباط وحقوقهم فقد كان التأكيد بوجود مشكلات بالفعل، لكن الأوضاع فى تحسّن وتطور والقضية برمتها ثقافية، وتتعلق بمعدلات التعليم ومتوسطات الدخل وثقافات محلية منغلقة، وهو ما تحاول الدولة مواجهته عبر حزمة من السياسات، ويبذل رئيس الدولة شخصياً جهداً هائلاً فى هذا المجال، ويواجه تعنّتاً شديداً من رجال الدين أصحاب الفكر المتشدّد. والحقيقة أنه فى ما عدا المادة التى تفرض استقطاع 1% من المنح المقدّمة إلى منظمات المجتمع المدنى، فإن كل ما ذكر كان مجرد مبررات وغطاء لاعتبارات سياسية، بمعنى أن هناك عدم رضا عن سياسات مصر الخارجية، لا سيما فى مجال تنويع مصادر السلاح والخروج عن الإطار التقليدى الذى كان يعتمد على السلاح الأمريكى بالأساس، وهو ما تغيّر بفعل اللجوء إلى شراء السلاح من فرنسا وروسيا والصين وغيرها من الدول المصدّرة للسلاح، وقد كشفت زلة لسان للمتحدث باسم البيت الأبيض ذلك، عندما أشار إلى تحفّظ «واشنطن» على وجود علاقات وتعاون بين مصر وكوريا الشمالية، وبصرف النظر عن صحة المعلومة من عدمها فإن من يحصل على مساعدات ومنح عليه أن يسير وفق التعليمات الصادرة من المانح، بشأن شبكة العلاقات الخارجية ومجالات التعاون وغيرها، فالعوامل الخاصة بالحقوق والحريات وقضية المساواة وحقوق الأقليات والحريات الدينية وغيرها ما هى إلا مبررات تستخدم فى حال الاختلاف السياسى أو خروج الدولة المتلقية للمساعدات عن الخطوط العامة المرسومة لها من الدول المانحة، أما الدول التى لا تتلقى مساعدات خارجية مثل دول «البريكس»، فلا مجال لرفع هذه المبررات فى وجهها، ولو تم رفعها، فالتجاهل التام هو الرد الطبيعى عليها، فمن لا يحصل على مساعدات خارجية يمارس حقوقه وسياساته الخارجية بحرية، ويبنى شبكة علاقاته وفق مصالحه وشئونه الداخلية الخاصة به، التى ليست مجالاً للسجال الخارجى.

نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع