الأقباط متحدون - الصين وإرادة الوجود الإنساني
  • ٠٧:٢١
  • الأحد , ١٤ مايو ٢٠١٧
English version

الصين وإرادة الوجود الإنساني

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ١٤ مايو ٢٠١٧

 الصين وإرادة الوجود الإنساني
الصين وإرادة الوجود الإنساني
كتب : مدحت بشاي
 
يتنادي المفكرون في بلادي إلي ضرورة السعي نحو إيجاد مشروع قومي لإحداث نهضة شاملة نتعامل معه ومن خلاله مع معطيات الواقع بموضوعية ، والاعتراف بوجود الأمور السلبية ومحاولة التصدي لها وجعلها منصات انطلاق نحو التغيير ومن ثم عدم التوقف عندها والبكاء علي اللبن المسكوب .. لا شك أننا نعاني من فجوة بين المشاريع المطروحة للإصلاح في كل منطلقاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية وبين ما نراه علي أرض الواقع من إنجازات فعلية تحقق التطلعات الوطنية التي ترقي بمستويات المعيشة وتحدث قفزات ملموسة في دفع القدرات الإنتاجية وتحقيق العدالة الاجتماعية ..
 
وقد يصيب الناس في بلادي بعض الإحباط عند متابعتهم لحال دول انتصرت علي العديد من عوامل التخلف ومعوقات التنمية ، وبعضها بدأت مشاريعها التنموية بالتزامن مع محاولاتنا المصرية، بل إن البعض منها كانت البداية الحقيقية لها منذ عقود قريبة وحققت ما يشبه الإعجاز في تحقيق طفرات اقتصادية هائلة ..
 
ولعل الصين خير مثال حيث بدأت مراحل النمو الاقتصادي الكبير والسريع في عام 1978 وتحقق لها أن تصل إلى معدلات نمو عالية  ، وبلغ متوسط نمو دخل الفرد الحقيقي مكانة مرموقة عالمياً ، و تراجعت معدلات الفقر إلي أقل من النصف ، وبهذا نجحت الصين في أن تنجز أسرع تقدم اقتصادي مستدام في تاريخ البشرية وأن تتكامل مع الاقتصاد العالمي من خلال رفع شعار التصدير من أجل حياة أفضل ، وفيه اتبعت الصين إحدي القواعد المهمة في الاستثمار من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية مع اشتراط استخدام العمالة الصينية ، وكذلك إلزام المستثمر الأجنبي بإنشاء مراكز للأبحاث والتطوير للارتقاء بالمنتج ومحاولة تقليل تكلفته إلي أدني مستوي ممكن ، وبهذا استطاعت من خلال هذا التوجه الاستفادة من تلك المراكز لنقل التكنولوجيا من المستثمر الأجنبي إلي الداخل .. كما بدأ الصينيون يستفيدون من هذه الاستثمارات الأجنبية عن طريق إمداد الشركات والمصانع الأجنبية باحتياجاتها من مدخلات الإنتاج ومستلزماته ..
 
لقد تحولت الصين خلال عدة سنوات إلي ما يمكن أن نطلق عليه مصنع العالم من خلال قدرتها علي جذب الآلاف من الشركات والمصانع والمؤسسات الكبري في العالم ، حتي أصبح لها جميعا فروع رئيسية لها في الصين تقوم من خلالها تلك المؤسسات بالتصدير إلي كل أنحاء الدنيا ..
 
لقد شغلني منذ فترة قراءة كل ما كتب ويكتب عن الصين وتجربتها التنموية.. وقد استوقفني وأنا أستعرض أوراق أرشيفي الخاص ملخص بديع للكاتب محمد مصطفي غنيم لكتاب تحت عنوان الصين في عام 2001 نشر في مجلة الطليعة عدد إبريل عام 1968 واحتفظت به .. والكتاب تأليف هان سوين وصدر في طبعته الإنجليزية عام 1967 .. تقول الكاتبة لقد كفلت خطة السنوات الاثنتي عشرة لتنمية الزراعة من 1956 إلي 1967 ، الخطوط العريضة لمحو الأمية ، وإنشاء المدارس ، وتدريب الملايين علي الفنون العسكرية .. لدرجة أن نسبة الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة في الريف قبل 1949 لا تزيد علي 5 % .. أما اليوم (عام صدور الكتاب 1967) فإن أكثر من 60 % من مجموع سكان الصين في المناطق الريفية أصبحوا الآن يقرأون ويكتبون ( ولنا أن نتصور الوضع الآن في 2006) .. وأضافت أنه قد وضعت الشروط التالية لإقامة أي مشروع  :
 
1) تحقيق أفضل خدمة لمصالح الشعب في المدي الطويل ليس الآن فقط ، بل خلال الثلاثين عاما القادمة 
2) تحقيق أقصي فائدة بأقل تكاليف ، عن طريق عمل المتطوعين بلا أجر من أبناء المنطقة أنفسهم
3) تزويد هذه الخطط باعتبارات إجمالية ، سواء من ناحية التطور في زمن السلم أو الدفاع الاستراتيجي خلال الحرب
تلك كانت رؤية هذا الشعب لتحقيق الصين 2001 ، وكانوا وهم في مسعاهم للتقدم يؤمنون كأفراد بأهمية ألا يطلبوا مالا من الدولة ولا مساعدة من الآخرين ..
وتضيف الكاتبة.. إن إلغاء المركزية في التصنيع في الصين في تلك المرحلة والمتمثلة في نقل الشباب من المدن إلي مناطق جديدة قد مثل بداية حقيقية للإنجاز ، ولقد ساهمت النظم الجديدة للعمل والدراسة في نفس الوقت في نشر السكان ، وتحديد المواليد ، وتقليل نفقات التعليم والاستهلاك .. ثم كان الإيمان بأن التعليم هو استثمار في رأس المال الإنساني قد ضاعف من قدرات الناس وفاعليتهم .. والفلاح العالم ، والعالم المخترع يصنعان الثروة ، ونظام العمل والدراسة في نفس الوقت يجعل نصف الشعب من الشباب ضمن القطاع المنتج .. 
 
لقد قال ماوتسي تونج ليست هناك طريقة أفضل من الجدل لتوحيد القوي ، فإن الجدل والمناقشة ، والنقد ، والنقد الذاتي ، إنما ينتج اقتناعا وتوحيدا ، ولكل فرد قدرة هائلة علي التفكير والقوة في نفسه ..
وفي خاتمة الكتاب تقول الكاتبة إن ثورة عظمي تلوح منذ الآن وحتي عام 2001 .. إن الأجيال المقبلة ستكون حاسمة .. لقد دخل المستقبل حاضرنا فعلا .. لقد بدأ عام 2001 في الصين اليوم !!
 
أري أن هذا الكتاب الصادر منذ 40 سنة يضع العديد من الإجابات علي مزاعم كل أصحاب معلقات الأعذار واستعراض أسباب الفشل ووصلات العويل والبكاء علي الأحوال ، والذين يرون العثرات والعراقيل فقط ولم تشغلهم حتمية البحث عن الدروب والسبل الميسرة للوصول إلي نقطة البداية ومن ثم الوثوب إلي تحقيق الآمال ..

إن تجربة الشعب الصيني في تعامله مع أزمة الانفجار السكاني ، وعدم استسلامه لأن تمثل تلك الأزمة بتداعياتها عامل طرد وهجرة للعنصر البشري بقدر ما تشكل موردا خصبا وثريا لإنتاج صيني غزير ومتنوع يسافر إلي كل الدنيا عابرا البحار والمحيطات حتي رأينا الإنتاج الصيني بين يدي الست حلاوتهم وزوجها علي حكشة في عزبة الصعايدة .. واستدعي الحال عميد كلية آداب أعرق جامعاتنا لإنشاء قسم لتعليم اللغة والآداب والثقافات الصينية العريقة ، ويسافر نائب رئيس جامعتها الدكتور حامد طاهر إلي بكين في زيارة ناجحة لعقد بروتوكولات تعاون وعمل مشترك مع بعض مؤسساتها العلمية والتعليمية