الأقباط متحدون - توزلا من الأهوال إلي النمو والاستقرار
  • ٠٨:٥٢
  • الخميس , ٢٤ اغسطس ٢٠١٧
English version

توزلا من الأهوال إلي النمو والاستقرار

فاروق عطية

مساحة رأي

٣٠: ٠٩ م +02:00 EET

الخميس ٢٤ اغسطس ٢٠١٧

 مديبة توزلا
مديبة توزلا

 فاروق عطية 

 بالرغم من أن لوكافاس التي ننطلق منها إلي المعالم الأخرى هي إحدي بلديات كانتون توزلا، إلا أننا لم نذهب إلي مديبة توزلا عاصمة الكانتون إلا مؤخرا (اتحاد البوسنة والهرسك يتكون من عشر كانتونات) ، وكانتون توزلا يتكون من 13 بلدية. وتبعد مديبة توزلا عن لوكافاس حوالي 17 كم وعن سراييفو حواتي 120 كم. انطلقنا من لوكافاس إلي توزلا في الثامنة صباحا ووصلناها بعد ربع ساعة. وللوهلة الأولي لاحظت اختلافا بينا بين توزلا وسائر مدن البوسنة والهرسك، تمتاز توزلا بشوارعها المتسعة النظيفة وعماراتها الشاهقة الجميلة والانسياب المنظم للمرور لدرجة أحساسي أنني في مديبة كندية أو أمريكية.
 
   تقع مديبة توزلا  على المنحدرات الجنوبية الشرقية من جبل مايفيتسا (شمال شرق البوسنة) علي نهر يالا. وتقع المنطقة الوسطي في سهول متجهة من الشرق إلى الغرب، حيث توجد مناطق سكنيه في شمال وجنوب المدينة الواقعة علي تلال ايلانتشيكا ، وكيكلي ، وجراتينا. بمتوسط ارتفاع 237 متر فوق مستوي سطح البحر. والمناخ قاري معتدل. وهناك رواسب وفيرة من الفحم في المنطقة المحيطة بتوزلا. لا تزال ستة مناجم للفحم تعمل في جميع انحاء المدينة. ويستخدم الكثير من الفحم المستخرج في المنطقة لتوليد الطاقة في محطه توزلا لتوليد الطاقة، وهي أكبر محطه لتوليد الطاقة في البوسنة والهرسك. تعد توزلا المركز الإداري والاقتصادي والتعليمي والثقافي والصحي والسياحي لكانتون توزلا والمنطقة الاقتصادية لشمال شرق البوسنة، وهي أكبر مدينة بالبوسنة والهرسك. ويبلغ عدد سكانها  110,979 حسب تعداد عام 2013. بها جامعتين والعديد من المعاهد العليا والمراكز التعليمية. وتعتبر واحدة من المعاقل الاقتصادية والصناعية المتنوعة، إضافة لقطاع الخدمات المتميز والمتوسع بفضل السياحة وارتياد بحيراتها المالحة التي يزورها 100,000 سائح كل عام (تعد المديبة الوحيدة في كل أوروبا التي يوجد بها بحيرات مالحة). وتوزلا مدينة متعددة الثقافات، تجمع بين البوشناق والصرب والكروات واقليه صغيره من اليهود البوسنيين، وتمكنت من الحفاظ علي الطابع التعددي للمدينة طوال الحرب البوسنية وبعدها. "سكّانها 80,774 بوشناق (72,78%)، 15,396 (13,87%) كروات، 3,378 (3,04%) صرب، 11,431 (10,30%) أُخر حسب تعداد 2013".
 
    ويعود اسمها "توزلا"لوجود الملاحات بها فكلمة "توز" بالتركية تعني "ملح" وتوزلا تعني الملاحات أو مكان الملح (سالينز). كانت مأهولة منذ العصر الحجري (أكثر من 6,000 سنة) فهي أحدي أقدم المستوطنات الاوروبيه المستدامة، وبعود تاريخها الحديث إلي عام 1510 عندما أصبحت حامية هامة بالامبراطورية التركية. وظلت تحت الحكم العثماني لما يقرب من 400 سنه، في نهاية القرن السابع عشر اكتسبت أهمية استراتيجية للدفاع عن الحدود الشمالية للإمبراطورية العثمانية، . وفي 1878 أرفقت بامبراطورية النمسا-هنجاريا. في عهد الإمبراطورية النمساوية الهنجارية بدأ الاهتمام الصناعي في هذه المنطقة حيث بدأت بإنتاج الملح، وفتح مناجم الفحم، واستغلال الغابات، مع افتتاح منشآت صناعية أخرى، وعلى وجه الخصوص بناء السكة الحديدية دوبوي توزلا. بعد الحرب العالمية الثانية تطورت إلى مركز صناعي وثقافي رئيسي خلال الفترة الشيوعية في يوغوسلافيا السابقة، حيث ازدهرت صناعة إنتاج الملح، وبدأت الصناعة الكيميائية الحديثة، وفتح مناجم فحم جديدة، وظهر الفن المعماري في أبنيتها، وأنشأت معامل التعدين والمطاحن والمخابز، وإنتاج الخميرة، ومشاتل النباتات لتجهيز الفاكهة والخضروات، وصناعة الطباعة، وصناعة الأحذية، وغيرها. 
 
   قال مرافقي أتناء سيرنا بين شوارعها أن توزلا لم تنج من الفظائع التي ارتكبت في الحرب البوسنية، خاصة بعد ان أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها عام 1992 واعترفت بها الأمم المتحدة، حاصرت القوات الصربية مدينة توزلا، وبعد بضعة أيام هاجمتها القوات الصربية. وفي 15 مايو 1992 وقعت مذبحه للواء الميكانيكي التابع للجيش الشعبي اليوغوسلافي الغير المسلح في مدينه توزلا. وقعت المذبحة عند تقاطع طريق بريشانسكا مالطة حيث كان الجيش الشعبي اليوغوسلافي يقوم بانسحاب متفق عليه من المدينة. وقتل في هذه المذبحة 93 من افراد الجيش الشعبي اليوغوسلافي وجرح 44 خلال الهجمات. وفي 25 مايو 1995 أسفر هجوم آخرعلي توزلا عن مقتل 71 شخص مدني وأصابه 200 شخص في ما يشار اليه بمذبحه توزلا وذلك عندما اصطدمت قذيفة بالشارع الأوسط والمتنزه المجاور. وكان أصغر المدنيين الذين قتلوا في تلك المجزرة ابن عامين فقط. وفي فبراير 2014 كانت المدينة مسرحا لبداية اندلاع اضطرابات، ومنها انتشرت بسرعة إلى عشرات المدن والبلدات في جميع أنحاء البوسنة والهرسك.
 
    وفي زيارتنا لأجمل بحيرة مالحة بوسط المدينة، شرح لنا المشرف علي البحيرة كيف تكونت هذه البحيرة الرائعة قال: قد أدت عمليات استخراج رواسب الملح في المدينة، وخاصة في القرن العشرين، إلى هبوط أجزاء من وسط المدينة. وانهارت الهياكل البنائية في "منطقة الهبوط" أو هدمت. وتوزلا هي المدينة الوحيدة في أوروبا التي بها بحيرة مالحه في مركزها. فقد جف بحر بانونيان القديم من حوالي 10 مليون سنه مضت ، ولكن دأب الباحثين والعلماء مكن الآن من إبقاء مستوي من المياه المالحة مستقرا علي السطح، مكونا هذه البحيرة وسميت باسم البحر"بحيرة بانونيان" التي تم افتتاحها عام 2003. وقد تم افتتاح بحيرة ثانية "بحيرة بانونيكا" تضم شلالات اصطناعية في عام 2008. إدمج معها حديقة أثرية ونسخة مماثلة لمساكن بحيرات العصر الحجري، ومتحف به معلومات عن الثقافات المختلفة التي تركت بصماتها المادية والروحية هنا. وقد أصبح الموقع مقصدا سياحيا دوليا. وفي أغسطس  2012 افتتحت بحيرة ثالثة  بلغت نفقات تشييدها ما يقرب من مليوني مارك بوسني (حوالي مليون يورو). وتحتوي هذه البحيرة الثالثة أيضا علي شريحتين مائيتين تجتذبان السكان الأصغر سنا. ويزور هذه البحيرات صيفا في المتوسط حوالي 5,000 زائر يوميا (450,000 زائر خلال 3 أشهر الصيف). وقد تمكنا من زيارة البحيرتين الأخريين والتقطنا الصور خاصة لمدخل المتحف الملحق بالبحيرة الثانية "بحيرة بانونيكا"وقد وضع أمامه تمثال جميل لهيكل عظمي لديناصور وآنية حجرية من العصر الحجري. كما وضع تمثال رائع لسيدة بدائية من العصر الحجرية عارية أمام الشلالات. استمتعنا بمشاهدة البحيرات وتناولنا المشاريب المثلجة بالكافيتيريا الملحقة. ثم دلفنا لمنطقة وسط المدينة حيث العديد من المطاعم التي تمتد مناضدها خارجها وتظلل بالمظلات جميلة الألوان الواقية من حرارة الشمس"كانت درجة الحرارة في ذلك اليوم حوالي 30 درجةمائوية". لتناول وجبة الغذاء الجيد المشهور في مدن البوسنة (شبابتش) مع الحساء والسلطات وكانت أسعار الوجبات مناسبة ومعتدلة..
 
   قال مرافقي إثناء تناولنا الطعام:عمده مدينه توزلا هي ياسمين اماموفيتش، وهي كاتبة ومحامية ولدت في 1957، تنتمي للحزب الديمقراطي الاجتماعي في البوسنة والهرسك. وأعيد انتخابها لفتره ولاية ثالثه في 2008. وتوزلا كونها ذات أغلبية مسلمة يوجد بها العديد من المساجد والمنشأت الإسلامية (بعضها أثري)، وهناك أيضا الكنيسة الأرثوذكسية التي لم يمسها ضرر طوال الحرب، وكون توزلا تحوي طائفة كاثوليكية كبيرة (كروات) يوجد بها الدير الفرنسيسكاني الذي لايزال نشطا جدا في قرية بريسكا خارج المديبة مباشرة، يحتوي علي كنيسة كاثوليكية أثرية (عمرها 200 عام)، وبها أيضا مقيرة يهودية قديمة خضعت مؤخرا للتجديدات التي قامت بها منظمة أوبين توزلا والبلدية اليهودية توزلا.
 
   بعد الغذاء تجولنا في طرقات وسط المدينة ولاحظت غلقها أمام السيارات تماما بوضع حواجز علي مداخيلها كما أن المقاهي تحتل معظم مساحات الشوارع بمظلات تحتها مقاعد وثيرة والخدمة بهذه المقاهي جيدة ومميزة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع