الأقباط متحدون - حوار مع كائن فضائي: صليبٌ وسيف
  • ١١:٥٤
  • الاربعاء , ١٩ ابريل ٢٠١٧
English version

حوار مع كائن فضائي: صليبٌ وسيف

مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٩ ابريل ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 اندهش المجتمعُ المصري من ظاهرة غفران أسر الشهداء المسيحيين ومسامحتهم للإرهابيين قتلة أبنائهم في مذبحة البطرسية بالعباسية ديسمبر الماضي، ثم كنيسة مارجرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، الأسبوع الماضي. ولتفسير ذلك أذكركم بواقعة موجعة حدثت قبل ثلاث سنوات، ومرّت كما يمرُّ غيرها دون أن نتعلّم أو نتغير أو نرتقي.

 
ظهيرة السبت ٢٩ مارس ٢٠١٤. تكاثر قطيعٌ من بلطجية الإخوان الإرهابيين، في مظاهرة بمنطقة عين شمس، على سيارة تقودها فتاةٌ عزلاء اسمها «ماري سامح جورج». هشّموا السيارة بالحجارة والعصيّ، ثم أخرجوا الفتاة من حطام السيارة وأوسعوها ضربًا وركلا وسحلا وتعرية وتمزيقًا بالمطاوي، حتى فارقت الحياة. حدث ذلك في عهد الإخوان الساقط، على مرأى من الناس ومسمع. لم يحّرك الناسُ ساكنًا، وتركوا الفتاة الضعيفة تتمزّق بين أنياب الوحوش ومخالبهم.
 
***
 
س: ماذا فعلت تلك الفتاة؟ وما جريمتُها؟
 
ج: كانت تعلّق في سيارتها صليبًا!
 
س: لا أفهم! تلك جريمتها؟!
 
ج: نعم.
 
س: لو كان على زجاج سيارتها الخلفي ملصقٌ به سيفٌ والشهادتان، كالمنتشرة في مجتمعكم، هل يعترضها أحدٌ؟
 
ج: مستحيل.
 
س: لماذا؟
 
ج: السيفُ يحميها!
 
س: أيُّ سيف؟ إنها صورة سيف، وليس سيفًا حقيقيًّا!
 
ج: في مجتمعنا فقط، يحدث هذا.
 
س: كيف تحمي «صورةٌ مرسومة» إنسانًا أعزل؟ السيف على الورقة لا في يدها، فكيف يحميها؟!
 
ج: «صورةُ السيف تحمي كأنها سيفٌ حقيقي؛ لأننا في مجتمع شكلاني أجوف. لا أحد بوسعه الاقتراب من سيارة تحمل صورة سيف خارجٍ من غمده».
 
س: هل في مجتمعكم يخافُ الناسُ من الصور والرمز، ولا يخافون من خطايا هتك القيم وإهانة امرأة وهدر الدماء؟
 
ج: نعم.. فنحن نعيش في زمنٍ أغبر وفي مجتمعات تعسة وبين قوم لا يعقلون!.
 
***
 
هذا حوارٌ دار بيني وبين كائن فضائي لا يعرف طبائع المجتمعات العربية الشكلانية.
 
***
 
صليبٌ يُعلّقُ في مرآة السيارة الأماميّ؛ نعرف منه أن صاحبها مسيحيٌّ! سيفٌ ضخم مُلصق على زجاج السيارة الخلفيّ، فنعرف أن صاحبها مسلم! لكنه ليس مسلمًا مثلي ومثلك. بل متطرف يريد أن «يُرهبك» في الطريق «بصورة» تقول: «احترس، فأنا لحمي مسموم!» وربما الصليب هو رمزُ المسيحية. ولكن منذ متى صار السيفُ رمزًا للإسلام؟ كنتُ أظنّ أن رمزا دينيا هو «المصحف» مثلا، أو حتى «هلال» فولكلوريًّا، ولكن ما معنى السيف؟! لنتأمل هذا.
 
الصليبُ رمزٌ. السيفُ رمزٌ. لكن شتّان ما بين الرمزين. دعوني أطرح سؤالين:
 
** إن علّقت صليبًا في مجتمع رجعي، فهل أنت في نظر ذلك المجتمع مهيضُ الجناح، تمثّل أقليةً مُستضعَفةً في بلادك، فتكون بهذا عُرضَة لتطاول متطرف يرميك بكلمة نابية، أو إرهابي يرميك بخنجر؛ أو قنبلة؟
 
** إن رفعت مصلقًا به سيفٌ، في نفس المجتمع الرجعي السابق، فهل أنت محميٌّ بنصل ذلك السيف، فيرهبُ الناسُ جانبك ولا يقوى أحدٌ عليك؛ وإلا فإنه يعتدي على الله شخصّيًّا؟
 
إن كانت الإجابتان بـ«نعم»، فيا للهول! يا للصاعقة!
 
الصليبُ والسيفُ رمزان. الإسلامي المتطرف يرى السيفَ رمزًا للجبروت ونحر المخالف، ويرى في الصليب رمزًا للضعف والاستكانة. والمسيحي يرى الصليب رمزًا للقوة الروحية الجبارة، ويرى السيفَ رمزًا لضعف الحُجّة والاستقواء الزائف على الأعزل.
 
علام يدلُّ الرمزان؟
 
الصليبُ رمزٌ لأداة قديمة استخدمها الحاكمُ لتعذيب المحكوم. يُعلَق الشخصُ على الصليب وتُدقُّ المساميرُ في يديه وقدميه ويُترك حتى تتصفّى دماؤه ويموت. واستُخدم الصليبُ إما لمعاقبة مذنب خارج على القانون، أو لإسكات شريف عارض الحاكم الفاشي. فالسيد المسيح عليه السلام رُفع على الصليب لأنه أتى برسالة سلام ومحبة في مجتمع دمويّ، وقال قولة حقٍّ في وجه سلطان جائر، فحُكم عليه بالموت. وكان إلى جواره لصّان عن يمينه وعن يساره، رُفعا أيضًا على صليبين. الفكرة هنا أن الصليب رمزٌ «لاستقبال» العذاب والموت.
 
أما السيفُ فهو رمزٌ «لإرسال» العذاب والموت. ينحرُ حاملُه عنقَ من يختلف معه.
 
حاملُ «رمز» الصليب كأنما يُعلن استعداده للقتل على يد سواه. وحاملُ «رمز» السيف كأنما يُعلن استعداده لقتل سواه. فإن اجتمع الرمزان في مجتمع واحد، دون وعي وعدل واحترام للمدنية والقانون، شاعت الطائفيةُ وعمّت الفوضى. لأن أحد الرمزين يقول: «اقتلني»، بينما يقول الآخرُ: «إني قاتلُك».
 
لكن الشاهد أن المسيحي يرى في الصليب كلَّ القوة والبأس؛ لأنه يؤمن أن الغفران والتسامح منتهى القوة، تمامًا كما طلب السيد المسيح الغفران لمن رفعوه على الصليب، وفق الإيمان المسيحي.
 
ذلك هو السر في أن أهالي الشهداء المسيحيين يسامحون قتلاهم ويدعون لهم بالهداية. فهل يخجل من نفسه من يحمل السيف؟ اللهم اهدنا جميعًا واعصمْ دماءَ العُزّل من المرضى حملة السيوف.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع