الأقباط متحدون - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (12).. واضربوهن
  • ١٤:٤٧
  • الأحد , ١١ يونيو ٢٠١٧
English version

هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (12).. واضربوهن

مقالات مختارة | بقلم :خالد منتصر

٤٨: ١١ ص +02:00 EET

الأحد ١١ يونيو ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

 منعت وزارة التربية والتعليم ضرب التلاميذ فى المدارس، ومنعت وزارة الداخلية عقوبة الضرب فى السجون وأقسام البوليس، وأدانت منظمات حقوق الإنسان ووزارة العدل والهيئات القضائية الضرب حتى ولو بغرض انتزاع الاعترافات، ولكن للأسف الفقهاء المسلمون لم يمنعوا ضرب الزوجات فى البيوت بل أباحوه وحبّذوه كتأديب للزوجة وحل لنشوزها وكسر لأنفها المتعالى!!، واختلف هؤلاء فقط فى درجة الضرب ونوعيته ومدى عنفه، وظلت إباحة ضرب الزوجة هى السلاح السرى الفعال فى يد الزوج المسلم يستعمله متى شاء وكيف شاء اعتماداً على الفتاوى التى تبيح له تأديب زوجته الناشز، وبالطبع كما اختلفت الأقوال فى ما هى كمية الضرب؟ اختلفت الأقوال أيضاً فى ما هى درجة النشوز أو ما هو النشوز أصلاً؟، وبين هذا وذاك تاهت المرأة فى دروب الفقهاء الوعرة ما بين ركلة وصفعة ولطمة ولكمة، وكله للأسف باسم الدين الذى هو من كل ذلك براء، لجأ المعاصرون من المفكرين المستنيرين إلى أحد حلين لفهم هذه الآية والخروج من هذا المأزق، وكان الحل الأول هو فهم هذه الآية فى نطاق زمانها وبيئتها والوضع الاجتماعى للمرأة حينذاك الذى كان يحمل بقايا البدوية الجاهلية، وهذا المنهج فى الحل يعتمد على عدة سوابق فى الاجتهادات الإسلامية المرنة التى واءمت تطور الزمن والتى كانت توقف العمل بأحكام ذكرت فى آيات قرآنية، والأمثلة كثيرة ومتعددة تملأ المراجع الإسلامية، ورفض هذا الحل الأول ناتج عن الخلط بين الحكم الشرعى والعادات والتقاليد العربية، أى بين ما هو دين وبين ما هو عرف فى الجزيرة العربية، والخلط الحادث أيضاً بين الإسلام الذى أنزله الله وبين الفهم القومى لهذا الإسلام، أى طريقة تطبيق المجتمع للدين حسب فهمه وتصوره واحتياجاته، فالدين غالباً يدخل ويعجن فى فرن الفهم والتفسير الخاص للمجتمع الذى يدين به، ونحن غير ملزمين بفهم وتطبيق هذا المجتمع لأن ذلك هو نتاج تفاعلهم الخاص مع الدين، فالمجتمع البدوى القديم كان الضرب فيه سلوكاً غير مستهجن، ووضع المرأة كان متدنياً لظروف كثيرة ومختلفة ليس هنا مجال الحديث عنها الآن، ونحن غير مطالبين فى القرن الحادى والعشرين وفى بلد عرف الحضارة والمدنية منذ آلاف السنين أن نتبع ذلك الفهم البدوى بحذافيره ما دمنا لم نخرج عن الأطر والمبادئ العامة التى وضعها لنا الإسلام الحنيف.

 
الحل الثانى هو قراءة مختلفة للآية، وفهم متطور للنص، وقد حاول الكثيرون تطبيق هذه القراءة المختلفة منهم محمد شحرور وسليمان حريتانى والصادق النيهوم، وغيرهم من المفكرين المهمومين بفض الاشتباك بين الإسلام والموقف المتخلف من المرأة، واستخدموا غنى اللغة العربية وثراءها فى تفسير هذه الآية حتى تستقيم مع الغايات الكلية للإسلام، ومنها تكريم المرأة ومعاملتها كإنسان وليس كجارية، واحترام وتقديس العلاقة الزوجية التى لا بد ألا تتحول لساحة حرب، ففهموا معنى الضرب بمعنى آخر غير معناه المباشر، معنى العراك والشجار باليد.. إلخ، ولنقرأ التفسير الجديد الذى بالطبع لن يعجب البعض ممن تحولوا إلى كهنة لهم وحدهم حق التفسير، وبالنظر إلى «ضرب» نجدها كلمة تدل على إيقاع شىء على شىء يترك فيه أثراً، وتختلف فى الاستخدام مثل الضرب فى الأرض سفراً مثل آية «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ»، وهناك ضرب الأمثال مثل آية «فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ»، وهناك ضرب الخمار «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، وهناك ضرب الناى وضرب النقود، وكلها معانٍ لا تحمل معنى الضرب باليد أو العصا، ويقال للصنف من الشىء «ضرب»، وهناك الإضراب عن العمل وهو حجز النفس عن العمل، وعن الطعام وهو حجز النفس عن الطعام، وعندما نقول ضربت الدولة المتلاعبين بالأسعار معناه هو أن الدولة تتخذ منهم موقفاً حازماً، وهذا هو المعنى الذى تقصده الآية أى عندما لا تفيد الموعظة والهجر فى المضاجع أى الهجر مع بقاء الزوج فى الفراش، بعدها يأتى الحل العلنى وهو اتخاذ موقف المقاطعة الاجتماعية، وهذه كلها درجات من التعامل فى حالة الخصام حتى لا نصل إلى الطلاق ونتفاداه بقدر الإمكان، ولذلك لم ينصح القرآن الزوج بالتمادى فى هذا الإضراب الاجتماعى، لذلك جاءت الآية التالية مباشرة لتقول «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا»، وكذلك فى نشوز الرجل لا بد من البحث عن الصلح من خلال الأسرة أو مؤسسات المجتمع ككل، فيقول القرآن عن نشوز الرجل «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ..».
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع