الأقباط متحدون - «بى بى» على الطريق
  • ١١:٠٠
  • الاثنين , ١٠ يوليو ٢٠١٧
English version

«بى بى» على الطريق

مقالات مختارة | أمينة خيرى

٤٩: ٠٣ م +02:00 EET

الاثنين ١٠ يوليو ٢٠١٧

أمينة خيرى
أمينة خيرى

ليست «بى بى سى» هيئة الإذاعة البريطانية، أو «بى بى» شركة بريتش بترليوم، ولا هى اختصار لشىء ما متعدد الجنسيات أو متعمق فى الثقافات. نعم! إنه الـ«بى بى» حيث الـ«بى» المسماة مصرياً بـ«البى الثقيلة»، إنه الـ«بى بى» الأخف وطأة من مسميات أخرى كالبول وغيرها.

وللعلم والإحاطة، هذا ليس مقالاً هزلياً أو كوميدياً، وإن كان شر البلية ما يضحك، وقد ضحك الصغير كثيراً حين اصطحبه والده ليتبول -وفى أقوال أخرى يعمل «بى بى»- فى الصحراء المؤدية إلى العين السخنة. فقد شعر الصغير بضغط شديد ليلبى نداء الطبيعة، ولم يكن هناك من بد سوى أن يصطحبه والده إلى الصحراء تاركاً باقى الأسرة فى السيارة. اعتبر الصغير تبوله علناً فى العراء أمراً مثيراً للضحك، والتفاخر مع أصدقائه فيما بعد. لكن ما فعله الصغير مرة لأنه لم يكن هناك متسع للوصول إلى استراحة على الطريق هو ما يفعله كثيرون على مدار الساعة. وهذه الأفعال لا تقتصر على الصحراء، بل تدور رحاها فى قلب المدينة وعلى أطرافها وفى شوارعها وميادينها دون هوادة.

وقبل سنوات طويلة، كنت أشعر بقرف واشمئزاز كلما تنبهت إلى أن أحدهم يقضى حاجته خلف سيارة أو محتمياً بعمود أو أسفل كوبرى، كنت أعتبر قاضى حاجته شخصاً عديم الذوق منزوع الحساسية لم يشم رائحة التربية أو التهذيب أو التقويم. ومن منا لا يتذكر شارع الجلاء الذى كانت رائحة البول البشعة تنضح من كل بقعة فيه؟! كذلك نفق شبرا الذى لولا محدودية مساحته لتفوق على شارع الجلاء فى عبق الأمونيا المتمكن من الجدران والأسفلت. لكن تحول قرفى تضامناً، وانقلب اشمئزازى تعاطفاً؛ فقبل سنوات، صدمنى خبر فى صفحة الحوادث لرجل تم إلقاء القبض عليه لأنه كان يتبول فى الشارع، واتضح أن الرجل مريض سكر، وأنه لم يكن هناك أية حمامات عامة فى المنطقة، ما اضطره إلى التبول فى الشارع.

فكرة عدم وجود حمامات عامة فى الأصل، ثم عدم وجود حمامات عامة تصلح للاستخدام الآدمى، تجعل من التبول فى الشارع أمراً متوقعاً وبديهياً، كما تجعل من فكرة تأنيب أو عقاب الشخص خرقاً لحق أساسى من حقوق الإنسان. صحيح أن البعض ربما يستسهل أو يستهبل فى مسألة التبول الجهرى، لكن تظل الغالبية مضطرة.

والاضطرار المقصود هنا يتضح تماماً بجولة سريعة على الأماكن العامة التى تكون أحياناً متاحة لقضاء الحاجة. خذ عندك مثلاً دورات المياه فى المساجد، وما أدراك ما دورات المياه فى المساجد! وهنا يتضارب ويتفاقم مفهوما التدين وقوامه من نظافة ورائحة طيبة ومراعاة حق الغير إلخ، والقذارة والرائحة العفنة وضرب الحائط بحق الغير والنفس فى النظافة. ولن أسترسل فى شرح وضع دورات المياه فى الكثير من المساجد هنا منعاً للإحراج.

لكن يبدو أن الحرج علينا حق، فباستثناء دورات المياه فى الفنادق والمطاعم ذات النجوم الخمس وأكثر، هل صادف أحد حماماً نظيفاً فى حديقة عامة أو مطعم شعبى أو ما شابه؟ أعتقد أن الإجابة غالباً «لا». أما الحالات النادرة التى يتذكرها أحد لحمام نظيف لا ينتمى لفئة النجوم الخمس فغالباً ستكون محفورة فى الذاكرة لأنها لن تتكرر.

فهل يعقل أن يكون الشعب المتدين بالفطرة مجانباً متفادياً متجنباً لألف باء النظافة فى استخدام الحمام؟ وهل ربما يرتع مشايخ الجهل والتفاهة على هذه المجافاة للنظافة لينشر المزيد من الجهالة حول الشيطان الذى يعيش فى بالوعة الحمام، والعفاريت التى ترتع فى البانيو، وإبليس الذى ينعم بجو الحمام المنعش؟!

وبعيداً عن جو الحمام المنعش وعودة إلى الحق البديهى المسلوب لملايين المصريين، ألا وهو قضاء الحاجة بعيداً عن جهر الشارع وحرجه، وأتذكر كيف قوبلت الحمامات الصغيرة المتحركة التى تم تزويد بعض الشوارع بها فى مقابل مبلغ رمزى معمول به فى كل دول العالم، كالعادة سخر البعض وهزأ بالفكرة. حمام متنقل؟ هأو! رسم قضاء الحاجة؟ هأوأوأو. سيدة تدخل الحمام فى الشارع؟ هأوأوأوأو. وكتب المواطنون الشرفاء على الحمامات الجديدة ورسموا وتبولوا عليها من الخارج. وفى خلال أسابيع محدودة، تحولت الحمامات إلى أطلال تحكى وتتحاكى عن شعب لم يجد من يحنو عليه تربية أو تعليماً أو تنشئة.

ورغم ذلك، هل يكون الحل هو إلغاء الفكرة برمتها؟ هل من المنطقى ترك البلاد طولها وعرضها دون حمامات عامة تفرض رسوم الاستخدام فرضاً لاستخدامها للنظافة والصيانة، وحملات توعية تليفزيونية حول قيمة النظافة الشخصية وكيفية استخدام الحمام، وخطب جمعة وعظات فى الكنيسة تتحدث عن المؤمن النظيف بدلاً من إدمان الحديث عن المؤمن الذى يدخل الحمام برجله الشمال ويخرج منه برجله اليمين، ودعاء دخول الحمام، ودعاء الخروج منه؟

بُعد آخر أثقل وطأة وأظلم أثراً ألا وهو الأنثى المصرية التى قد تحتاج أن تدخل الحمام أثناء وجودها فى الشارع. ماذا عليها أن تفعل؟ وهل فكر أحدهم فى حلول لمثل تلك المشكلة أم أنها تعتبر من التوافه مقارنة بما تمر به البلاد من سنوات عجاف؟ وألا ترى الحكومة والدولة أنه فى الإمكان مساعدة الناس على تحمل السنوات العجاف ببعض من المحسنات للدواء المر الذى نتجرعه دون هوادة؟ همسة فى أذن الحكومة.. أشعروا الناس أنهم «بنى آدمين» تطيلون أمد تحملهم وتمدون تاريخ صلاحية جلدهم وصبرهم. وهل هناك من إنسانية أسهل، وفى الوقت نفسه أقسى، من أن نضع حداً لمنظومة «بى بى على الطريق»؟!
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع