الأقباط متحدون - مجال الأمن القومى المصرى الآن
  • ١٧:٤٣
  • السبت , ١٢ اغسطس ٢٠١٧
English version

مجال الأمن القومى المصرى الآن

مقالات مختارة | د.جهاد عودة

٣٢: ١٢ م +02:00 EET

السبت ١٢ اغسطس ٢٠١٧

د.جهاد عودة
د.جهاد عودة

مصر وهى تعيد صياغة القواعد الجديدة لأمنها القومى تعى ضرورة التفرقة المنهجية بين القدرة والمقدرة، حيث تنصرف القدرة على مؤشرات مادية للقوة، والمقدرة هى هيكلية تفاعلية تسبب التغيير المستمر لمصادر القوة ومعايرها.

القدرة أيضا مسألة مرتبطة بثبات هياكل القوة وتتطلب قدرة مؤسسية مستقرة، أما المقدرة جوهرها اتصالى تنصرف إلى التفاعل المتغير وفى كثير من الأحيان يصاب بانقطاعات تغير قيم التفاعل. فى قول آخر لاتزال للقدرات المادية مرجعية لكنها إطارية عامة لا تتصل بشكل مباشر باحتياجات المواقف المتغيرة فى سياق العولمة، وأصبحت التهديدات تأتى بأشكال متغيرة وغير متوقعة وسريعة ومزعجة.

وباتت الفرص غير واضحة فى استمرارها على المدى المتوسط.. بعبارة أخرى ساهمت العولمة فى إيجاد مفارقة بين القدرة والمقدرة. الأمر الذى سمح لدول إقليمية كبرى تعانى مشاكل فى اقتصادها أو علاقاتها الدولية أن تعتمد على المقدرة وليس القدرة فى رسم سياستها الآمنة والصراعية. فمثلا الدور المصرى ـ الروسى ـ السورى فى المفاوضات حول قواعد مناطق منخفضة التوتر اعتمدت فيه مصر على قوة العلاقات الاتصالية مع الروس والسوريين.

فى العالم القائم على الاعتماد المتبادل ليس هناك مجال للتبعية كما شهدنا فى القرن الماضى. هناك فقط القدرات الاتصالية. ويفتح التحرك المصرى الحالى معانى جديدة للأمن القومى. وهى باختصار أن مصر تتقدم الآن إلى أى مساحة ممكنة تستطيع من خلالها توليد مقدرة اقتصادية أو عسكرية إقليميا. إذن لا يعنى أن مصر تتغافل عن القوى المنافسة لها إقليميا.

الخطة الجديدة لمصر أن تنافس وتزاحم إقليميا ودوليا. ويجب ألا ننسى مناطق خفض التوتر فى الأصل خطة سورية ـ تركية ـ إيرانية. وكانت هناك محاولات تركية وإيرانية تريد إغفال أى دور لمصر فى الترتيبات الإقليمية القادمة.

من الملاحظ أن هناك دولا عربية، مثل سلطنة عمان نشطت التعاون العسكرى مع تركيا وأرسلت 172 مدرعة إلى عُمان. وأشارت شبكة «سى إن إن» الأمريكية إلى أن أنقرة سلّمت مدرعات قتالية من طراز «بارس» ضمن اتفاق موقع منذ عام 2015. ومن المتوقع أن يمتد تنفيذ الاتفاق حتى عام 2020، وينصّ على تسليم مدرعات من طراز «بارس3-88» و«بارس3-66» القتالية المتعددة المهام.

هذا فى الوقت الذى قامت فيه مصر بعقد لقاءات ثنائية مع سلطنة عمان، نظّمتها الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات العمانية (إثراء) فى 17 مايو الماضى بالقاهرة بين نحو20 شركة عُمانية وعدد من الشركات المصرية المتخصصة فى مجال إدارة الأعمال الدولية وخدمات الاستثمار، لبحث فرص زيادة التبادل التجارى المشترك.

لعبت مصر دورا فى إعلان تنظيم «جيش الإسلام» موافقته على حل نفسه والاندماج فى جيش سورى وطنى موحد. وبالموافقة على هذه المبادرة يكون جيش الإسلام حل نفسه، فالمبادرة تنص على حل التشكيلات العسكرية فى الغوطة. وهى المنطقة التى تشكل مركز ثقل جيش الإسلام، أما الهدف من الخطوة فهو تشكيل نواة لجيش سورى وطنى موحد، إضافة إلى حل كل المؤسسات المدنية والخدمية وإعادة هيكلتها فى جسم واحد، كما تنص المبادرة على معالجة كل فكر دخيل يعارض مبادئ الثورة السورية.

وهى مبادئ قال جيش الإسلام منذ تأسيسه فى 2012 إنه حرص على الالتزام بها، فطالما نُظِر إليه على أنه فصيل معارض معتدل، ضمت تشكيلاته نحو 60 كتيبة نشطت فى دمشق وريفها ومحافظات حمص واللاذقية وحماة وإدلب. كما مثل بعدده المقدر بعشرات الآلاف وعتاده شوكة فى حلق النظام، إلى أن برز قائده السابق زهران علوش كمطلوب رقم واحد للنظام، ونالت منه غارة روسية فى ديسمبر 2015. وإلى جانب البعد العسكرى حظى «جيش الإسلام» بدور سياسى من خلال شغل محمد علوش منصب كبير للمفاوضين فى وفد المعارضة السورية إلى محادثات جنيف.

هدف مصر تحويل المقدرة إلى قدرة تسهم فى بناء الدولة بشكل مستمر. وتواصلت مصر مع عدد من الأطراف على نحوٍ متزايد، مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة بغرض تخفيض العداء والتوتر فى مجالى الأمن والاستخبارات ضد التهديد الإيرانى المشترك.

وكان الرئيس السوري، بشار الأسد قد أعطى الضوء الأخضر لإقامة قاعدة للقوات البحرية الإيرانية على مقربة من قاعدة حميميم الجويّة، التى تستخدمها روسيا فى عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش. كما تقوم إيران ببناء قواعد بحرية وأرضية خارج الحدود. وساهمت مصر فى رد الفعل العربى تجاه هذا التصرف الذى يمكن أن يخل بتوازنات كثيرة فى المنطقة.

ويصب ما اتخذه الزعيم الشيعى مقتدى الصدر فى الآونة الأخيرة مواقف أوحت باستقلاليته عن النفوذ الإيراني، فى صالح محاولات الحد من نفوذ طهران، وهتف أنصاره عدة مرات ضد النفوذ الإيرانى فى العراق. وقال الكاتب والمحلل السياسى العراقى رياض السعيدي، إن «الصدر ابتعد فى الآونة الأخيرة عن الرؤية الإيرانية، خصوصًا تجاه أزمتى العراق وسوريا». وكان لمصر دور فى هذه الاتصالات.

وأعلن رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق فى طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة فايز السراج عن خريطة طريق قال إنها «ستسهم فى خروج البلاد من أزمتها». وتضم الخريطة التى أعلن عنها الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة فى شهر مارس 2018. وتتواصل مصر مع المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبى والسراج فى هذا السياق، انطلاقا من الحفاظ على أمنها القومي.

المفهوم الجديد للأمن القومى يسمح لمصر أن تصل إلى ما تستطيع الوصول إليه بغرض تثبيت أركانه.
نقلا عن الاهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع