الأقباط متحدون - الأقباط يمتنعون
  • ٠٩:٢٢
  • الأحد , ٢٣ يوليو ٢٠١٧
English version

الأقباط يمتنعون

منير بشاي

مساحة رأي

٠٩: ٠٥ م +02:00 EET

الأحد ٢٣ يوليو ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

( من كتاب "رحلة حياتى" تحت الطبع)

بقلم منير بشاى

بعد التخرج جاء دور البحث عن عمل.  وكانت امى تتوقع ان اعود الى اسيوط للعمل وللحياة بقية العمر فى بلد الاجداد.  ولذلك وارضاء لها حاولت فى البداية ان احقق رغبتها.  وكانت جامعة اسيوط قد بدأت تفتح ابوابها وكان من المتوقع ان توفر العديد من الوظائف وان تكون الافضلية فى هذه الوظائف لابناء اسيوط.  وقدمت طلبا للعمل كأمين مكتبة فى الجامعة وكانت هناك وظيفة شاغرة.

انتظرت الرد على طلبى ولكن طال انتظارى دون ان يكلفوا أنفسهم حتى عناء الرد.  وبعدها علمت ان من عين بدلى كان احد زملاء الدراسة وكان مسلما ومن مدينة دمياط وترتيبه فى التخرج كان السبعين من عدد 140 فى الدفعة كلها، وكان ترتيبى أنا التاسع.  فكرت فى الشكوى ولكن قيل لى ان لا احاول، فمدير الجامعة د. سليمان حزيّن جاء ليؤسس تلك الجامعة بتعليمات من عبد الناصر شخصيا ان لا يعين مسيحيا واحدا فى جهاز الجامعة.  والسبب كان لأن مدينة اسيوط كان بها عدد كبير من المسيحيين وكنت تراهم فى اليافطات التى تملأ المدينة فى الطب وطب الاسنان والمحاماة والصيدلة وغيرها.  حزنت لتعرضى للتحيز ولكن من ناحية اخرى كنت راضيا بالنتيجة لأنى كنت اريد البقاء فى مدينة القاهرة.

وبعد ذلك قدمت فى مسابقة اقامها "ديوان الموظفين" لوظائف تقع فى اماكن مختلفة فى مصر.  اديت الامتحان التحريرى والشفوى.  وظهرت النتيجة لأكون الاول على كل الممتحنين.  وكان هذا فى ذاته يثير الشكوك فى كيف ياتى قبطي فى المركز الأول؟  وقلت ربما كان الممتحنون منصفين فى هذه المرة.  ولكن عندما جاء دور التعيين وجدت نفسى قد عينت فى مدينة بورسعيد فى اقصى شمال مصر وكنت  اطلب التعيين فى مدينة القاهرة.  ثم علمت انهم بدلا من ترتيب الممتحنين بحيث يصبح المسيحى ادنى القائمة جعلوه اعلى القائمة وجعلوا الوظيفة غير المرموقة فى اعلى القائمة.  وبالتالى من هم اقل منى عينوا فى القاهرة بينما انا حرمت من ذلك.

رفضت هذه الوظيفة ولم يتبق امامى غير العمل بالمدارس وهى عادة تقبل العدد الأكبر وعيبها التعامل مع الطلبة وهو امر لا يفضله الكثيرون ولكن ما باليد حيلة.  قدمت للعمل وطلبت التعيين بالقاهرة كرغبة اولى واسيوط كرغبة ثانية.  وجاء التعيين فى اسيوط مع ان ترتيبى يؤهلنى للعمل بالقاهرة حسب رغبتى الأولى.  ولكن ادارة المكتبات وضعت الى جانب اسمى ملحوظة تقول اننى عينت فى اسيوط بناء على رغبتى الثانية وصالح العمل.  ذهبت للادارة لأشكو فقالوا لى اذا لم نرسلك انت لاسيوط وهى بلدك فمن نرسل؟  تألمت من هذا الظلم خصوصا اننى كنت قد قدمت على دراسة الماجستير فى جامعة القاهرة.
وكنت وقتها اتدرب فى احدى مدارس القاهرة.  واذ بمندوب من ادارة المكتبات بالوزارة يتصل بى ويقول انه لديه خبرا سارا لى فقد تم تعديل تعيينى الى مدرسة الحسينية الثانوية بالقاهرة.

وعلمت بعدها ان حركة التعيينات لأمناء المكتبات ذهبت للتصديق عليها من وكيل الوزارة محمد كامل النحاس وراجع الرجل تقديرات الاسماء فوجدنى عينت فى اسيوط رغم احقيتى التعيين فى القاهرة التى هى رغبتى الاولى.  قال له مدير المكتبات انهم اضطروا الى ذلك لانه لا يوجد من يرغب فى الذهاب الى اسيوط.  وكان الرجل نزيها مثل السيف فرفض التوقيع وامرهم ان يصححوا الامر ويرسلوا الحركة مرة اخرى له للتصديق.

وهكذا عينت فى القاهرة وبعد شهور طلبت للخدمة بالجيش وبعد انتهاء خدمتى ذهبت الى المكان الذى كنت اعمل فيه قبل ذهابى للجيش وكان قد تم تعيين امين مكتبة آخر فى ذلك المكان.

حاولت الادارة البحث عن مكان آخر لى.  وكان قد بدىء فى  تأسيس معهد المانى مصرى كجزء من اتفاقية مصرية ألمانية وكانوا يحتاجون الى امين مكتبة ووقع الاختيار علىّ.  وكان هذا المعهد مجهزا بأحدث الاجهزة الفنية وبه طاقم تدريس مصرى وآخر ألمانى ومدير مصرى وآخر ألمانى.  وكان مكانه فى احسن موقع فى الحى التجارى فى القاهرة.  وكان المكان المثالى الذى يحلم بالعمل فيه اى انسان.

وبعد فترة قليلة تم تحويل تبعية المعهد من وزارة التعليم الى وزارة التعليم العالى.  ولان وزارة التعليم العالى تحوى عددا اقل من الموظفين فدور الترقية للدرجة الأعلى  جاء اسرع بكثير من الذين تم تعيينهم فى وزارة التعليم.  بالاضافة الى ان موقعى فى هذا المعهد فتح امامى باب الترقى الى وظيفة اعلى وهى وظيفة رئيس قسم. 

ومن الطريف ان احد الذين تم تعيينهم بعد ذلك فى جامعة اسيوط كان من مدينة الجيزة القريبة من القاهرة.  هذا الشاب علم بتعيينى بالمعهد الالمانى وعرف اننى كنت اسعى للتعيين فى جامعة اسيوط وتم رفض طلبى.  فجاءنى يطلب ان ابادله الوظيفة فيأخذ هو وظيفتى بالقاهرة وآخذ انا وظيفته فى جامعة اسيوط.  قلت له اننى لا اعتقد انهم فى جامعة اسيوط يمكن ان يقبلوا تعيينى فقد رفضونى قبل ذلك.  فقال لى ان لا أقلق من جهة هذا لأنه عنده واسطة ذات مستوى رفيع جدا تستطيع ان تتمم هذا البدل.  ثم تذكرت ما حدث معى عندما رفضونى لأننى مسيحى فقلت له حتى اذا وافقوا هم فأنا لا اوافق ان اعمل فى ذلك المكان العنصرى.  ومع رفضى احسست بعودة كرامتى التى اهدرت.

ظللت اعمل فى ذلك المكان الى ان قررنا الهجرة من مصر وتركت ذلك المكان لا لاعود الى اسيوط ولكن لاغادر مصر كلها.
Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد