الأقباط متحدون - الأزهر ورسالة البابا
  • ١١:٠٨
  • الاثنين , ١ مايو ٢٠١٧
English version

الأزهر ورسالة البابا

مقالات مختارة | مصطفى بكرى

٤٥: ٠٨ ص +03:00 EEST

الاثنين ١ مايو ٢٠١٧

مصطفى بكرى
مصطفى بكرى

الحملة على الأزهر وشيخه لا تهدف إلى الإصلاح أو التقويم، بل تسعى إلى التشويه والتدمير، هذه حملة ممنهجة، ممولة، انساق وراءها بعض الأغبياء، فاستنفروا الشارع المصرى والعربى والإسلامى، وجاءهم الرد قوياً من بابا الفاتيكان، الذى أشاد بالأزهر والإمام الأكبر وبعث برسالة قوية لكل من يسعى إلى هدم الأزهر ومؤسساته.

إن الادعاءات والأكاذيب التى طالت الإمام الأكبر د. أحمد الطيب خلال الفترة الماضية، هى امتداد لحملات مسمومة، انطلقت مجدداً مع ما يسمى «العولمة»، التى تستهدف فى جانبها السلبى هدم الثوابت، وكل ما هو أصيل فى هذه الأمة وفى مقدمتها الأزهر الشريف.

إن من يتابع المسيرة الفكرية والدينية لشيخ الأزهر على مدى عقود طويلة من الزمن، يدرك انحيازه لصحيح الدين، وتبنيه لنهج الوسطية والاعتدال، وتمتعه بمكارم الأخلاق والحرص على تقديم صورة الإسلام بالشكل الذى يليق، فلقى احتراماً كبيراً، وتجاوباً عظيماً من قبل أصحاب الديانات الأخرى.

وعندما وقف الإمام الأكبر أمام البرلمان الألمانى «البوندستاج» يتحدث فى منتصف مارس من العام 2016، فقد تحدث عن أن بناء الحوار الحضارى بين الشرق والغرب إنما يقوم على احترام وتقبل الآخر وترسيخ مبادئ الحرية وحق الإنسان فى العيش فى سلام.

لقد ظل شيخ الأزهر يجلجل بصوته فى كل مكان مبرئاً الأديان من الإرهاب الذى تمارسه القلة، وهو ما عبر عنه أيما تعبير بقوله: «لو أن كل دين من الأديان السماوية حوكم بما يقترفه أتباعه من جرائم القتل والإبادة لما سلم دين من تهمة العنف والإرهاب».

ولم يكن شيخ الأزهر منغلقاً على نفسه وعلى الأزهر الشريف فى يوم، بل كان من أبرز الداعين لحوار الأديان لمواجهة كل هذه الظواهر الخارجة عنها، وفى ذلك كان يقول دوماً: «إنه لا مفر للشرق والغرب حيال هذا الإرهاب العابر للقارات من انفتاح حقيقى متبادل بين الأديان والمؤمنين بها، بل لا مفر من صنع السلام أولاً بين رجال الدين وعلمائه...». لقد جاءت زيارة البابا فرنسيس «بابا الفاتيكان» إلى مصر والتى انتهت السبت الماضى، لتضع حداً لهذا الجدل العقيم حول توجهات الأزهر وشيخه، بعد أن ظن البعض أن القضاء على الأفكار التكفيرية يبدأ بهدم الأزهر وتشويه صورة شيخه.

لقد وصف بابا الفاتيكان، شيخ الأزهر بـ«أخيه الأكبر»، وهذه الكلمة لها دلالتها، لأنها تكشف عن عمق العلاقة بين الأزهر والفاتيكان أولاً، وتكشف أيضاً مدى التقدير الذى يتمتع به شيخ الأزهر لدى هذه الدوائر، وهذا التقدير ليس وليد لحظة عاطفية، وإنما هو بالتأكيد نتيجة بحث وإدراك للمفاهيم والأسس التى يستند إليها شيخ الأزهر فى خطابه تجاه الآخر.

وإذا كان البعض هنا من المتربصين والمشككين لا يزال يصر على إلقاء التهم جزافاً دون فحص أو تدقيق، فأمثال هؤلاء فوجئوا برد الفعل الشعبى الذى انطلق فى كل مكان يحذر: «إلا الأزهر»!!

إن من يظن أنه قادر على قهر الأزهر أو هدم مؤسساته ودوره، عليه أن يعيد قراءة التاريخ، ليدرك أن الأزهر فى كل المراحل التاريخية، كان هو المحرك الأساس للحركات الوطنية فى مواجهة المحتلين والدخلاء، ولذلك سعى الفرنسيون منذ أن وطئت أقدامهم أرض مصر إلى محاولة ترويض شيخه وعلمائه، وعندما فشلوا دنسوا بخيولهم ساحته، ظناً منهم أنهم حققوا انتصارهم، ففوجئوا بثورة عارمة أجبرتهم على الانسحاب من أرض مصر.

وما حدث فى زمن الاحتلال الفرنسى، حدث فى أزمنة مختلفة ومتباينة، فلم تعد تفرق بين الدور الدينى والدور الوطنى لرجال الأزهر، الذين قادوا الثورات الشعبية وأطلقوا نداء المقاومة ضد الغاصبين، وكان فى مقدمة هؤلاء السيد عمر مكرم.

إننى لا أسعى هنا للدفاع عن الدكتور أحمد الطيب الذى ينتمى إلى عائلة عريقة فى جنوب الصعيد، ويلقى احتراماً من المسيحيين قبل المسلمين، ويتمتع بحكمة فى الأداء، وعلم فى القول، لكن ما أود أن أقوله إن صمت الإمام الأكبر ليس ضعفاً، أو عجزاً، بل ترفّع عن الصغائر، وعدم الانزلاق إلى المعارك الصغيرة فى وقت تواجه فيه البلاد تحديات كبيرة.. إن القول بأن هناك من يعد لإصدار قانون للأزهر بزعم تحديد مدة الإمام الأكبر، وآليات تأديبه وتهذيبه، لهو وعبث وإهانة لجموع المسلمين جميعاً، بل اعتداء على الدستور الذى حدد مكانة شيخ الأزهر وعدم قابليته للعزل.. وليعلم كل من تسول له نفسه الاستمرار فى هذا النهج أن الأزهر يستطيع أن يصلح ما بداخله، وأن يتصدى لأى من أصحاب الفكر المنحرف، ذلك أن رسالة الإمام الأكبر فى هذا الأمر واضحة، وأنه وحده القادر على التعامل مع مثل هذه الأمور التى هى من صميم عمله واختصاصه.

وإذا كان البعض يظن أن الدولة غاضبة من شيخ الأزهر، أو غير ذلك من الادعاءات والأكاذيب، فالحقيقة غير ذلك تماماً، ورئيس الدولة يقدر دور الأزهر كمؤسسة ورسالة، ويقدر شيخه أيما تقدير، ويدرك تماماً أن بديل الأزهر هو الأفكار التكفيرية التى تسعى إلى تقويض الثوابت، وهدم المجتمعات.

إننى لن أقول إن الأزهر هو «خط أحمر» بالنسبة للمسلمين فى العالم بأسره، ولكن يجب أن يدرك الذين يلعبون بالنار أن الكيل قد طفح، وأن من صمتوا فى فترات سابقة قد لا يصمتون مرة أخرى وهم يرون أن الهدف ليس التقويم وإنما الهدم والتقويض.. وإذا كان البعض يريد «إماماً أكبر» بقدر «مقاسهم» وضحالة عقولهم، فعليهم أن يعودوا لتاريخ الأزهر عبر قرون طويلة، وأن يقرأوا سيرة مشايخه، وثباتهم، وإيمانهم العقائدى، علهم بذلك يراجعون أنفسهم ويعيدون حساباتهم من جديد.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع