الأقباط متحدون - متى يحاكمون شيخ الأزهر؟
  • ٠٦:٢٩
  • الجمعة , ٢١ ابريل ٢٠١٧
English version

متى يحاكمون شيخ الأزهر؟

مقالات مختارة | الدكتور مصطفى النجار

٠١: ٠٢ م +02:00 EET

الجمعة ٢١ ابريل ٢٠١٧

الدكتور مصطفى النجار
الدكتور مصطفى النجار

إذا سمعت قريبا في وسائل الإعلام المصرية أن الأزهر هو سبب مأساة هيروشيما ونجازاكى فلا تتعجب لأن الأزهر صار الشماعة التي يُحملها من لا يرغب في مواجهة الحقيقة كل إخفاق وفشل، صراخ في الإعلام وعويل ولقطات استعراضية من مدعى التنوير من الجهلاء ومن إعلاميين محدودى الثقافة ينشطون كلما طالت يد الإرهاب أرواحا جديدة من المصريين ليتهمون الأزهر أنه السبب، ووصلت مبالغتهم وشططهم لتصوير الأزهر بأنه منبع الإرهاب ويكادون يصورون الإمام الأكبر شيخ الأزهر بأنه يجلس على رأس مؤسسة إرهابية تتسبب في قتل الناس.

دعاية سلبية رخيصة موجهة للتنصل من تحمل المسؤولية ووضع النقاط على الحروف، ابحث عن طرف تحمله المسؤولية لتنفيها عن المسؤولين الحقيقيين، لن تجد أفضل من الأزهر لأن شيخه عف اللسان وتقاليد المؤسسة العريقة تمنع من الاشتباك مع هؤلاء المدعين والمزايدين بل إن فرص تفنيد هراءات هؤلاء ليست متاحة للأزهر ولا لمن يعرفون قدره وفضله وقيمته.

مشهد بذىء متكرر، افتح كتب التراث وقم باجتزاء بعض سطورها الشاذة وأفكارها التي سقطت بتطور الزمان وسلط الضوء عليها واختزل عظمة التراث في هذه السطور، ومارس التطبيل والصراخ حتى تصبح مجددا للدين وتنويريا تتهافت وسائل الإعلام على استضافتك والاحتفاء بك وتقديمك للجمهور كمجدد ومتنور وبطل عظيم يدافع عن المدنية والإنسانية من شرور الأزهر!

ضاق المرء ذرعا بهذه الحماقات التي تجاوزت هذه المرة إهانة الأزهر إلى التجرؤ على الدين نفسه والوقاحة في الحديث عن النصوص، يريد بعضهم منا أن نغير نصوصنا ونعبث بديننا حتى نكون تنويريين وننال الرضا، يريد بعضهم منا وصم ديننا بالإرهاب وإلصاق كل دعوة للتطرف والعنف والقتل به لمجرد أن هناك مجرمين يرفعون شعارات دينية لتبرير إجرامهم وسفكهم للدماء.

هذه المرة تختلف عن كل المرات، مطلوب منك كمسلم أن تعترف أن دينك يحض على الإرهاب، وأن التطرف الموجود في العالم كله سببه دين الإسلام!، مطلوب منك أن تمسك بالقلم وتقوم بالشطب على الآيات والنصوص المقدسة التي لا تعجب هؤلاء!

مالكم كيف تحكمون؟ هذا ضرب من ضروب الخبل والتعميم المخل، لا يوجد دين سماوى أو أرضى يدعو للتطرف والقتل، ولكن يوجد مرضى نفسيين ومجرمين ومتطرفين يسيئون للبشرية كلها ولا يمكن تحميل العقائد جُرم هؤلاء القتلة.

دعونا نفند هذه الحملة المسمومة على الأزهر ونسأل بعض الأسئلة

هل الأزهر هو المسؤول عن صناعة الإرهاب ويستطيع وقف العنف؟
يجيب على هذا السؤال الباحث د / جورج فهمى في مقال قيم حول تجديد الخطاب ووقف العنف منشور بجريدة الشروق ويقول (هل في وسع تجديد الخطاب الدينى وقفَ موجة العنف الراهنة في مصر؟ الإجابة باختصار لا، لسببين رئيسيين هما:

أوّلا: ثمة تصور أن الانضمام إلى الجماعات الجهادية، يسبقه بالضرورة تبنّى أفكار متشددة دينيا، ومن ثَم يمكن مواجهة هذه الجماعات بتجديد الخطاب الدينى. ربما ينطبق هذا الأمر على بعض الحالات، إلا أن تتبُّع مسار الشباب المصرى الذي قرّر الانضمام إلى الجماعات الجهادية، يشى بأن قطاعا كبيرا منهم قرر الانخراط في التنظيمات العنيفة لأسباب لا علاقة لها بتبنّى أفكار دينية متشددة، بل متعلقة أساسا بالأوضاع السياسية والاجتماعية، كالشعور بالظلم أو التهميش، أو ما يرونه واجبا عليهم لرفع الظلم عن المستضعفين. يدفع هذا الأمر هؤلاء الشباب إلى البحث عن وسيلة لتغيير الواقع السياسى والاجتماعى، فيقاربون التنظيمات والفكر الجهادى، ويَروْن فيها وسيلة فعّالة لتغيير مجتمعاتهم. في الكثير من الحالات، يسعى الشباب أوّلا إلى الانضمام إلى الجماعات الجهادية، ثم يتبنّون الفكر الجهادى بعد التحاقهم بها، على عكس ما يتصوّر الكثيرون. وبالتالى، تجديد الخطاب الدينى لن يمنع تلك الفئة من الانضمام إلى جماعات العنف الدينى، بل يحتاج الأمر إلى مقاربة أكثر شمولية تطول الجوانب السياسية والاقتصادية للتطرف.

ثانيا: للمؤسسة الدينية الرسمية الممثّلة في الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف دور بالتأكيد في تفنيد خطاب التشدّد الدينى الذي يدعو إلى العنف، لكن مشكلة تلك المؤسسات لا تكمن في خطابها الدينى بل في شرعيتها الدينية. فالشباب الناقم على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، والراغب في الانضمام إلى التنظيمات الجهادية، يعتبر المؤسسات الدينية الرسمية مستلحَقة بالنظام الحاكم، ومن ثَم لا يلتفت إلى خطابها سواء كان معتدلا أو محافظا، لأنه يمثل، برأيه، خطاب السلطة السياسية. وبينما يبدو شيخ الأزهر واعيا لهذا الأمر ويسعى في حدود قدراته إلى الحفاظ على مسافة ما بين الأزهر والنظام السياسى، إلّا أن خطاب كل من وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، غير قادر على الحفاظ على تلك المسافة، ما يضعف شرعيتها أمام قطاع مهم من جمهورها، خاصة الشباب) انتهى.

هل تحتوى مناهج التراث بالأزهر على بعض الغرائب المنكرة حاليا؟
هذا أمر بديهى لكل دارس للتراث لكنه يأتى في إطار التأريخ لتطور الأحكام الشرعية والتأصيل الفقهى، وكل من درس بالأزهر يعرف ذلك ويحرص المعلمون على تبيان أن هذه أحكام واجتهادات فقهية انتهت وصار لنا اليوم فقه جديد يلاءم واقعنا ومتغيراته، فحين يدرس فقه الأسير وأحكام أهل الذمة وأحكام الرق وباب الجهاد وما شابه ذلك فهى أمور تراثية انتهت من الواقع ويتخرج الأزهرى وهو يعلم ذلك، وكل كتب التراث في كل الأديان تحتوى أمورا مماثلة، قد يكون الأفضل الآن تنقية الكتب من هذه الموضوعات على الأقل لطلاب الإعدادى والثانوى لكن لا يمكن محو التراث ورصد تطوره مهما كان منكرا وغريبا ومجافيا لتطورالإنسانية الحالى، ولو كانت مناهج الأزهر حاضنة للتطرف لمنعت أكثر من 70 دولة أبناءها من المبتعثين من الدراسة فيه، لكن ينطبق علينا المثل (لا كرامة لنبى في قومه).

هل يؤيد الأزهر داعش برفضه تكفيرها؟
موقف الأزهر واضح تماما من إجرام داعش وأخواته، حيث يراهم مفسدين في الأرض ينطبق عليهم حد الحرابة، وقال الشيخ أحمد الطيب الإمام الأكبر، عنهم (الله قد حكم عليهم في كتابه بالآية الكريمة: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم».

ويقول (إن عقيدة الأشاعرة التي أقيم عليها الأزهر الشريف، تقوم على عدم التكفير. فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألومهم عليه الآن من تكفير للناس واستحلال لدمائهم وهذا لا ينفى أنهم قتلة خارجين عن الدين ومشوهين له ويجب التصدى لهم بكل الوسائل الممكنة).

الغريب أن الذين يشنون الحملة على الأزهر بسبب عدم تورطه في مسألة التكفير يدعون أنهم ليبراليون ويطلبون من الأزهر في مزايدة عجيبة فتح باب التكفير، والذى إن تم فتحه قد يكونون أول ضحاياه! لكن ماذا نفعل والمزايدة قد كسرت كل سقف؟

ما الذي يريده المحرضون على الأزهر؟
أولا: صرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية وعن الذين يجب أن يتحملوا المسؤولية عن حماية الوطن من نيران الإرهاب وغدره والبحث عن كبش فداء لا علاقة له بالأمر واختلاق معركة معه لأخذ انتباه الجمهور إلى اتجاهات تشتيت وإشغال فارغ.

ثانيا: ابتزاز الأزهر لصالح السلطة كى يرضخ لرغباتها ويتحول لجهاز من أجهزة الدولة وبوقا من أبواقها.

ثالثا: الاغتيال المعنوى للمؤسسة الأزهرية ورجالها لصالح آخرين من المرضى عنهم من رجال الدين الذين عندهم استعداد لقبول ما يُطلب منهم بعكس الأزهر الذي يعرف جيدا خطوطه الفاصلة التي لا يقبل تخطيها مهما كانت العواقب حفاظا على الدين وعلى المؤسسة وتاريخها ومكانتها لدى ملايين المسلمين حول العالم.

رابعا: الضغط على شيخ الأزهر الحالى للتخلى عن منصبه تقربا وتزلفا للسلطة التي تؤكد الأيام والأحداث أن كثيرا من أجنحتها لم يعد يروق لها شخص الإمام الأكبر باستقلاليته وحرفيته في التعاطى مع الأوضاع السياسية وإنقاذ الأزهر من السقوط في فخ السياسة ودنسها.

خامسا: ركوب الموجة الترامبية التي تقصر الإرهاب على دين الإسلام وتعاديه شكلا وموضوعا.

معركة الأزهر معركة كل شريف وحر في مصر، والوقوف مع المؤسسة الأزهرية ضد الاستهداف لا يمنعنا من النقاش حول ضرورة تطوير المؤسسة وتجديد الخطاب الدينى وإعادة قراءة وفهم وتقديم النصوص، الأزهر لا يمثل نفسه فقط بل يمثل تاريخ أمة وشاء من شاء وأبى من أبى سيظل عصيا عن الانكسار وسنظل نفرق بين رغبات الإصلاح والتطوير ودعاوى الهدم والتدمير، حمى الله مصر وأزهرها من كل حاقد ومدعٍ.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع