الأقباط متحدون - ذٰلك هو ...!
  • ٠٨:٠٣
  • الأحد , ٢٦ مارس ٢٠١٧
English version

"ذٰلك هو ...!"

مقالات مختارة | بقلم : الانبا ارميا

٤٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الأحد ٢٦ مارس ٢٠١٧

الانبا ارميا
الانبا ارميا

 الحياة رحلة نلتقى فيها بعضنا بعضًا، فى لقاءات ربما هى عابرة أو تدوم بعض الوقت، ولٰكنها فى النهاية رحلة علينا أن نسعد بها ونساعد الآخرين أن يسعدوا هم أيضًا بها، وأن نعبرها بسلام ونساعد كل من نلتقيهم أن يعبروها بسلام؛ فذٰلك هو المعنى الحقيقى للسعادة والحياة .

 
قرأتُ قصة تقول إنه ذات يوم دخل رجل أحد المطاعم لتناول الغذاء، وطلب الطعام، وبعد أن انتهى منه طلب الفاتورة، ثم مد ﻳﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺟﻴﺒﻪ لدفع المال المطلوب فلم يجد حافظة نقوده ! شعر بالارتباك، وأخذ يبحث عنها فى حقيبته وفى جُيوبه الأخرى فلم يجدها. تملكته الحَيرة بعد أن أيقن أنه لا بد أن نسِيها فى عمله. ولٰكن: ما الذى يمكن أن يفعله الآن؟! حاول أن يبحث عن أى نقود يكون قد نسِيها فى حقيبته ولٰكنه لم يجد شيئًا. قرر الرجل أن يُعلِم المسؤول عن المكان بما حدث، وأن يترك له خاتمًا ثمينًا رهنًا حتى يُحضر له المبلغ المطلوب .
 
ما إن اقترب الرجل منه، حتى قال له مدير المحل أن حسابه قد دُفع !! بدت إمارات الدهشة والتعجب على وجهه، وسأل عن الشخص الذى دفع المال . فأجابه المدير بأن رجلاً قد لاحظ عليه علامات الارتباك والتوتر، وهو يبحث فى جيوبه وحقيبته ؛ فأدرك أنه نسِى أمواله، فدفع ثمن طعامهما هما الاثنين . هدأ الرجل قليلا، ثم تساءل : كيف يمكننى أن أرد ﻟﻪ المال، وﺃﻧﺎ ﻻ‌ ﺃﻋرِﻑ عنه شيئًا: فلا اسم، أو عنوانًا، أو رقْم هاتف؟!! أجابه المدير: هٰذا أمر بسيط: عليك أن تردها بأن تدفع لشخص ما فى مكان آخر ما عليه من مال!!
 
ببساطة شديدة، هٰذه القصة تمثل بأسلوب رمزى معنى الحياة ومعنى السعادة؛ وما استرعى انتباهى فيها ـ لا الرجل الناسِى محفظته أو المدير الناصح اللذين دارت القصة فى فلكهما، بل ـ ذٰلك الشخص البسيط الذى لا يعرِفه أحد والذى فى صمت وهدوء قام ودفع المال دون أن يشعر به أحد، ثم انسحب، ومن المحتمل إلى مكان آخر ينقذ فيه ماء وجه إنسان آخر !
 
ما أعمق تلك النُّفوس الرقيقة التى تشعر بحاجات الآخرين وتقدمها لهم، دون صخب أو تهليل، فى غير انتظار لرد جميلها، أو مجرد شكر، فتختفى باحثة عن خير جديد تقدمه لشخص آخر لا تعرفه!! إنها نفوس تغرس السعادة أينما كانت. وكما لا تَلحَظ أعين البشر تلك النسمات الرقيقة التى تعبر بحياتهم، ولٰكنها تشعر بها تلامس أيام العمر بالراحة والسرور، هٰكذا أولٰئك النوع من البشر.
 
لذٰلك كُن مصدر راحة وسعادة للآخرين، ولا تمتنع عن فعل الخير لكل إنسان، غير منتظر أن يطلبوا منك المساعدة، بل لتكُن لك العين التى تلاحظ، والفَهم الذى يُدرك، والمشاعر التى تسارع بتعضيد الجميع فى كلمة رقيقة، أو تشجيع، أو نصيحة، أو مساندة . وذات يوم سوف تلتقى من يمُد لك يد المعونة التى تحتاجها دون أن تطلب : ذٰلك هو معنى الحياة .
 
·       الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
نقلا عن اليوم السابع
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع