الأقباط متحدون - حدود دور وقدرة الكنيسة (٣)
  • ١٢:١٥
  • الاربعاء , ٧ يونيو ٢٠١٧
English version

حدود دور وقدرة الكنيسة (٣)

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٤١: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ٧ يونيو ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

عندما انتُخب البابا تواضروس الثانى بطريركاً للكنيسة الأرثوذكسية خلفاً للبابا شنودة الثالث، كانت الأوضاع قد تغيرت كثيراً، فالجماعة والقوى السلفية كانت تسيطر على مجلس الشعب ثم مجلس الشورى، وبدأت عملية مكثفة من تديين المجال العام، المغرَق فى التدين أصلاً، وتواصلت الاعتداءات الطائفية على الأقباط، كما حدث فى الخصوص، ثم تطورت إلى قصف واعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والمقر البابوى. وبعدها مباشرة سيطرت الجماعة على منصب الرئيس، الذى حاول من جانبه الحفاظ على المعادلة التى تختزل الأقباط فى الكنيسة، وهو ما كان مرفوضاً فى ذلك الوقت من جانبين؛ الأقباط والكنيسة، فالوضع قد تغير ومشاركة الشباب القبطى فى الثورة أدت إلى حالة حراك غير مسبوقة وخروج جماعى للأقباط من داخل الكنيسة والتفاعل مع القضايا المجتمعية المثارة، وفى الوقت نفسه لم يكن البابا تواضروس الثانى راغباً فى مواصلة دور سلفه فى تمثيل الأقباط أمام الدولة المصرية.

تواصلت عمليات استهداف الأقباط والكنائس، واستمر أقباط فى الحراك بعيداً عن الكنيسة والعمل وفق منظومة وطنية متكاملة، فقد شارك الأقباط فى كافة عمليات الاحتجاج ضد حكم المرشد والجماعة، كان حضورهم قوياً ضمن الحضور الوطنى العام فى الاحتجاجات ضد إعلان «مرسى» الدستورى الذى حصّن فيه ذاته وقراراته، وهو الأمر الذى دفع رموز الجماعة إلى شن هجوم على الأقباط والكنيسة المصرية مؤكدين أن الكنيسة تقف على رأس معارضين لحكم الجماعة، وأنها تصدر تعليماتها للأقباط من أجل المشاركة فى عمليات الاحتجاج ضد حكم «مرسى»، وهو ما كانت الكنيسة تحرص على نفيه، مؤكدة أن الأقباط مواطنون مصريون لا وصاية لأحد عليهم ومن ثم من حقهم المشاركة فى أى فعل وطنى.

شارك الأقباط بقوة وكثافة فى ثورة الثلاثين من يونيو، وقدم البابا تواضروس الثانى كل الدعم للدولة المصرية وللثورة، وقدم الوطنى على الدينى، وقال كلمات مأثورة ستظل مسجلة باسمه وعهده وهى: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، دعا الأقباط للهدوء وعدم الرد على حرق الكنائس وتدميرها، محذراً من الفتنة التى يجرى التخطيط لها من قبَل الجماعة وأنصارها. دعا إلى دعم الفريق أول عبدالفتاح السيسى مرشحاً للرئاسة، وفى عهده بدأت مشاركة رئيس الجمهورية فى احتفالات عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، وتحديداً هو أول رئيس جمهورية يقدم على هذه الخطوة. فى تلك الفترة تطورت علاقة إيجابية بين قمة هرم السلطة فى البلاد وبين رأس الكنيسة، ترافق ذلك مع رغبة أقل من قبَل الأخير فى الاستحواذ على علاقة الدولة بالأقباط، فبدأت تظهر وتقوى نخبة قبطية مدنية، لا سيما مع اعتماد نظام الكوتة فى دستور البلاد والتى بموجبها دخل البرلمان ٢٤ قبطياً على القوائم، ونجح ١٥ قبطياً آخرون من خلال الانتخابات الفردية، فوصل عدد الأقباط فى مجلس النواب إلى ٣٩ عضواً، وهو أكبر عدد منذ ثورة ١٩٥٢.

لعبت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية دوراً مهماً فى مرحلتى الثورة وما بعدهما فى المرحلة الانتقالية، وتطورت العلاقات مع الدولة إيجابياً، لا سيما مع إقدام الدولة على إعادة بناء وإصلاح وترميم الكنائس التى دمرتها الجماعة وأنصارها بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، وفى الوقت نفسه كان الخط العام للأقباط راضياً عن أداء البابا ومستمعاً له، وتدريجياً بدأت المعادلة فى التغير على النحو الذى أوصلنا إلى مرحلة جديدة من دور الكنيسة وقدرتها على الفعل.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع