الأقباط متحدون - تجديد الخطاب التعليمى.. والعقل المصرى المستقيل
  • ٠١:٢٧
  • الخميس , ٢٠ ابريل ٢٠١٧
English version

تجديد الخطاب التعليمى.. والعقل المصرى المستقيل

مقالات مختارة | بقلم : د. محمود خليل

٣٨: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ٢٠ ابريل ٢٠١٧

 د. محمود خليل
د. محمود خليل

 دراسات عديدة أجريتها بمزاملة الصديق الأستاذ الدكتور هشام عطية حول الخطاب الحقوقى فى الكتب التعليمية، وذلك بالتنسيق مع المجلس القومى لحقوق الإنسان، أيام كان يقع على أجندة اهتماماته البحث عن روافد تكوين العقل الجمعى التعليمى فى مصر، وموقع «حقوق الإنسان» على خريطته. تجولنا فى هذه الدراسات بالبحث والتحليل المتعمق للحاضر والغائب -حقوقياً- فى الخطاب المدرسى والجامعى، بل والشرطى، النتيجة الأساسية التى خلصنا إليها من هذه الدراسات أننا نقف أمام خطاب شديد التناقض، حقوقى حتى الشعار فى مواضع، واستبدادى حتى النخاع فى أخرى، علمى عقلانى فى مناطق، أسطورى خرافى حتى الدجل فى أخرى، ولكى أكون منصفاً لا بد أن أستدرك وأقول إن هذه السلبيات تظهر أكثر ما تظهر فى الكتب التى تحمل على صفحاتها علماً إنسانياً، كاللغة والدين والتاريخ والتربية القومية، وغيرها، أما الكتب التى تحمل علماً طبيعياً أو رياضياً محايداً، فالمسألة فيها تختلف، وإن لم تخل من بعض الهنات التى تظهر هنا أو هناك. التناقض فى هذا الخطاب هو جوهر أزمته، ومدار علته. يقول لك مثلاً وهو يحدثك عن إحدى الصحابيات إنها رائدة حقوق المرأة فى تاريخ المسلمين، وإنها تحدثت عن حقوق الأنثى قبل الزمان بزمان، لكنه لا يلتفت بعد ذلك إلى صورة امرأة تغسل أوانيها على شاطئ إحدى الترع المتفرعة من النيل، وكأنه يقرر أن «التلوث امرأة»، إنه خطاب يحقق الوحدة الوطنية من خلال مسألة حساب يذهب فيها محمد مع بطرس لشراء الحلوى، ويشكر المولى كثيراً أن هداه إلى هذه الفكرة العبقرية ليرضى بها من يقول إن الخطاب التعليمى لا بد أن يكرس معنى الوحدة الوطنية لدى المصريين، أما كتب التعليم الحقوقى فى الجامعات فحدث ولا حرج، فهى تحتشد بالكثير من الوثائق الدولية والإقليمية والمحلية التى تختص بتحديد حقوق الإنسان، وهو ما ينطبق أيضاً على الكتب الحقوقية بكليات ومعاهد الشرطة، وكأنها تنشد حشو العقل وليس تحريكه إلى التفاعل مع الواقع برؤية وسلوك مؤمن بحقوق الإنسان.

 
لك أن تتجول فى نتائج هذه الدراسات، وتتوقف كيف شئت أمام مجموعة المفارقات التى رصدتها، وهى مفارقات تقدم «بياناً على المعلم» لحالة العقل المصرى المنتج والمستهلك والمروج لـ«المعلومة التعليمية»، العقل الذى غزته تناقضات عجيبة جعلته أعجوبة فى ذاته. إنه عقل المراهق الذى يرى أن من حق كل فتاة أن تنال حريتها، بشرط ألا تكون أخته، عقل المراهقة التى تريد إجراء عملية تجميل فى سرتها حتى تبدو جميلة متألقة وهى ترتدى «تى شيرت» يكشفها، فتلجأ إلى عالم دين لتسأله «عملية تجميل السرة حلال أم حرام؟!»، عقلية الداعية الدينى الذى يحدثك عن عقلانية الإسلام، ثم يحكى لك حكاية خالد بن الوليد وهو يحدث الأسد، عقلية المواطن الذى يقول لك إن أعز أصدقائه هو «صموئيل» المسيحى وكأنه يقتنى شيئاً لطيفاً يدلل به على أنه ابن بار لحضارة المواطنة، عقل الزوج الذى يتمسك بالشرع حين تزوغ عيناه على فتاة يريد زواجها، ثم يروغ مما يكفله الشرع من حقوق لزوجته الأولى وأبنائه منها، عقل الزوجة التى تقيم الدنيا وتقعدها إذا قرر زوجها الزواج بأخرى، وتتساءل لماذا لا يقيم معها علاقة عابرة كما يفعل غيره؟! عقل المواطن الذى يرى كل القرارات الإصلاحية جميلة بشرط ألا تقترب منه، عقل المسئول الذى يرى أن الإصلاح يعنى استمراره هو فى منصبه بغض النظر عن مستوى أدائه، عقل الثورى الذى يرى أن تحسين الحياة يعنى أن يتصدر هو المشهد، بغض النظر عن قدراته أو منظومة مهاراته.
 
تلك حال العقل الذى أثمره التعليم فى مصر. ولست أجد طريقاً لإصلاح الخطاب التعليمى، سوى البدء بالعقل الذى ينتجه، وكذا طريقة إنتاجه. كلنا يعلم الطريقة التى يتم اختيار مؤلفى الكتب التعليمية بها، والحسابات التى تدخل فى ذلك، وكلنا يعلم كيف يوقع بعض مراجعى هذه الكتب على النصوص من غير قراءة، وأغلبنا يفهم أن الكتب التعليمية توضع على الأرفف بعد تسلمها ليحل محلها كتب ومعلمى «الحصول على الشهادات». بجملة المجالس العليا، لماذا لا يكون لدينا «مجلس أعلى للتعليم»، تكون مهمته مكافحة الجهل داخل المدارس والجامعات، لا تعجب من العبارة فعلينا أن نعترف بأن مدارسنا وجامعاتنا تحولت فى الأغلب إلى مؤسسات لتعليم الجهل، ولست أجد سبيلاً لتصحيح أوضاعها سوى تشكيل مجلس أعلى للتعليم، يتمتع باستقلالية حقيقية عن الحكومة والسلطة التنفيذية، فالاستقلالية أول شروط نجاح أى جهد إصلاحى فى تجربتنا المصرية، على أن يُمثل فى هذا المجلس علماء كبار مصريون فى الداخل والخارج، وشخصيات عامة، ومفكرون كبار، يتولون رسم خارطة طريق لبناء المقررات، ومراجعتها، وأساليب التدريس وطرقه، وأساليب التقويم وأدواته. ربما كان هذا المجلس سبباً فى استرداد العقل المصرى المستقيل!.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع