الأقباط متحدون - معضلة بناء الكنائس فى مصر
  • ١١:٣٣
  • الثلاثاء , ١٥ اغسطس ٢٠١٧
English version

معضلة بناء الكنائس فى مصر

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٣٣: ١٠ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٥ اغسطس ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

رغم مرور نحو عام على صدور قانون بناء وترميم الكنائس، فإن الحال ظل كما هو عليه، فلا تغيير ولا تعديل ولا تطور فى الأوضاع القائمة التى تخنق محاولات بناء كنائس جديدة وتعرقل عمليات الترميم والإصلاح. قبل صدور القانون فى أغسطس من العام الماضى كانت الشكوى مُرّة مما يسمى «الخط الهمايونى» الموروث من حقبة الدولة العثمانية السوداء، وبعد صدور القانون تشبّعت نفوس المسئولين ببنود الخط الهمايونى فبات مطبقاً بالفعل ولا قيمة ولا جدوى لقانون بناء الكنائس الجديد. نحن اليوم أمام عشرات الحالات التى يرغب فيها الأقباط فى بناء كنائس صغيرة يصلون بها ويمارسون طقوس عباداتهم فى قرى بل ومدن (فى محافظة المنيا على سبيل المثال)، ولكن تخاذل السلطات يحول دون ذلك، لا سيما فى ظل حالة الإثارة والتهييج التى تقوم بها عناصر من الجماعة الإسلامية والإخوان والتيار السلفى هناك، حيث تشحن المواطنين البسطاء للتظاهر ضد بناء الكنيسة وتدفعهم أحياناً لوقف عمليات البناء عنوة وبالقوة، وهنا تبدو الدولة فى صورة العاجز عن ضبط الأوضاع، وتحت شعار التهدئة والتعايش توقف عملية بناء الكنيسة وتفتح الطريق أمام جلسات عرفية لتقرر مصير الكنيسة، وشهدنا العديد من هذه الجلسات التى اشترط فيها التيار السلفى والإخوان تجريد المبنى من دلالاته الدينية، فيكون مبنى عادياً لا يُرفع عليه صليب ولا تكون له منارة، ويُستخدم فى الصلوات فقط دون المناسبات الاجتماعية. والغريب والعجيب هنا أن بعض هذه الجلسات تمت بطلب وتحت إشراف السيد الوزير المحافظ، أى ممثل الدولة والمنوط به تطبيق القانون.

الوضع فى المنيا مأساوى بالفعل، فنحن نعلم مدى انتشار الفكر المتشدد فى هذه المحافظة التى كانت توصف يوماً ما بأنها عروس الصعيد، اليوم باتت معقلاً للتطرف والتشدد، ففيها وقعت جرائم لا تنتمى للإنسانية بعد فض رابعة، فى قرية دلجا، وفى مطاى وسمالوط. واليوم المعاناة أشد وأكبر، لا سيما فى ظل تواطؤ بعض العناصر الأمنية العاملة فى جهاز الشرطة، والتى قامت على سبيل المثال بإغلاق كنيسة قرية «كدوان» بداعى اعتراض بعض الأهالى على وجود الكنيسة. وفى نفس السياق يقول الأنبا مكاريوس أسقف المنيا: «لدينا ما يزيد على ١٥ مكاناً مغلقاً بأوامر أمنية، رغم اتخاذ كافة الإجراءات حسب نصوص القانون»، ويضيف الأنبا مكاريوس: «لدينا نحو سبعين قرية وعزبة ونجع بلا أماكن للصلاة»، ويضطر أهلها للسير كيلومترات إلى أقرب كنيسة من أجل الصلاة.

يحدث هذا فى مصر فى القرن الواحد والعشرين، وبعد ثورتين شارك فيهما الأقباط ضمن باقى شرائح المجتمع المصرى، وبعد هتافات مصرية شعبية بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأيضاً الدولة المدنية الحديثة، وقد تحدّث السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عن المواطنة والمساواة بين المصريين وقال إنه لا يفضل أن يوصف الإنسان المصرى بدينه ولا طائفته بل بصفته مصرياً فقط لا غير. ومن هنا نقول بوضوح للسيد الرئيس إن التشدد والتطرف يضرب مؤسسات الدولة ويعشش داخل هيئات وإدارات وأفراد يعملون فى جهاز الشرطة، ومن ثم هم أنفسهم يحملون فكراً متشدداً وينفذون فتاوى مفتى جماعة الإخوان بشأن بناء وإصلاح الكنائس، يتحايلون على تطبيق القانون بجلسات عرفية تنتمى إلى مراحل ما قبل الدولة، تمثل عادات بدوية صحراوية بينما مصر دولة مركزية منذ أكثر من سبعة آلاف سنة. سيدى الرئيس، نعلم أنك تحمل فكراً مستنيراً وتؤمن بقيمة المواطنة، لكن دوائر عديدة فى الدولة، وتحديداً فى الأجهزة التنفيذية، لا تؤمن بذلك، وتبذل جهودها لضرب المواطنة فى مقتل، وذلك من خلال اتباع سياسات تمييزية بين المصريين على أساس دينى. ولعل ما يحدث فى مسألة بناء وإصلاح وترميم الكنائس، وتحديداً فى محافظة المنيا، خير دليل على ذلك، لذا نرجوك التدخل لتطبيق القانون ووقف الطعنات الموجهة لمبدأ المواطنة والعيش المشترك فى محافظة المنيا كنموذج على ما يجرى فى بلادنا من عرقلة لبناء الكنائس.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع