الأقباط متحدون - جابر نصار.. كيميائى التنوير
  • ١٥:٢٥
  • الاثنين , ١٠ يوليو ٢٠١٧
English version

جابر نصار.. كيميائى التنوير

مقالات مختارة | بقلم : خالد منتصر

٣٧: ١٠ م +02:00 EET

الاثنين ١٠ يوليو ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

 جامعة القاهرة معمل تنوير، ود. جابر نصار هو الكيميائى الذى ارتدى البالطو الأبيض فوق روب المحاماة الأسود ودخل إلى هذا المعمل وتحمل مخاطر إجراء التجارب فيه ومعها عبء النتائج المترتبة على تلك المغامرة فى مجتمع لا يتحمل أن يوقظه شخص، أياً كان، ويهز سرير خرافاته الوثير، فما بالك إذا كان هذا الشخص مسئولاً عن قلعة تنوير اسمها جامعة القاهرة.

إذا كان مفكرون كثيرون قد تحملوا عبء التنوير قولاً ونشراً فى الكتب والإعلام فقد تحمله جابر نصار فعلاً وتغييراً على أرض الواقع. ذهبت لإجراء حوار معه قبل وداعه لتلك الجامعة العريقة وفى ذهنى تلك المعانى. عندما دخلت من البوابة مَرّ شريط الذاكرة سريعاً على مشاهد سيطرة الجماعة الإسلامية وقت أن كنت طالباً، نظرت إلى قاعة الاحتفالات وساحة الجامعة حيث غنى محمد منير وآمال ماهر وعزف عمر خيرت وحضر عشرات الآلاف من الطلبة المتعطشين للفن وبدون وجود عسكرى شرطة واحد، وتذكرت زمن الثمانينات وما أدراك ما الثمانينات يوم أن منع السلفيون والإخوان بقيادة حلمى الجزار حفل هانى شنودة فى كلية الطب وإرهاب الطلبة والاستقواء بحشود اللحية والجلباب عليهم، غلبتنى دموعى ندماً على أن فترة كلية الطب مرت علىَّ وهؤلاء الفاشيون يغتالون أحلامنا فيها، جلست أمامه لإجراء الحوار وإذا بى ألمح أثر رصاصة فى نافذة الشباك خلفه، فى مستوى الرأس بالضبط، عرفت أنه كان المستهدف من تلك العصابة التى أحست أن أحلامها فى تحويل جامعة القاهرة لوكر إخوانى سيتم إجهاضها على يد ذلك الرجل. قبل بدء الحوار اتصل به ابنه محمد تليفونياً، لمحت غلالة دمع وزفرة ألم مكتوم فى ثنايا الصوت، إنه محمد الضنى الغالى الذى هاجمته الضباع داخل الجامعة انتقاماً من أبيه بثلاث رصاصات استقرت فى الأحشاء وأنقذته يد الله الحانية بجراحة استؤصل فيها الطحال وجزء من الأمعاء، وللأسف استشهد زميله الذى كان يقف بجانبه بعد أن استقرت الرصاصة فى مخه!، لكن الأب المقاتل العنيد برغم الألم والجرح العميق واصل مسيرة التنوير، ودخل فى معارك مع ذئاب بشرية لا تعرف سقفاً للخلاف ولا سوراً للحوار ولا حدوداً للخصومة ولا شرفاً فى التعامل، حاولوا اغتياله معنوياً بالتكفير والتخوين تارة، وبالتلسين والتجريس تارة أخرى. منع النقاب فى الجامعة، أغلق الزوايا التى كانت فخاخ تجنيد المتطرفين وأوكار اجتماعاتهم، ألغى خانة الديانة فى الأوراق وعرض على طلاب الطب المسيحيين التقدم إلى نيابات تخصص النساء، أنشأ دواراً للقراءة، أجرى مسابقات اقرأ واكسب، نقل طلاب وطالبات المدينة الجامعية إلى الأوبرا والمسرح القومى، اتفق على بناء دور عرض سينمائى داخل الجامعة، أدخل مراد وهبة وسعد هلالى إلى الجامعة لعقد ندوات والتفاعل مع الطلبة، طبع كتب التنوير ووزعها بالمجان، بذر بذور الفكر النقدى وحرث فى أرض الواقع وغيّر وأثر وأتت الثمار، جامعة تلمع قبتها بأضواء التنوير، وتدق ساعتها دقات التغيير، ويحلم طلابها بقيم الحق والخير والجمال.

صافحته مودعاً، ولكنى كنت متأكداً من أن رحيله عن كرسى رئاسة الجامعة فى شهر أغسطس ليس رحيل الغروب، ولكنه رحيل الشروق فى أرض أخرى وحقل مختلف، إطلالة الإشراق والتنوير، لكننا حتماً سنفتقد البدر فى الليلة الظلماء.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع