الأقباط متحدون - تطور الميزان السياسى لأردوغان
  • ١٣:٢٥
  • السبت , ٢٥ مارس ٢٠١٧
English version

تطور الميزان السياسى لأردوغان

مقالات مختارة | بقلم د.جهاد عودة

٤٦: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ٢٥ مارس ٢٠١٧

د.جهاد عودة
د.جهاد عودة

الميزان السياسى هو مفهوم رئيسى من مفاهيم السياسة العملية فى عصر ما، ويعبر المفهوم ليس فقط عن الفرص المدركة والقيود المتصورة ولكن الأهم عن كيف يتم إهدار الفرص الحالية بطريقة مقصودة من أجل فرص ذات قيمة أكبر فى مدى أبعد قليلاً، وكيف نطور الفرصة الحالية إلى فرصة أوسع لو تمت الرؤية من زاوية أخرى، وكيف نتفادى المخاطر الأعظم من أجل مخاطر يمكن إدارتها ونفقة محتملة على المدى المرئى.

الميزان السياسى هو ميزان جيوبلوتيكى بامتياز تخضع له كل الدول الكبرى فى إقليم دولى ما، وعلى سبيل المثال، فى الشرق الأوسط يحاول الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان تجديد ميزانه السياسى، وصياغته للمرة الثالثة. وصيغ منذ 1923 لتكون تركيا الاتاتوركية غير يجعلها قادرة للدفاع عن نفسها او يتطلب للدفاع عن نفسها مساعدة خارجية كبرى.

كانت خطة أردوغان الذى صعد للسلطة فى عام 2003، العمل على تقوية الاقتصاد بالتحالف مع رجال الأعمال الأتراك والبنك الدولى، وخلال الارتباط الوثيق بسياسات جورج دبليو بوش، الذى رأى فى أردوغان حله السحرى فى تنفيذ الشرق الأوسط الكبير وتثوير الشرق الأوسط، وهو ما تم بنجاح منقطع النظير وفى ظلها تم غزو العراق والعمل على إعادة هيكلته.

وجاءت الصياغة الثانية لميزان أردوغان السياسى، من رحم الصياغة الأولى بطرح أردوغان وأحمد داوود أوغلو «العثمنة» كإطار أيديولوجى إمبريالى للتدخل فى الشرق الأوسط حيث تولى أوغلو رئاسة الوزراء فى 27/8/2014 إلى أن ترك منصبه فى 22/5/2016 بعد أن كان وزيراً للخارجية، وقبل ذلك أيضاً كان المستشار الرئيسى لرئيس الوزراء أردوغان.

منذ بداية الأزمة السورية فى مارس عام 2011، رمت حكومة حزب العدالة والتنمية فى تركيا بثقلها لتسعير النيران فى جارتها الجنوبية، رافعة عناوين تحريضية طائفية ومذهبية ضد دمشق، فيما كان الهدف الحقيقى لدى أنقرة هو إحياء نزعات قومية وشخصية عند الرئيس التركى أردوغان، الذى يبدو أنه حاول إعادة إحياء «أمجاد» السلطنة العثمانية من البوابة السورية ومنها انطلاقاً إلى بقية العالم العربى من أجل استعادة لقب «السلطان» وذلك من خلال.

أولاً: استمرار الحكومة التركية فى دعم الجماعات الإرهابية، «داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الفتح،…»، ثانياً: مواصلة تدفق الإرهابيين إلى الأراضى السورية عبر الحدود التركية، ثالثاً: تنسيق قائم على قدم وساق بين أنقرة والرياض وأطراف خليجية أخرى للاستمرار فى ضرب الدولة السورية وحلفائها «حلب، اللاذقية..»، رابعاً: زيادة الخلايا الإرهابية من أصحاب الفكر التكفيرى على الآراضى التركية، خامساً: خلق منطقة خالية فى شمال سوريا لمصلحة تركيا.

فى عام 2016 وضعت تركيا ختم «عثمانيتها» على أضخم مشروعاتها لتأكيد هويتها العثمانية، وارتباطها الوثيق بتاريخ إمبراطورية عمرت قرابة 6 قرون، مع تدشينها لواحد من أكبر المشروعات الحيوية تحت اسم «السلطان ياووز سليم».

الآن تخلقت الصياغة الثانية شرراً متعاظماً، الأمر الذى تم التفكير بسببه فى الصياغة الثالثة لميزان أردوغان، وهى خلق جمهورية رئاسية بشكل إمبراطورى.

ويقول الرئيس التركى أردوغان إنه يريد رئاسة تنفيذية قوية لضمان الاستقرار ومنع عودة ائتلافات الحكم الهشة التى شهدتها العقود السابقة.

وتواجه هذه الصياغة الجديدة معطلات كبيرة منها، أولاً :قالت لجنة من خبراء قانونيين فى مجلس أوروبا إن التعديلات الدستورية التى تقترحها تركيا لتوسيع سلطات الرئيس ستكون «خطوة خطيرة إلى الوراء للديمقراطية»، وقالت اللجنة فى بيان، إن التعديلات ستمنح الرئيس «سلطة حل البرلمان لأى سبب كان وهو شيء دخيل على أسس الأنظمة الرئاسية الديمقراطية».

وقال خبراء مجلس أوروبا إن لديهم مخاوف من بنود تسمح للرئيس بممارسة السلطات التنفيذية منفرداً «بتعيين وإقالة الوزراء وتعيين وفصل كبار مسؤولى الدولة بسلطة لا تخضع للرقابة وعلى أساس معايير يحددها وحده».

والرأى القانونى للجنة مجلس أوروبا ليس له سلطة إلزامية على تركيا التى انضمت فى 1950 إلى المجلس المؤلف من 47 دولة.

ويقول معارضون إن التغيير سيدفع تركيا نحو حكم الرجل الواحد وتآكل الحقوق والحريات الأساسية.

ويقول أكبر حزبين فى المعارضة إن التعديلات المقترحة ستلغى توازنات أخل بها بالفعل النفوذ الذى يمارسه أردوغان على الحكومة.

ثانياً، تمثل تركيا أهمية استراتيجية كبيرة لحملة واشنطن ضد تنظيم داعش، نظراً لحدودها الطويلة الممتدة مع كل من سوريا والعراق، وضغطت الولايات المتحدة من أجل استخدام القواعد الجوية التركية، رغم أن الأتراك ظلوا مترددين فى الموافقة على هذا لفترة طويلة، وعندما وافقوا مؤخراً بدا الأمر لكثير من المراقبين نوعا من المقايضة، مقابل أن تغض الولايات المتحدة الطرف عن الضربات التركية على مواقع الأكراد، حيث تمثل محاربة الأكراد أولوية بالنسبة لأنقرة أكثر من محاربة داعش.

ويعد المقاتلون الأكراد من أنجح القوات التى تقاتل داعش على الأرض، وتلقى الأكراد دعماً مادياً مهما من واشنطن.

تركيا تعانى مشاكل كبيرة مع جميع جيرانها وساءت علاقتها بروسيا بعد إسقاطها مقاتلة روسيا فوق سوريا وأثار هذا الأمر غضب تركيا، التى تخوض قتالاً بالفعل ضد الأكراد داخل الأراضى التركية، لأنها تخشى أن نجاح الأكراد ربما يشجع التطلعات القومية الكردية للانفصال وإعلان دولة.

إذن أنقرة وواشنطن حليفتان، ولكنهما فى الوقت ذاته على خلاف بشأن سوريا، ومما لا شك فيه أن التدخل العسكرى الروسى إلى جانب الرئيس السورى بشار الأسد، أضاف تعقيداً جديداً للمشهد، وانتهت إلى غير رجعة الأيام التى أعلن فيها رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو، عندما كان وزيرا للخارجية أن سياسة تركيا الخارجية الجديدة هى «لا مشاكل» مع أى من جيرانها.

نقلا عن الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع