الأقباط متحدون - الأخلاق قبل التدين
  • ٢٣:٢٦
  • الاربعاء , ٣١ مايو ٢٠١٧
English version

الأخلاق قبل التدين

مقالات مختارة | حسين القاضى

٥٨: ٠٨ ص +03:00 EEST

الاربعاء ٣١ مايو ٢٠١٧

حسين القاضى
حسين القاضى

تتميز الأخلاق فى الإسلام بالإنسانية، والثبوت، والأصالة، والبعد عن الأنانية، فالإحسان والكرم والعفو فى الإسلام ليس سلعة تجارية للتبادل، بل خلق مع من أساء ومن أحسن، ومع المسلم وغير المسلم، ومع الطائع والعاصى، ومكارم الأخلاق هى اعتياد الاستجابة للفضائل فى التعامل مع مخلوقات الله تعالى من إنسان أو حيوان أو جماد، انطلاقاً من الهدى النبوى: «إن أحبكم إلىّ وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً»، والأخلاق فى التصور الإسلامى أخلاق بقاء، وأخلاق انطلاق، فالصبر والتجلد والتحمل أخلاق بقاء، والأمل والهمة والتفاؤل والجمال والذوق والحب أخلاق انطلاق.

والأخلاق فضيلة جامعة تعنى انتقاء واختيار أفضل التصرفات وأحسنها وأرقاها وأشيكها، ولذلك استخدم القرآن تعبيرات رشيقة مثل: (أقوم - أحسن - أزكى)، ليعلمنا خلق الكمال فى كل شىء، ومع كل شىء، وعلى هذا المنوال يهتم الإسلام بإعلاء قيمة الأخلاق، ويجعل الصلاة أو الصيام وسائر العبادات لا قيمة لها ما لم تكن محاطة بحسن الخلق، فالأخلاق قبل التدين وأساسه ومنبعه.

وللعلامة ابن بيّة كلمة جامعة إذ يقول: (لكل عصر تحدٍ.. وتحدى هذا العصر هو المحافظة على الأخلاق، وهذا التحدى هو جوهر إشكالات العالم بأسره، فالأنظمة التى تبطش بشعوبها مشكلتها أخلاقية، والاستغلال الاقتصادى الذى يطحن الفقراء مشكلته أخلاقية.. والصراع المذهبى والطائفى والدينى واللادينى مشكلته أيضاً أخلاقية).

والأخلاق أيضاً ضرورة اجتماعية، فلا يستطيع أفراد المجتمع أن يعيشوا متفاهمين ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، وحتى لو فرضنا أن مجتمعاً من المجتمعات قام على أساس تبادل المنافع المادية فقط؛ فإنَّه لا بد لسلامة هذا المجتمع من أن يتخلق بالثقة والأمانة على أقل تقدير، فالأخلاق هى الوسيط الذى لا بد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، ومن هنا كانت الأخلاق فى أفراد الأمم والشعوب تمثل المعاقد الثابتة التى تُعقد بها الروابط الاجتماعية، ومتى انعدمت هذه المعاقد أو انكسرت فى الأفراد لم تجد الروابط الاجتماعية مكاناً تنعقد عليه.

ومن هنا نفهم وصف السيدة عائشة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: (كان خلُقه القرآن)، يعنى كان ربانياً خلوقاً فى كل تصرف وموقف، فلا يعادى، ولا يكره، ولا يحقد، ولا يحسد، ولا يسب، ولا يتعالى، ولا يبغض، ولا يعتدى، ولا يهدم، ولا يخرب، لأن خلقه القرآن.

ولو كان هذا المعنى الأخلاقى حاكماً لخلافاتنا فى الفترة الأخيرة لكان من الممكن أن تتضاءل جداً هذه الخلافات، ليس مطلوباً من المؤيد أن يكون معارضاً، ولا من المعارض أن يكون مؤيداً، ولا أن تقتنع بما اقتنع به غيرك، إنما المطلوب هو الأخلاق فى الاختلاف مع احتفاظ كل واحد بما يراه ويعتقده.

ذلك المدخل الذى رأينا الكثير من المتدينين وقف موقف الخصومة منه، على اعتبار أن المخالف له فى الاعتقاد أو الفكر لا يستحق إلا التعامل بالإهانة والسخرية والتنقيص والتشويه، وصرنا نرى تجارب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى باسم الدين منزوعة أخلاق الرأفة والرقى والذوق.

وفى الواقع العملى أيضاً رأينا من يحافظ على الصلوات والشعائر واللباس الإسلامى لكنه يستسهل الكذب والغش والتدليس ونشر الشائعات والفوضى، لهذا كان من جوامع الكلم قول الرسول الكريم: «من لا يدع (يترك) قول الزور والعمل به فليس لله حاجةً فى أن يدع طعامه وشرابه».

ونلاحظ أن بعض الشباب أو الفتيات كلما التزم دينياً اكفهر وجهه، وصار حاداً غاضباً متشائماً، وذلك بسبب غياب الربط بين صورة الالتزام وحقيقة الالتزام، والخلل الواضح فى فهم التدين، من حيث اعتقاد بعض المتدينين أن التدين هو الاهتمام بالظاهر والمظاهر، لا بالسلوك والتعامل، ويدعمهم فى هذا ما يجدونه من خطاب دينى بعيدٍ عن التزكية والقيم، وغارقٍ فى قضايا لبس المرأة وسماع الأغانى والموسيقى.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع