الأقباط متحدون - جهاد عودة يكتب: مرصد أيام الرئيس ترامب في الحكم (10)
  • ١٠:٥٥
  • السبت , ١٨ مارس ٢٠١٧
English version

جهاد عودة يكتب: مرصد أيام الرئيس ترامب في الحكم (10)

مقالات مختارة | البلاغ

٢٢: ٠٩ ص +02:00 EET

السبت ١٨ مارس ٢٠١٧

جهاد عودة
جهاد عودة

أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأربعاء  8-3-2017 أن بلاده لن تتردد في ضرب مواقع لتنظيم “الدولة الإسلامية” في دول مجاورة إذا كانت تهدد أمن العراق. وقال العبادي في كلمة ألقاها في ملتقى السليمانية في الجامعة الأمريكية شمال البلاد “أقول مع احترامي لسيادة الدول الأخرى، سوف لن أتردد في ضرب مواقع الإرهاب في دول مجاورة إذا كانت تهدد الأمن في العراق”. وأضاف “حصلت على موافقة الحكومة السورية في ضرب مواقع الإرهاب في البوكمال السورية لأن هذه المواقع الإرهابية هي التي تمكن السيارات المفخخة التي ترسلها إلى بغداد، وباقي المدن العراقية”. ونفذت القوات الجوية العراقية في 24 فبراير ضربات جوية ضد مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، مسؤولة عن تفجيرات دموية وقعت حديثا في بغداد. وتقع تلك المواقع على مسافة قريبة جدا من الحدود العراقية ضمن حوض الفرات من الجهة التي تقابل مدينة القائم الواقعة وسط الصحراء. وكانت تلك المرة الأولى التي يشن فيها الطيران العراقي غارات خارج حدوده. وأكد العبادي “سنستمر في محاربة الإرهاب في هذا الإطار، لكن أقول نريد أن ندافع عن العراق، عن المواطنين ونحميهم ونريد تعاونا مع كل دول المنطقة”. وخسر الجهاديون معاقلهم الرئيسية في محافظة الأنبار بعد أن شنت القوات العراقية عمليات عسكرية لاستعادة المناطق التي استولى عليها التنظيم في 2014 والتي بلغت ثلث أراضي البلاد.

واعترف دبلوماسي إيراني مخضرم بأن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كان منحازاً إلى إيران ضد السعودية وتركيا ، معتبراً أن بلاده ستواجه أياماً أصعب بعد انتهاء رئاسته وتولي دونالد ترامب السلطة. وكتب الدكتور “سيد علي خُرَّم”، المستشار بالخارجية الإيرانية والسفير السابق لدى مكتب جنيف للأمم المتحدة، أمس، في صحيفة “شرق” الإيرانية القريبة من حكومة روحاني، أن “باراك أوباما ربط حبلاً على عنق كل من إسرائيل والسعودية وتركيا خلال سنواته الثماني الماضية وكان يمنع هذه الدول من أن يفكروا في الاعتداء على إيران”، على حد تعبيره. وتأتي هذه التصريحات لتتناقض تماماً مع الرأي الرسمي للنظام الإيراني في هذا المجال، فعلى سبيل المثال سبق أن هاجم المرشد الإيراني آية الله علي خامئني أوباما بشدة؛ رداً على قول ترامب إن عليهم أن يشكروا إدارة أوباما على الاتفاق النووي وإنه لن يكون مثله، وتساءل خامنئي: “لماذا نشكره؟! لأجل داعش والنار في العراق وسوريا ودعم فتنة 2009 في إيران؟”. كما أضاف المرشد قائلاً: “أوباما هو من جلب الحظر على الشعب الإيراني، بالطبع لم يصل لمبتغاه، وأي عدو لن يستطيع شل الشعب الإيراني”. وقال “خرم” في مقاله، إنه “من دون أي شك، نكون غير منصفين إن اعتبرنا أن سياسات أوباما كانت كسياسات جورج بوش أو دونالد ترامب عدائية تماماً ضد إيران”، رافضاً بعض الادعاءات الشائعة في إيران بأن أوباما وقع الاتفاق النووي؛ لأنه لم يكن له أي خيار غير ذلك. وتابع هذا الدبلوماسي المخضرم قائلاً: “أوباما كان يستطيع أن يزيد على الضغوط السياسية والاقتصادية والتهديدات العسكرية ضد إيران ويهدر طاقاتها مثل بوش وترامب”. وأضاف: “هو كان قادراً على أن يرفض جعل قرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن داعماً للاتفاق النووي، ليجعله هشاً من الناحية القانونية”. ومضى قائلاً: “كان يمكنه السماح للجمهوريين في أميركا بالإبقاء على العقوبات ضد إيران؛ بل وبفرض عقوبات جديدة ضدها”.

ولأول مرة، يعترف دبلوماسي إيراني بوزن “خرم”، وفي صحيفة رسمية، باستخدام بشار الأسد الأسلحة الكيمياوية في سوريا، حيث قال إنه “في هذه القضية، كان بوسع أوباما القيام بعملية احتلال بري لسوريا بعد استخدام دمشق الأسلحة الكيمياوية، ومن ثم كان يمكن أن نشاهد اليوم الوضع في سوريا مشابهاً للعراق بعد صدام”. ورأى “خرم” أن موقف تركيا وإسرائيل والسعودية ضد إيران في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن” يشير إلى أن “خصومة ترامب مع طهران جعلت منافسي إيران وأعداءها في المنطقة أكثر جرأة و إفصاحاً عن مقاصدهم مبكراً”، حسب تعبيره. وقال إن “السؤال الرئيسي هو: ماذا يجب أن نفعل الآن؟”، وأردف قائلاً: “دون أي شك، يجب على إيران أن تقبل بعين مفتوح أنه تم تغيير الوضع والترتيب في المنطقة والعالم، وأن هناك شكلاً جديداً من تحالف أعدائنا القدامى ضد إيران، وأنها أصبحت مستهدفة من قِبل تحالف دولي”. وأضاف: “ومن ثم، يجب على أن إيران أن تخفف من ظهورها العسكري، وتركز على الدبلوماسية الخفية والظاهرة لكسر التحالف ضدها”. واعتبر “الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون حليفاً طبيعياً لإيران، حيث أظهر الأوروبيون خلافهم مع سياسة ترامب من قبل”.  وقال: “بتقربنا الاقتصادي والسياسي من الاتحاد الأوروبي، نصبح أكثر قوة في مواجهة حلف الخصوم بالمنطقة، وقد يأتي بعد أوروبا دور لليابان وكندا وأستراليا، ثم الصين وروسيا”.  من جانبها، شنت إرنا، الوكالة الرسمية للحكومة الإيرانية، 23 فبراير 2017 هجوماً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقالت إن خطاب علي خامنئي المرشد الأعلى قبل يومين يقدم “خطوة تجاه ضرب المشروع الأميركي الذي تسعى الإدارة الجديدة لإحيائه في المنطقة”، معتبرة الخطاب بمثابة خارطة سياسية مستقبلية ستحكم المنطقة ضد المشروع الأميركي. والدبلوماسي “سيد علي خرم” تخرج في جامعة أميركية بتخصص الفيزياء النووية، وحصل على شهادة في الحقوق والعلاقات الدولية من جامعة طهران. وإضافة إلى منصبه كسفير سابق لإيران لدى مكتب جنيف للأمم المتحدة، كان سفيراً لإيران لدى الصين وليبيا وممثلاً خاصاً للرئيس الإيراني في السابق في السنغال وغينيا وغامبيا ولجنة السلم التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومستشاراً رفيع المستوى بوزارة الخارجية الإيرانية لمدة 8 سنوات، ويعمل حالياً مدرساً للفيزياء النووية والعلاقات الدولية في إيران وله أكثر من 100 كتاب ودراسة.

أفاد مكتب الاستخبارات البحرية الأمريكية أن إيران ستشهد على الأرجح فورة في شراء البوارج والغواصات والصواريخ المضادة للسفن بعد انتهاء مدة قرار الأمم المتحدة الذي يمنعها من الحصول على أسلحة متطورة، سنة 2020.   ووفقاً لدراسة أمريكية تناولت تقويماً جديداً لسلاح البحرية الإيرانية حصل عليها موقع بلومبرغ، يتيح انقضاء صلاحية القرار لايران الحصول على “استحواذات أجنبية كانت محظورة منذ فرض العقوبات عليها. وتقع الدراسة ة وهي بعنوان” قوات البحرية الإيرانية: قصة بحريتين”، في 44 صفحة، وهو تحديث لنسخة عام 2009. ويقول الموقع الأمريكي إن الحظر على الأسلحة التقليدية سيرفع في إطار الاتفاق الدولي الذي أمكن التوصل إليه في يوليو  2015 بين مجموعة 5+1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى ألمانيا، مع إيران لتقييد البرنامج النووي الإيراني في مقابل تخفيف العقوبات. ويرجح أن يستشهد بتقرير البحرية أولئك الذي يتفقون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وصفه الاتفاق النووي بأنه “أسوأ اتفاق فاوضت عليه أمريكا”.  ولم تذهب إدارة ترامب إلى حد اقتراح العودة عن الاتفاق. وأبلغ وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى مجلس الشيوخ في جلسة تثبيته في منصبه أنه “اتفاق غير مثالي لمراقبة التسلح…إنه ليس معاهدة صداقة”، ولكن “عندما تعطي أمريكا كلمتها، علينا التزامها والعمل مع حلفائنا”. ومع ذلك، من شأن التقرير أن يدعم الجهود في الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على إيران لدعمها الإرهاب واختبارها الصورايخ الباليستية. ويقول الموقع الأمريكي إن إيران ستواصل على الأرجح حالياً نشر أسلحتها المحلية التي نسخها مهندسوها من تصاميم أجنبية، بينها صواريخ مضادة للسفن تطلق من الغواصات والطرادات الفائقة السرعة، وربما الصواريخ الأسرع من الصوت المضادة للسفن التي تدعي طهران بأنها قيد التطوير، وفقاً لتقويم البحرية. وبعد انتهاء صلاحية الحظر عام 2020، “قد تسعى إيران إلى استحواذات خارجية من السفن والغواصات مع مجموعة واسعة من أسلحة. ووردت تقارير مفادها أن إيران دخلت في مفاوضات مع روسيا للحصول على صواريخ ياخونت س س ن 26”. ووفقاً لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية باعت روسيا سوريا صواريخ يبلغ مداها 300 كيلومتر. ويصف التقرير المكونات الرئيسية لاستراتيجية إيران الدفاعية بأنها “صواريخ باليستية وقوات بحرية ووكلاء في المنطقة”، موضحاً أن “كلاً من هذه المكونات يوفر على الأرجح الوسائل لاستهداف الجيران الإقليميين لإيران، أو قوات عسكرية متمركزة أو تتحرك في المنطقة”. ويضيف التقرير إن البحرية الإيرانية تشغل 14 غواصة من طراز “يونوكلاس” ذات التصميم الكوري الشمالي والتي أنتجت في إيران ويستطيع كل منها نقل طرادين من الوزن الثقيل.  ويذكر أن إشارة التقرير إلى “البحريتين” تعني الحرس الثوري الإيراني الموالي للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية والذي صار منذ 2007 مسؤولاً عن السفن السريعة في الخليج التي واجها سفناً أمريكية، والقوات التقليدية التي تعمل خارج الخليج.

مضى شهر على استلام ترامب للسلطة في البيت الأبيض ولم يتغير شيء في موقفه اتجاه موسكو، حيث كان من المتوقع أن يكون هذا الشهر أشبه بـ”شهر العسل” من حيث طبيعة العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، كما كانت تتوقع روسيا على أقل تقدير.  كانت تتوقع روسيا من ترامب أن يعمل على رفع العقوبات المفروضة عليها من قبل الإدارات السابقة بسبب الوضع في أوكرانيا والتعاون في الملف السوري واعتراف واشنطن بضم روسيا لشبه جزيرة القرم.  فالتأخر في أخذ موقف من هذه الأمور يعد نذير شؤم بالنسبة لروسيا، وتذهب جهودها بدعم ترامب وآمالها به أدراج الرياح، وبات من الواضح أن الإدارة الجديدة تعيد حساباتها في اندفاعها إلى روسيا وتحسب العواقب التي ممكن أن تظهر في علاقتها معها، وعليه فإن الوضع بين البلدين بقي كما هو، وكأن إدارة الرئيس أوباما هي التي تدير البلاد، وهو ما يشعر الرئيس بوتين بالإحباط. بات من الواضح أن إدارة ترامب تعيد حساباتها في اندفاعها إلى روسيا وتحسب العواقب التي ممكن أن تظهر في علاقتها معها . فترامب طوال فترة الحملة الرئاسية وعد برفع مستوى العلاقات مع روسيا، ومدح في كثير من الحالات إدارة الرئيس بوتين وانتقد إدارة الرئيس أوباما على موقف إدارته تجاه روسيا. وكان الخطان الرسمي والإعلامي في روسيا منحاز لترامب أثناء الانتخابات الرئاسية إلى البيت الأبيض، إذ كان يتم التركيز على نجاحات ترامب وبرنامجه وعلاقته الجيدة مع روسيا، كما أن الكرملين اتُهم من قبل حملة هيلاري كلينتون بالتدخل في الانتخابات لصالح ترامب. ولكن مع دخول ترامب للبيت الأبيض تغير كل شيء، وهناك من يرى أن العلاقة بين البلدين تمر في إطار مرحلة “التبصر والإحباط” التبصر من قبل الولايات المتحدة والإحباط من جانب روسيا، وأن تحسن العلاقات بينهما مرهون بالتوصل إلى “حلول وسط على المدى البعيد”.

بالرغم من كل التعليقات الأمريكية السابقة حول تسليم الملف السوري لروسيا، والتعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، هدد قبل أيام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، روسيا بأن أمريكا لن تتعاون معها عسكريًا قبل أن تتوقف موسكو عن وصف كل معارضي النظام السوري بالإرهابيين، وهو ما اعتبرته المعارضة السورية مؤشرًا إيجابيًا على تغير في السياسية الأمريكية لصالح الشعب السوري والثورة، ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تدرك أنه لا يمكنها التعاون مع روسيا في ظل تمسكها بدعم الرئيس بشار الأسد  . كلام تيلرسون يعيد للذهن التهديدات الأمريكية لروسيا على لسان وزير الخارجية جون كيري في أغسطس الماضي بتعليق التعاون معها حول سوريا إذا لم تتخذ موسكو خطوات فورية لإنهاء الهجوم على حلب والعودة لوقف إطلاق النار. كما يمكن قراءة خطاب تعيينه أمام مجلس الشيوخ الأمريكي وردوده على الأسئلة الموجهة من قبل أعضاء مجلس الشيوخ، بأنها تغيير في لهجة الإدارة الأمريكية تجاه روسيا، حيث قال “في حين تسعى روسيا إلى اكتساب الاحترام على الساحة الدولية فإن أنشطتها الأخيرة تتنافى والمصالح الأمريكية”. الولايات المتحدة تدرك أنه لا يمكنها التعاون مع روسيا في ظل تمسكها بدعم الرئيس بشار الأسد  وأشار إلى تأييده لإبقاء العقوبات المفروضة على روسيا وقال إن أعضاء في حلف شمال الأطلسي “محقون في تخوفهم من عدوان روسي”، وردًا على سؤال أعضاء مجلس الشيوخ عما إذا كان يوافق على العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب هجماتها الإلكترونية خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وضمها للقرم عام 2014، قال “سأترك الأمور على وضعها الراهن كي يكون بوسعنا أن ننقل للروس أن هذه العقوبات يمكن أن تذهب في أي من الاتجاهين”. وهذا الموقف طمأن أعضاء من الديمقراطيين والجمهوريين الذين يتخوفون من إمكانية رفع ترامب للعقوبات المفروضة على روسيا في إطار سعيه لتحسين العلاقات مع موسكو. وفيما يتعلق بمعاداة ترامب لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، المتخوف من علاقة ترامب بروسيا والوقوف إلى جانبها والتخلي عن الدفاع عن أوروبا، أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، خلال مؤتمر الأمن الـ53 بميونيخ، دعم ترامب لحلف الناتو وأن أمريكا عازمة لتعزيز شراكتها مع الدول الأوروبية، وأضاف أن “أوروبا والولايات المتحدة يواجهون من يهددهم”، وفي هذا إشارة لاستمرار نفس النهج والسياسة التي كانت متبعة ما قبل مجيء ترامب مع أوروبا ضد روسيا. واستبعد رئيس تحرير مجلة “روسيا في السياسة العالمية”، فيودور لوكيانوف، احتمال إبرام صفقة بين روسيا والولايات المتحدة، وأن التوقعات بأن ترامب سيغير العلاقات بين موسكو وواشنطن نابعة من أمرين، الأول، إشادات ترامب المستمرة ببوتين كزعيم يدافع عن المصالح الوطنية ومرد هذا برأي الكاتب يعود أن ترامب كان يبني استراتيجية على إنكار كل ما هو متعلق بأوباما. والثاني الحملة الإعلامية والسياسية التي تتهم ترامب بمواقف موالية لروسيا وحتى علاقات مباشرة مع الكرملين والأجهزة الخاصة الروسية، وهو ما يرى فيها الكاتب اختراعًا للقائمين على حملة كلينتون ورهانهم على ترويع الناخبين الأمريكيين بشبح “البوتينية”. ويضيف لوكيانوف أن الظروف الغير واضحة بين البلدين تعد مؤقتة وسيتحدد الإطار الاستراتيجي الروسي الأمريكي بامتلاك البلدين أكبر ترسنانتين نوويتين في العالم، وقدرتهما على تدمير الآخر، ويجدر التنويه أن مسار تطو رالعلاقات بين موسكو وواشنطن لم يتغير بشكل جوهري كما يشير مراقبون منذ إقامة نموذج الردع النووي في الخمسينيات من القرن الماضي.  الظروف الغير واضحة بين روسيا وأمريكا تعد مؤقتة وسيتحدد الإطار الاستراتيجي بينهما بامتلاك البلدين أكبر ترسنانتين نوويتين في العالم وقدرتهما على تدمير الآخر وقد تحول الخطاب الإعلامي الروسي الذي كان يوالي ترامب ويمتدح فيه طوال الفترة الماضية، للتخفيف من المديح بترامب، وحسب “ميديالوجيا” لرصد وسائل الإعلام، فقد انخفض عدد مرات ذكر ترامب بالقنوات الرسمية التسعة الروسية من 141 مرة في 5 فبراير/شباط إلى 116 مرة في 12 فبراير و 35 مرة في 19 فبراير، في إشارة لما يبدو إلى إيعاز من الحكومة بالكف عن مديح ترامب خشية من انتهاج واشنطن سياسة غير ودية تجاه موسكو.  دعمت روسيا ترامب أثناء حملته الانتخابية ورحبت بفوزه بالرئاسة متأملة بأنه الشخص القادر على إخراج العلاقات بين البلدين من الأزمة، ولكن بعد انتهاء “شهر العسل” بدون شيء يذكر يبدو أن روسيا عدلت عن موقفها من الرجل الذي لم تجد في إدارته ما يميزها عن إدارة أوباما حتى الآن على الأقل.

ختزل عداوة حكومات كل من روسيا وسوريا وإيران لأمريكا في شخص دونالد ترامب ‏المعروف بالجشع والغرور ومعاداة المسلمين، وهو أيضا رأسمالي شاذ جنسيا وفاقد للأخلاق. وعلاوة على ذلك، هو يدعو إلى إستعمال القوة ضد خصوم أمريكا وخاصة منهم المسلمين.

لترامب سجل حافل من المدح الموجه إلى الإستبداد وحتى إلى إختلاق الأعذار له، على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الليبي القذافي وآخرهم الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ويمكننا القول أن موجة ترامب الشعوبية الاستبدادية أتت في الوقت المناسب تماما لرجال مستبدين مثل بوتين والأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين لا يصوبون مدافعهم ضد الجيوش الغازية أو التهديدات الخارجية، وإنما ضد زحف الحداثة التي تهدد أسس أنظمتهم.  لذلك يمكن القول أن ترامب يجسد مبادئ الإستبداد ورفض التعددية الثقافية في القرن الـ21 ‏. ما جاء به له صدا لدى الحكومات والمنظمات التي تظهر كراهيتها لبعضها.  وفي سابقة، مدح بوتين ترامب ووصفه بأنه “رائع”. ومن جهته، مدح ترامب بوتين في برنامج حواري عندما قال: “إنه زعيم على عكس ما لدينا في هذا البلد” مما يعني أنه يفضل أسلوب قيادة بوتين على أسلوب باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الحالي. بالإضافة إلى ذلك، مع أن قناة بريس تيفي الإيرانية الناطقة بالانجليزية تقدم بعض نقاد ترامب، إلا أنها في كثير من الأحيان تقدم مدافعين على ترامب وتُقَدمه كمؤيد لنظرية المؤامرة ‏ لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر التي تُرَوج لها القناة. ومن جانبها، أقرت ‏”‏SyrianGirlpartisan‏” ‏الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، وهي أهم المؤيدين للنظام من المتحدثين باللغة الإنجليزية، ‏ أقرت أن الجناح ‏ الداعم لترامب في الحزب الجمهوري ‏ يُعتَبرون حلفاء طبيعيين للنظام السوري. وعلى الرغم من شعبية ترامب مع النازيين الجدد، تقوم شخصيات يمينية إسرائيلية بالترويج له، بسبب معارضته لاتفاق إيران النووي. وعلاوة على ذلك، تردد شائعات عن عزم كازينو مغول شيلدون أندرسون -أحد المقربين من بنيامين نتنياهو، والممول الرئيسي لللُوبي اليهودي والمساهم الرئيسي في الحملات السياسية الأمريكية-تمويل الحملة الرئاسية لدونالد ترامب. وتجدر الإشارة إلى أن جميع مستبدي القرن الـ21 يشتركون في سمة موحدة مع مؤيدي ترامب: وهي أنهم يشعرون بأن الحداثة والنظم الليبرالية العالمية هي أكبر تهديد لوجودها، حتى أكثر من الأعداء الخارجيين. ترى ‏كل هذه الأنظمة المتسلطة أن حرية الإتصال إلى جانب قوى المعارضة أكبر تهديد لسلطتها. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المنظمات الداعمة لحرية التعبير والديمقراطية مصدر إزعاج للأيديولوجية الشمولية، إلى درجة أن العديد ممن يسمون أنفسهم أعداء يصبحون أكثر استعداد لوضع خلافاتهم جانبا من أجل مواجهة التحدي الأكبر الذي يواجهه كل منهم.

 وفي سياق متصل، هدد ترامب مرارا باتخاذ إجراءات عقابية ضد منتقديه من وسائل الإعلام. ومَثّل ذلك خروجا غير مسبوق عن قواعد السياسة الأمريكية والديمقراطية. ولم يكتف ترامب بذلك الحد بل هدد المؤسسات الإعلامية التي تنتقده بأنها “ستواجه مشاكل” في صورة نجاحه في الإنتخابات.  كما قام بإلغاء أوراق اعتماد صحيفة الواشنطن بوست في حملاته، وأضاف أنه سيرفع دعوى قضائية ضد وسائل الإعلام، وأفاد: “سنعتمد على قوانين التشهير التي ستمكننا من مقاضاة صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست لكسب المال”. أثار هذا التفكير حفيظة الليبراليين وصنف ترامب كأحد الزعماء المستبدين الذين يعتمدون على الترهيب والرقابة وقوانين التشهير، والروايات والمؤامرات لدعم أجنداتهم وصد الانتقادات.

لكن لا يمكن للأنظمة الاستبدادية ضمان ديمومتها عن طريق منع الوصول إلى المعلومة فقط، حتى وإن إستمرت ‏ في المحاولة، ففي عصر الانترنت لا يمكن التحكم في تنقل المعلومة ولا الحد من حجم تأثيرها، لذلك، نلاحظ تحرك الحكومات ضد فكرة العالم المترابط. من جانبها، نجت السياسات اليمينية القديمة لنتنياهو منذ عقود بسبب جهل الشعب الأمريكي لوحشية الاحتلال، إلى جانب اعتباره، منذ فترة طويلة أن إنتقاد إسرائيل يعتبر فعلا معاديا للسامية.  لكن بمرور الوقت، تم إضعاف فكرة معاداة السامية من قبل جيل من الشباب الأمريكي. وبالتالي، يواجه اليمين الإسرائيلي تحديا غير مسبوق، ليس من إيران وحماس وحزب الله، ولكن من جيل مطلع من الشباب اليهودي الأميركي.  العديد من التحديات التي يواجهها الليكود في القرن الـ21 تنحدر من عالم صغير، على غرار حركة (BDS) غير العنيفة في عالم الانترنت حيث يمكن لنشطاء وأنصار في أنحاء العالم التعبير عن التضامن من خلال العصيان المدني ومقاطعة السلع الإسرائيلية. وقد أدى هذا الواقع الجديد إلى نكسة كبيرة. ومن جهته، يريد نتنياهو وخلفاءه قمع هذه التصرفات وقد اتخذت خطوة غريبة بمهاجمة الفيسبوك بسبب ما يسميه مؤيدو إسرائيل بـ”التحريض” عند نشر الفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال.  وفي نفس السياق، إتهم  وزير الأمن ‏العام الاسرائيلي، جلعاد اردان، مؤسس فيسبوك، ‏ مارك زوكربيرج، بتحريضه ضد إسرائيل. وقامت منظمة    (Shurat HaDin) المؤيدة لإسرائيل واليمين المتطرف بإتخاذ خطوة غير مسبوقة  عندما قامت بدعوى قضائية في محكمة في الولايات المتحدة ضد فيسبوك وطلب مليار دولار كتعويض. لكن لن يمنع ذلك الشباب الأمريكي من الإنتقال إلى موقع يوتيوب لرؤية العنف المتأصل للاحتلال العسكري. كانت فبركة الروايات القائمة على إستراتيجيا المؤامرات ‏ أحد أهم وسائل  الأنظمة القمعية، ولكن مع الإنتشار الكبير للمعلومة الصحيحة المتاحة على شبكة الانترنت، تزداد صعوبة إختلاق الأكاذيب. وأصبح من المهم الآن التخلص من التطرف، أكثر من أي وقت مضى ‏. لذلك يجب على نظرية المؤامرة أن تنطلق من موقع على شبكة الانترنت لتكتسب بعدا أوسع وزخما أكبر إلى جانب الإعتماد على جيش من الموالين لضمان الديمومة.  زعم ترامب أن الآلاف من مسلمي أمريكا هللوا لهجمات 9/11 وكانت نقطة تحول، حيث أدرك النقاد أن أنصار ترامب لا يهتمون ‏بالحقائق على الإطلاق، بالرغم من أنه لا توجد صورة واحدة ولا شهادة تدعم ما قاله. كما لا يمكن الوثوق في نسخة ترامب للأحداث دون الاعتقاد في مؤامرة ما. وقد ذهب ترامب أبعد من ذلك ليزعم أن الحكومة الأمريكية هي من دبر أحداث 11/9. ومن جهة أخرى، يعول بوتين على المشاعر المتطرفة المعادية لروسيا حين أصبحت العزلة الاقتصادية لروسيا أكثر خطورة. بالإضافة إلى أن الدولة الروسية لا تستطيع إخفاء الوضع الاقتصادي المنكمش ولا الضحايا في سوريا ولا حتى الدبابات في أوكرانيا. لذلك تحتاج آلة بوتين الدعائية للمزيد من الأنصار الذين يمكن لهم إعتبار أي انتقاد لروسيا جزء من مؤامرة ضدها. وحتى أنهم اخترعوا كلمة جديدة لصد النقاد” رهاب روسيا” Russophobia))‎ وتعتبر التغطية الإعلامية الروسية لحادثة إسقاط طائرة ركاب رحلة  (MH-117) خير مثال على قدرة الحكومات الاستبدادية الدفع بنظريات المؤامرة في العصر الرقمي. ففور إنتشار خبر الحادث في أوكرانيا، انطلقت وسائل الإعلام الروسية في صنع وفبركة رواية خاصة بالأحداث. فقد زعموا في البداية أن مقاتلة أوكرانية من طراز سو-27 هي التي‏ أسقطت الطائرة المنكوبة، حتى أنهم قدموا صور للأقمار صناعية، تم فضحها بسرعة من قبل المدون البريطاني إليوت هيغنز.  وعندما قدم مجلس سلامة الطيران الهولندي أدلة قاطعة على أن صاروخ من نوعBUK قد أسقط طائرة، إنطلقت وسائل الدعاية الروسية من جديد في فبركة رواية جديدة، مؤكدين أن صاروخا أوكرانيا من نوع BUK قد أسقط الطائرة المنكوبة.  في الوقت الذي كانت هناك دائما لعبة شد الحبل بين الانعزاليين والأمميين، بين المحافظين والحداثيين، لم تستطع القيم المحافظة على رص الصفوف ضد فكرة أن العالم أصبح صغيرا. كما كانت الأممية عبارة عن فكرة، لكن أصبحت الآن حقيقة وواقعا. لذلك نرى الحكومات تتخذ ‏ المزيد ‏من التدابير لتصل إلى درجة رفض حقيقة أن العالم أصبح الآن مترابطا ومتعدد الثقافات. وقد دفعت التشريعات التي تستهدف حركة BDS إلى درجة لا تصدق. فقد أصبحت مقاطعة البضائع الإسرائيلية الآن جريمة يعاقب عليها القانون في بعض الأماكن. هو ليس فقط كيل بمكيالين، وإنما هو مفارقة منطقية ليصبح عدم القيام بشيء ما، أمرا غير قانوني؟  تعيش الحركات العرقية القومية الشعبوية في وهم أنهم يمكن أن يجعلوا العالم يختفي، وأنهم يمكن أن يستمروا في إختلاق الأكاذيب وصناعة الوهم والمؤامرات وإلغاء مستقبل التكنولوجيا. ومهما كانت معتقداتهم وتوجهاتهم في القرن الـ21 تضل حرية تنقل المعلومات عدوهم، وترامب ملكهم.

ي الواقع، هذا هو ما سنعاينه في الجلسة الأولى التي ستجمع الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، والتي من المزمع أن تعقد في الأشهر القليلة القادمة. وعلى الرغم من أسلوبهما المتقلب في الحكم، إلا أن الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه الغالبية العظمى من الناس؛ هو أن كلا الرئيسين لا صلة لهما بالحقيقة، فلطالما استغلا الأخبار الوهمية والمزيفة، فضلًا عن أنهما يظنان بأن كل ما يقولانه صائب ولا غبار عليه. والأسوأ من كل ذلك، هو أنهما مصابان بجنون العظمة.  في المقابل، إن الفرق الوحيد بينهما يتمثل في أن ترامب يرى أن أعداءه الحقيقيين في الداخل، أما بوتين فيظن بأن أعداءه خارج موسكو. علاوة على ذلك، كلا الرئيسين يمجد نفسه، فترامب يظن أنه سيكون أعظم رئيس يحكم الولايات المتحدة منذ زمن طويل، في حين يؤكد بوتين على أنه سيعيد إحياء مجد روسيا العظمى. ومن هذا المنطلق، من الصعب جدا أن نرى هذين الرئيسين يتفقان حول مسألة ما. تخيل افتراضا، أن روسيا والولايات المتحدة لهما بعض المصالح الوطنية المشتركة، وتخيل أيضا أنهما بغية خدمة تلك المصالح سيتوصلان إلى اتفاق، وسيلتزم كل واحد منهما بالمهام التي أوكلت إليه. وبالعودة إلى الصفات التي يتشاركها كل من ترامب وبوتين، فلا يمكن للرئيس الأمريكي العقلاني، أن يصدق، ولو لوهلة، بأن بوتين سيفي بوعوده، وسيتمسك بكلمته، والأمر سيان بالنسبة لبوتين. يمثل بوتين تهديدًا للمصالح الحيوية للولايات المتحدة، ليس لأن من مصلحة روسيا أن تطيح بها، بل لأن الأيديولوجية التي أسس وفقها بوتين عقيدته، تقوم على سياسة عدائي.  ومن ناحية موضوعية، حتى وإن توصل الطرفان إلى اتفاق يخدم أهداف الجانبين؛ فإنه بمجرد فشل الاتفاق، سيسعى كل طرف على حدة، للخروج بأقل أضرار ممكنة. وعلى الأغلب، أن الرئيس الأمريكي السابق، رونالد ريغان قد أدرك ذلك مسبقا، حيث قال في إحدى تصريحاته الشهيرة إن “على الولايات المتحدة أن تثق في روسيا، ولكن في الوقت نفسه، عليها أن تتثبت من مخططات موسكو فيما يتعلق بالأسلحة النووية”. وهذا الأمر من الهين جدا القيام به؛ فالأسلحة النووية يمكن عدها، وبالتالي يمكن التحقق من أن موسكو قد حدّت من صنع الأسلحة أم لا.

في المقابل، سيصعب على الرئيس الجديد أن يتثبت من انسحاب روسيا من “دونباس” المحتلة، خاصة مع إصرار بوتين على أنه لا وجود للقوات الروسية في تلك المنطقة. وبالمثل، سيصعب على روسيا التحقق من أن الولايات المتحدة قد قطعت جميع المساعدات عن أوكرانيا. وبالتالي، فإن على الرئيسين أن يتيقنا من أن كل طرف ليس له نية الوفاء بوعوده. وفي صورة نجح الطرفين في اكتشاف حقيقة سلوك بعضهما البعض، العشوائي والغير مسؤول في السابق،  فإن انعدام الثقة المتبادل بينهما سيتعزز. فمن جهة، لطالما تجاهل الرئيس الروسي الالتزامات الدولية الروسية، وكان يعلق عليها بعجرفة، وينتهكها في بعض الأحيان، ولعل من بين هذه الالتزامات، مذكرة بودابست للضمانات الأمنية لسنة  1994، التي من المفترض أن تلزم روسيا  بضمان سلامة أراضي وأمن أوكرانيا. ومن جانب آخر، أظهر ترامب، في أول أيامه القليلة التي قضاها في منصبه، أنه ينوي إنهاء تورط الولايات المتحدة في اتفاقيات التجارة الحرة والتحالفات. ومن الممكن أن تتعقد الأمور أكثر، خاصة وأنه لا يوجد أي سلطة سيادية تضمن حسن تطبيق الصفقات الدولية. وفي الأثناء، يرفض كلا الرئيسين أن يسمحا لأي دولة أخرى، أو المؤسسات الدولية، أو تحالفات دولية، من التأكد من تطبيق الصفقات الدولية، نظرا لأن كليهما تنكرا لحق تلك الأطراف في التدخل بالشؤون الداخلية لبلدانهم. وبالتالي، فإن هذه الصفقات لن تدوم طويلا.

“روسيا بوتين” ستكون خصمًا لا يستهان به بالنسبة للولايات المتحدة، وخير دليل على ذلك هو الحربان اللتان شنتهما على جورجيا وأوكرانيا، فضلا عن أنها تهدد بالاستيلاء على روسيا البيضاء.  وفي هذا السياق، وبما أن كلا الجانبين سيفترضان مسبقًا بأن الطرف المقابل سينتهك التزاماته حتى قبل أن يجف حبر الاتفاق، فسيستنتجان بكل عقلانية أنه سيكون ضربًا من التهور والجنون عدم انتهاك الصفقة كذلك. وفي حال وقع خرق الاتفاق، سيحمّل كل طرف الآخر مسؤولية فشل الصفقة. وبالتالي، علاقة الصداقة المبنية على الثقة والإخلاص ستتحول إلى اتهامات بسوء النية، وهو ما سيضع حدا للعلاقة الوطيدة التي تجمع الرئيسين، وستسوء الأوضاع بين الولايات المتحدة وروسيا، حتى أكثر مما كانت عليه قبل أن يحاول بوتين وترامب خداع بعضهما البعض.  عموما، يرى ثلة من المحللين الواقعيين، أمثال هنري كيسنجر، وجون ميرشايمر، وستيفن والت، أن سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا يجب أن تقام على أسس مصالحها الوطنية. ومن هذا المنطلق، يبدو أن تحليلهم يتناقض تماما مع آراء ترامب وبوتين حول العلاقات الدولية.  ورغم ذلك، فالمصالح الوطنية تبقى منوطة بعهدة صانعي القرار، على غرار بوتين وترامب المراوغينِ. وفي هذا الصدد، علينا أن نتفق على أن الثبات، والاستقرار، والقوة، والثروة بالنسبة للرئيسين، يمكن تعريفها بأنها مصالح وطنية ثابتة ودائمة. ولكن السؤال الذي يطرح الآن؛ كيف نقرر ما تعنيه هذه المصطلحات، بشكل عام، وفي بعض الظروف الخاصة؟ ومن ناحية أخرى، ادعى كل من ترامب وبوتين أن مصالح الدولة تبقى ذات أولوية قصوى، وأن هدفهم الوحيد هو إعادة إحياء مجد بلادهم. وفي معظم الأوقات، عُرف النهج السياسي الذي يعتمده هذان الرئيسان، على أنه سياسة دولية قومية، ولكن العبارة الأصح لوصفه هي “الشوفينية بين القوى العظمى”، على حد تعبير “لينين”.  فهل يمكن خلط “الشوفينية بين القوى العظمى” بالواقعية؟ مع الإشارة إلى أن المصطلح الأول متجذر في الأيديولوجية الغربية، أما الثاني فيزعم أنه تقييم موضوعي للمصالح الوطنية.  وفي واقع مثالي، لن يكون بوتين من المنتسبين “للشوفينية بين القوى العظمى”، وليس مرتبطا بالإمبريالية، ولن يكون أيضا ترامب الطرف الذي سيخل بالعلاقات الدولية بين البلدين. وفي ظل هذه العالم المثالي لن تكون الولايات المتحدة وروسيا على طرفي نقيض، حيث لن تتبع روسيا سياسة العدوان الإمبريالي في جورجيا وأوكرانيا، ولم تخلق الولايات المتحدة كوارث استراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.  على الرغم من أسلوبهما المتقلب في الحكم، إلا أن الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه الغالبية العظمى من الناس؛ هو أن كلا الرئيسين لا صلة لهما بالحقيقة، فلطالما استغلا الأخبار الوهمية والمزيفة، فضلًا عن أنهما يظنان بأن كل ما يقولانه صائب ولا غبار عليه. والأسوأ من كل ذلك، هو أنهما مصابان بجنون العظمة. في حقيقة الأمر، “روسيا بوتين” ستكون خصمًا لا يستهان به بالنسبة للولايات المتحدة، وخير دليل على ذلك هو الحربان اللتان شنتهما على جورجيا وأوكرانيا، فضلا عن أنها تهدد بالاستيلاء على روسيا البيضاء (بيلاروسيا)، وانتهاك حدود دول البلطيق، وتسليح كالينينغراد وشبه جزيرة القرم، بصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. علاوة على ذلك، أعلنت روسيا رسميا أنها ستستخدم الأسلحة النووية للرد على أي خطر تقليدي يهددها، بالإضافة إلى أنها عازمة على دعم الأحزاب المعادية للغرب،  والمناهضة للولايات المتحدة، وأوروبا. ومن المؤكد أن مثل هذه الأنشطة بمقدورها زعزعة استقرار كل من أوروبا والولايات المتحدة. والأسوأ من فرضية سحق الديمقراطية، وخلق سيل من اللاجئين من أوكرانيا وروسيا البيضاء، وامتداد الحرب إلى بولندا وفنلندا والمجر، وغيرها من الدول، أن روسيا  ستجد نفسها في القريب العاجل، على شفا الانهيار. ومن ناحية أخرى، إن بوتين يمثل تهديدًا للمصالح الحيوية للولايات المتحدة، ليس لأن من مصلحة روسيا أن تطيح بها، بل لأن الأيديولوجية التي أسس وفقها بوتين عقيدته، تقوم على سياسة عدائية. وعلى ضوء هذه المعطيات، على الولايات المتحدة أن تعي الخطر الذي تشكله روسيا، وتتصدى لهذا العدوان. خلافًا لذلك، يظن ترامب بأنه قد أسيء فهم نوايا بوتين، وأن موقفه العدائي الأخير كان على خلفية توسع حلف شمال الأطلسي. ومن هذا المنطلق في التفكير، فإن روسيا قامت بغزو أوكرانيا تحسبا لقيام هذه الأخيرة بالانضمام لحلف شمال الأطلسي. وإذا كان الأمر هكذا، فإن الولايات المتحدة بدفاعها عن حلف شمال الأطلسي، ستدفع ببوتين ليصب جلّ تركيزه على المحيط الهادئ.  بدلًا من ذلك، إذا تم تحليل الخطابات التي أدلى بها بوتين، ودراسة طبيعة نظامه، فسيتبين لنا حينها أن الدافع الأكبر الذي يكمن وراء العدوان الروسي، هو العقيدة الإمبريالية التي تخدم سلطة بوتين، التي تمتلك جذورا متأصلة في الثقافة السياسية الروسية.  وإذا خضعت قدرة حلف شمال الاطلسي، بكل موضوعية، للتحليل، وثبت  أنها لا تشكل خطرا ملموسا على روسيا، فعندها سيتجلى للعيان أن تنديد بوتين بالتهديد الذي يشكله الناتو؛ هو إما خدعة أو علامة على جنون العظمة. فحلف الناتو، على حد تعبير دونالد ترامب “حلف عسكري عفا عليه الزمن”.  في نفس الوقت، تستفيد الولايات المتحدة مباشرة من قوة أوروبا الدفاعية، وخاصة من أنظمة أوكرانيا الدفاعية؛ لأن ذلك السبيل الوحيد لاحتواء طموحات بوتين. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من ترامب وبوتين  يسعيان لأن يكونا القائدان  الأبرز على الساحة الدولية وجعل روسيا والولايات المتحدة قوة عظمى لا منازع لها، وهذا ما لن يتمكنا من تحقيقه. وعاجلا أم آجلا، فإن العلاقات الروسية الأمريكية ستتدهور أكثر. وفي حال وصلت الأمور لهذه النقطة، فمن المحتمل أن يميل بوتين نحو الاعتدال، وتتحقق عندها “نبوءة أوباما”.

في واشنطن، عندما تُطرَح فكرةُ استقلال الأكراد عن العراق، يؤكِّد جميع أنواع الخبراء، والدبلوماسيين والمسؤولين السابقين: “لن يحدث أبداً”. وحتماً، دائماً ما يكون التأكيد مدعوماً ببيانٍ منمق ينم عن اطلاعٍ على التحديات الخطيرة التي يواجهها أكراد العراق، الأمر الذي يجعل استنتاج إعلان الاستقلال أمراً “غير منطقي”. ولكن تظل احتمالية أن أكراد العراق قد ينتوون اتخاذ قرار عقلاني تماماً، ربما في المستقبل القريب. فالفجوة هنا مُتصلة بالفرق بين ما يعتقد المحلِّلون ما يجب على الأكراد فِعله، وهي قائمة على هذه الحسابات الخاصة بالمراقبين لسياسات الأكراد ومصالحهم، وبين الطريقة التي ينظر بها الأكراد وقادتهم إلى العالم بالفعل. هذه المشكلة من الممكن أن تتسبَّب في مفاجأة للمسؤولين الأميركيين “بأحداثٍ غير متوقعة”، وتجعلهم متأخرين عن تطوير سياسات مُناسبة.

ويُعد النقاش حول الأكراد واحداً من ضِمن أمثلة كثيرة على هذا التفكير المشكوك فيه الذي تتصف به السياسة الخارجية للولايات المتحدة. انظروا، على سبيل المثال، إلى قضية إيران في سوريا. من المفترض أن يكون الإيرانيين أُرهَقوا من دعم الرئيس بشار الأسد الآن، وجزءٌ كبيرٌ من السبب يرجع إلى الضغوط المالية للمحافظة على القتال. إلا أن الإيرانيين مستمرون. وهناك أيضاً الروس، الذين لم يكن من المُفتَرَض أن يدخلوا شرق أوكرانيا أو يضموا القرم نتيجة إمكانيات موسكو المحدودة، وردّ حِلف الناتو العقابي المُرجَّح عليه. ومع ذلك، يساعد الإيرانيون (والروس) نظام الأسد دون أي موانع، ولم تتراجع روسيا عن تدخلها في أوكرانيا، على الرغم من عقوباتِ الغرب.  إلا أن ما ينقُص في التحليلات التي يجانبها الصواب حول تصرفات الآخرين المُرجَّحة هي الأفكار. فبالنسبة للأكراد، هناك أفكار مهمة عن الهوية على المحك. وفي طهران، لا يُقاس دعم الأسد بالمال، وإنما بالأفكار القوية عن الحالة التي يجب أن يكون عليها الشرق الأوسط ومكانة إيران فيها. كما يُحدِّد الحَدث المأساوي لفُقدان مكانة القوةٍ العُظمى نظرة فلاديمير بوتين القومية للعالم بوضوح.  هذا هو السبب وراء استهانة المحلِّلين الغربيين والأميركيين بأهداف روسيا، خاصةً في الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يصب في صالحهم. وحتى عندما أصبح تفكير موسكو الاستراتيجي واضحاً خلال الأشهر القليلة الماضية، استمر الشعور الغالب بين خبراء السياسة الخارجية هو أن خطط الكرملين في المنطقة كان مُعداً لها، وأن نجاحات المنطقة كانت نتيجة حماقات وليس نتيجة ذكاء.  وهناك جانب آخر للأمر، فهناك افتراضات بأن الرئيس الروسي ليس لديه خطة أو موارد كثيرة، وهذه الافتراضات هي التي تسببت في سلبية أميركا والغرب، الأمر الذي في المقابل فتح المجال لفرص جديدة أمام الروس.  لكن تفسير سلوك موسكو في الشرق الأوسط لا يكمن فقط في عدم رغبة إدارة باراك أوباما في استيعاب مدى نوايا موسكو في المنطقة. في حين أن فريق الرئيس دونالد ترامب مهتم إلى حد ما بفهم ما تفكر فيه روسيا، مُلهَمين بمخاطر الوقوع في الخطأ نفسه في حال فشلهم في فهم خطط الكرملين في الشرق الأوسط وفهمهم لمجموعة الأفكار المهمة والفعالة.

يبدو أن شخصية بوتين من الشخصيات التي تحمل الضغائن. فالأمر الذي يجعله يفكر طويلاً للتخطيط للانتقام هو الإهانة التي وقعت في يوم عيد الميلاد عام 1991، في تمام الساعة 7:32 مساءً. ذلك المساء الذي أزُيلت فيه راية المنجل والمطرقة الخاصة بالاتحاد السوفييتي، والتي كانت ترفرف منذ عام 1923، ليُرفع مكانها، بعد 13 دقيقة، علم روسيا. والأمر لا يتعلَّق بأن الرئيس الروسي سوفييتي شيوعي مُتعصب بقدر أن تفكك الاتحاد السوفييتي والتراجع المتتالي لقوة روسيا النسبية كان بوجه أخص أمراً مؤلماً للرجل القومي الروسي.  ومنذ تلك اللحظة التاريخية، ولزيادة الطينة بلة، توسَّع حلف الناتو في الشرق، واحتاج اقتصاد روسيا إلى مساعدة من المؤسسات المالية الدولية ليتمكن من البقاء، وتصرَّفت الولايات المتحدة في العالم موليةً اهتمامٍ واحترامٍ قليلين للمصالح الروسية.  في حين قوَّضت الثورة البرتقالية في أوكرانيا القيادة المؤيدة لموسكو هناك لصالح مَن كانوا يتطلعون للغرب. فمن وجهة نظر روسية، بدا هذا كله مخططاً أميركياً غامضاً لمحاصرة موسكو وزعزعة استقرارها والتقليل من احترامها. وهكذا، منذ اليوم الذي صار فيه بوتين رئيساً لروسيا الاتحادية، قام بتنفيذ خطة. فبينما كان الأميركيون منشغلين بأفغانستان، والعراق، وحل الصراع العربي – الإسرائيلي، والتخفيضات الضريبية، وترويج الديمقراطية في الشرق الأوسط، وشهادة ميلاد أوباما، وحركة حزب الشاي، ووضع حدٍ للديون، وإغلاق الهيئات الحكومية، وقانون الرعاية الصحية الأميركي، أعادت روسيا بناء إمكانياتها العسكرية، كما أعادت التفكير في عقائدها في الحرب والقتال. وفي الوقت ذاته، سعى بوتين لإعادة بناء هيبة موسكو العالمية، مستغلاً في الأغلب الخطوات الأميركية الخاطئة، محلياً وخارجياً، لتقديم بديل، الأمر الذي أتاح للروس فرصةً للبدء في بناء مناطق نفوذ جديدة، وساعدها في ذلك، على نحوٍ هائل، الارتباك، والاستقطاب، وزعزعة الاستقرار الذي زرعته موسكو في الغرب عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والتلفاز، والمال. إذاً، ما الذي يعنيه كل ذلك في الشرق الأوسط؟ لم يمر وقتٌ طويلٌ على الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة في المنطقة. وفي مجالاتٍ عدة، لا تزال الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة، وذلك بالنظر إلى استمرار النفوذ الدبلوماسي، والعسكري، والتجاري لواشنطن، خصوصاً فيما يتعلَّق بمبيعات الأسلحة. ومع ذلك، أعادت روسيا بناء نفسها كقوةٍ في المنطقة. فعلى أقل تقدير، تُدرِك دول الخليج الموالية للولايات المتحدة بصورةٍ واضحة أن عليها الآن أن تضع المصالح والأهداف الروسية في حسبانها. وهذا أمرٌ لم يتوجَّب عليها فعله على مدار الاعوام الـ25 الماضية.

ويرجع جزءٌ كبيرٌ من هذا التحوُّل في ديناميات القوة في المنطقة إلى التدخُّل الروسي في سوريا، الذي بدأ أواخر سبتمبر 2015، وهي العملية التي اعتقد عددٌ لا بأس به من المُحلِّلين الغربيين (بمن فيهم كاتب هذا التقرير) أنها ستكون قصيرة الأمد، وغير فعَّالة، وذات آثار سلبية على الجيش الروسي. وبقدر ما برهنت موسكو على مكرها، فقد حقَّقت أيضاً عدداً من الأهداف المهمة. إذ بعث الروس بإشارةٍ مفادها أنها ستقف إلى جانب حلفائها، الأمر الذي أبرز التمايز بين موسكو وواشنطن، التي يعتقد الكثيرون في المنطقة أنها عاجزة. وأرغم الروس أيضاً حلفاء مهمين للولايات المتحدة، مثل تركيا وإسرائيل، على اللجوء لروسيا نتيجة رغبة أولئك الحلفاء في تحقيق أهدافهم في سوريا. وتعاون بوتين كذلك مع الإيرانيين الذين يشعرون بالانزعاج، مثل في ذلك مثل الروس، من النظام السياسي الإقليمي الذي أسَّسته الولايات المتحدة. وينظر المصريون، الذين استفادوا من المساعدات الاقتصادية والعسكرية السخيَّة للولايات المتحدة على مدى سنواتٍ طوال، بوضوحٍ إلى روسيا باعتبارها بديلاً للولايات المتحدة. لدرجة أن الحكومة المصرية عارضت التدخُّل الأميركي المُحتَمل في سوريا أواخر صيف 2013، لكنَّها أيَّدت العمليات العسكرية الروسية هناك. ولكي نكون منصفين، مَنحَت الولايات المتحدة المصريين دافعاً كي يسعوا وراء الحصول على دعمٍ من طرفٍ آخر. ويُعَد الدبلوماسيون والمُلحقون العسكريون المصريون في واشنطن متابعين دؤوبين للسياسة الأميركية. وخلال السنوات الأخيرة، بدأوا في الشعور بالقلق حيال الخلل في عمل الكونغرس والتوجُّهات الانعزالية المتنامية تدريجياً داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وأدرك المصريون أن تلك التطوُّرات قد تؤثر سلباً على الـ1.3 مليار دولار المُخصَّصة للمساعدات الأميركية التي تُقدَّم لهم. وهناك أيضاً الاتِّهام المصري الخاطئ بأن الولايات المتحدة دعمت الإخوان المسلمين. وبقدر ما قد تكون اتِّهاماتهم بلا أساس واقعي، إلّا أنها تُقدِّم فرصةً للقيادة الروسية، التي تخلو رؤاها إزاء الإسلام السياسي من التمييز (بين الجماعات والتنظيمات المختلفة المُتبنية لهذا النهج) على نحوٍ لافت، للموائمة بالتالي مع وجهات نظر القادة المصريين.

من ثُمَّ هناك بعد ذلك ليبيا، حيث التقى الروس بالجنرال خليفة حفتر، القائد الذي نصَّب نفسه قائداً للجيش الذي بدوره أعلن نفسه جيشاً وطنياً لليبيا.  ويُعَد حفتر مُتشدِّداً تجاه الإسلاميين بنفس قدر رعاته الإقليميين: الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد. لكنَّ ما يجري في ليبيا أكبر من مجرد معركةٍ ضد التطرُّف. إذ تمتلك البلاد أكبر احتياطياتٍ مُثبَتَة للنفط الخام الحلو الخفيف عالي الجودة في العالم. وتمتلك كذلك الكثير من حقول الغاز الطبيعي. وكلا الأمرين يجعلان ليبيا بلداً مهماً لأوروبا. ويُفكِّر الروس على نحوٍ واضح في المستقبل، فربما ينتهي الحال بحفتر ليصبح هو رجل ليبيا القوي الجديد، لكن حتى إذا لم يصبح كذلك، فإنَّه يُمثِّل السلطة في شرقي البلاد، حيث يوجد الكثير من النفط. وبينما يبحث الأوروبيون عن سُبُلٍ لتقليص اعتمادهم على مصادر الطاقة الروسية، فإنَّ موسكو تبحث عن سُبُلٍ للإبقاء عليهم مُحاصرين وبالتالي ضعفاء. والآن فقط تدرك الولايات المتحدة والغرب بصورةٍ عامة أن الروس لا يدعمون أهدافاً فحسب، بل لديهم أيضاً أهدافاً واضحةً، وفهماً لكيفية تحقيقها، وموارد قومية مُكرَّسةً لتلك العملية. وبعبارةٍ أخرى، كان الروس يُفكِّرون بطريقةٍ استراتيجية. والسؤال هو: ماذا ينبغي أن تفعله واشنطن وحلفاؤها حيال ذلك؟ في السابق، كان هذا التحدي الروسي ليُمثِّل دعوةً واضحة للتحالف الغربي من أجل القيام بالرد، لكنَّ رئاسة ترامب جعلت فكرة وجود تهديد روسي من الأساس موضع شك.  ويبدو ترامب ومستشاروه أكثر اهتماماً في فكرة تدمير “الإرهاب الإسلامي المُتطرِّف” لدرجة أن لديهم رغبةً جامحة للدخول في شراكةٍ مع الكرملين. لكن ما يغفلون عن رؤيته هو أنه في حين قد يكون هناك التقاء للمصالح في مسألة محاربة المتطرفين، إلّا أن استراتيجية روسيا تذهب أبعد كثيراً من هذا الهدف المرحلي. فبدلاً من ذلك، يرغب بوتين في إعادة صياغة قواعد الشرق الأوسط وقَلْبِ النظام السياسي الإقليمي الذي جعل من ضمان التدفُّق الحر لمصادر الطاقة من المنطقة، وضمان أمن إسرائيل، ومحاربة الإرهاب، ومنع انتشار الأسلحة النووية بالنسبة لواشنطن أمراً أكثر سهولةً وأقل كلفةً نسبياً. هذه هي الخطة الروسية – سهلةً وبسيطةً.

“القوة تضمن الأمان، والقوة الأعظم تمثل الضمان الأعظم للأمان، ومن المحتم أن تصطدم الدول التي يحركها هذا الدافع، لأنها تتنافس جميعًا على تحقيق إحداها ميزة على الأخرى، وهذا الموقف المأساوي لا مناص منه، إلا إذا اتفقت الدول التي تؤلف النظام على تشكيل حكومة عالمية، لكن هذا التحول الضخم لا يزال بعيد المنال، ولذلك ستظل النزاعات والحروب حتمًا السمات الكبرى والباقية للسياسة العالمية”.. كتب جون ميرشايمر في كتابه “مأساة سياسة القوى العظمى”. عكس آخرين ممن يعدون من بين صفوة المنظرين للفكر الاستراتيجي الأمريكي من قبيل صامؤيل هنتنغتون فيما عرف بنظرية “صدام الحضارات” أو فرانسيس فوكوياما في نظريته “نهاية التاريخ”، فإن جون ميرشايمر قد حاجج بأن التنافس بين القوى العظمى لا مناص منه، حتى وإن كان هنالك فارقًا زمنيًا في الفترة التنظيرية. إن ما أعلنه قبل أيام نيكولاي بانكوف نائب وزير الدفاع الروسي عن دراسة احتمالية العودة  إلى القواعد العسكرية السابقة في كل من كوبا وفيتنام، يعدّ كتعزيز لكلام ميرشايمر، فالمتتبع للأحداث قد يرى بوضوح إرهاصات الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والولايات المتحدة، وكذلك خروج روسيا من المعاهدة الدولية بشأن القوات المسلحة التقليدية في أوروبا سنة 2015، وبداية أكتوبر الحالي تمّ إلغاؤها أيضًا لاتفاقية أخرى متعلقة بالبلوتونيوم مع الولايات المتحدة. فروسيا الاتحادية قد عززت قوتها بعد الاستراحة الاستراتيجية التي أخذتها طيلة عقدين من انتهاء الحرب الباردة وأصبح بإمكانها قول “لا” في وجه أعدائها ومنافسيها، في حين أن الولايات المتحدة زرعت عوامل مآلها إلى الأفول ومشاطرة القيادة العالمية مع الخصوم الاستراتيجيين بنفسها.   روسيا لا يمكنها منافسة الآلة الصناعية الأمريكية ولا القفز على ترتيبها العسكري ولا التقنية الحديثة ولا الاقتصاد، فستبقى الأخيرة لعقدين أو أكثر كأكبر اقتصاد عالمي وكأعتى قوة عسكرية على وجه البسيطة. إن العودة القوية لروسيا البوتينية ليست بالضرورة غياب التأثير التام للولايات المتحدة، فروسيا لا يمكنها منافسة الآلة الصناعية الأمريكية ولا القفز على ترتيبها العسكري ولا التقنية الحديثة ولا الاقتصاد، فستبقى الأخيرة لعقدين أو أكثر كأكبر اقتصاد عالمي وكأعتى قوة عسكرية على وجه البسيطة، والصين كقوة اقتصادية واعدة وكقطب صاعد جديد قد أثر فيها وفي اقتصادها أزمة النفط الأخيرة، نفس الأمر مع روسيا الاتحادية، فصعود الأخيرة وتبيان دورها على الساحات الجيوسياسية أمر يعتمد بكثير على الأفول التدريجي للولايات المتحدة بدرجة أكبر. من بين آخر ما كتبه مرشد الإمبريالية الروسية ألكسندر دوغين رائد الفكر الأوراسي الجديد أو ما سنطلق عليه “ثعلب بوتين” هو مقال بعنوان “العالم أقرب إلى الحرب العالمية الثالثة من أي وقت مضى”، ربط دوغين بين قصف مواقع الجيش السوري في دير الزور من طرف الولايات المتحدة والذي مات على إثره 60 جنديًا سوريًا، وبين تحرشات أمريكية سابقة بروسيا في جورجيا تسخينفالي بالضبط في أغسطس 2008، وبين دنوّ حرب عالمية ثالثة، بسبب المحافظين الجدد الذين هم في حاجة ماسة إلى حرب جديدة . إن ما يعلمه دوغين قطعًا أن الولايات المتحدة ليست بتلك الدرجة من الغباء الاستراتيجي الذي يجعلها تدخل في مبارزة نووية أو حرب محدودة مع روسيا وحلفائها في هذا الوقت بالذات، فحرب العراق كلفتها أكثر من ثلاثة ترليونات من الدولارات، وحرب أفغانستان أيضًا هي الأخرى، والإنفاق على أكثر من 1000 قاعدة عسكرية منتشرة في أنحاء العالم وأعبائها، والأزمة الاقتصادية العنيفة التي خلفتها الرهونات العقارية سنة 2008، وأعباء حربها الكونية الدائرة لحد الساعة على ما تسميه الإرهاب مكلفة أيضًا، في نفس الوقت الذي ترزخ فيه خزينتها تحت أعباء مديونية تفوق 19 ترليونًا من الدولارات.

إن ما يجب أن يعرفه متتبعو الشأن السوري والثورات العربية قاطبة بأنه لا الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الدول الأوروبية مجتمعة أو النادي المسيحي ككل على استعداد تام لقبول بداية حرب عالمية أخرى وتقبل ويلاتها بسبب بلد مسلم واحد من ميندناو إلى طنجة، وحتى تركيا الحليف الأوثق في الناتو ليسوا على استعداد لتطبيق معاهدة الدفاع المشترك في حقها، فحتى صربيا “الدولة المقلقة” كما اصطلح على تسميتها بعض الكتاب في العلاقات الدولية والتي أحرجت الناتو وتعرضت بعض وحداتها العسكرية للقصف المركّز والمحدود والذي كان له أغراض أكبر من إنهاء التعرّض للمسلمين البوشناق الذين سبق فيهم القتل في سربرينيتشا وغيرها، وآخرها كان أزمة إسقاط مقاتلة السوخوي الروسية على التخوم التركية السورية خير دليل، والتاريخ المعاصر والتقليدي لم يثبت ذلك أيضًا، بصيغة أخرى لا التيلوروكراتيا ولا التالاسوكراتيا ستتحاربان من أجل شعوب التخوم كما يسميها سمير أمين الجنوبية المقهورة.  الانحرافات التكتيكية أو الاستراتيجية لا تخلو أبدًا في معادلات صراعات السيطرة على الآماد القريبة والبعيدة في فكر واضعي استراتيجيات الهيمنة، وما أنتجه التدخل العسكري الروسي والأمريكي في سورية يعد وضع عصي في دواليب المعارضة السورية بجميع أطيافها، إذا استثنينا طبعًا تنظيم الدولة الإسلامية من المعادلة، فإن توسيع دوائر النفوذ الروسية في المشرق العربي وما حوله في تزايد على حساب المهيمن التقليدي، ولم تستطع الولايات المتحدة كبح الشهوات التوسعية لروسيا لعدم قدرتها على ذلك وليس لسبب آخر. الحزام الجيواستراتيجي المأزوم في المشرق العربي وما حوله والذي جاء نتيجة مخاض التدخل الأمريكي عسكريًا في العراق سنة 2003 وما تلاه من تقويض للديمقراطية التي لم تولد أصلاً في هذا البلد.الحزام الجيواستراتيجي المأزوم في المشرق العربي وما حوله والذي جاء نتيجة مخاض التدخل الأمريكي عسكريًا في العراق سنة 2003 وما تلاه من تقويض للديمقراطية التي لم تولد أصلاً في هذا البلد من طرف طائفة على حساب أخرى، وهي نفسها الأسباب التي زادت من تعفن الوضع في المحافظات السنية التي خرجت من رحمها الجماعات الدينية المتطرفة، كل هذا كان صفعة للفكر المحافظي الجديد الذي قال أحد جهابذة تنظيره بول وولفييتز بأن “طريق السلام في الشرق الأوسط يمرّ ببغداد”.  الحرب على أفغانستان بدعوى القضاء على الإرهاب والتدخل العسكري الأمريكي غير المدروس للعواقب الاستراتيجية في العراق سنة 2003، والذي جاء كإجراء احترازي لليمين المتصهين في الإدارة الأمريكية من الخوف على إعادة بناء الأمجاد العراقية التي دكت تل الربيع بـ 39 صاروخًا قبل 12 سنة، هذه الأحداث التي دفعت بالأفول التدريجي الأمريكي للأمام والبروز الصيني والروسي.

لقد كتب روبرت كيوهان مؤسس الاتجاه الليبرالي الجديد بمجلة شؤون خارجية Foreign Affairs في أغسطس 2012، مقالاً تحت عنوان “مبني للمجهول: مآلات القيادة الأمريكية للنظام الدولي”، قائلاً: “إذا نجحت الولايات المتحدة في احتواء الصين، وتقييد حرية حركتها وانغماسها في الشؤون الدولية، فإنها ستنجح في إدامة عمر قيادتها للعالم، والعكس صحيح أيضًا، فإذا توسعت الصين، وتعمّق حجم انغماسها وتدخلها في الصراعات الدولية، فإن التاريخ يعلمنا أن القوى الشابة/ الصاعدة تطرد القوى القديمة/ العاجزة من القمة، وتتولى هي القيادة، ومثلما فعلت واشنطن ستفعل بكين في المستقبل” إلى هنا ينتهي قول كيوهان. يمكن لروبرت كيوهان أن يستدرك اليوم مقاله السابق والتركيز على روسيا العائدة إلى المقارعة في ساحات التواجد التلاسوكراتي والذي هدّ أساس التوازن الجيبوليتيكي في المشرق العربي وما حوله وشرق آسيا وآسيا الوسطى وبحر قزوين، والدعم المكثّف لانفصاليي أوكرانيا والانتصار الساحق سياسيًا واستراتيجيًا نتيجة ضمّ شبه جزيرة القرم والذي يعّد كانفلات استراتيجي من طوق أناكوندا التلاسوكراتيا (القوى البحرية)، والنقل الكثيف للقوة الروسية المدمّرة في المشرق العربي وما حوله، والذي خلق حالة من الفوضى والتخبّط الأمريكي في ملفات عديدة خصوصًا القضية السورية والأوكرانية. سورية أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية بوضوح تام، فالهجمة العنيفة التي تتعرض لها حلب هذه الأيام أساسها ليس الجماعات الإرهابية أو محاولة القضاء عليهم أو غيرها من المبررات التقليدية لشن الهجمات سواء كان الادعاء من طرف الروس أو نظرائهم الأمريكان، بل هو الخلاف الأمريكي الروسي بالأساس والذي يمكن عزوّه إلى عدم الاتفاق على نقاط هامة أيا كانت كالتواجد العسكري الروسي في طرطوس واللاذقية أو فترة انتقالية بدون الأسد مثلاً، ولن يكون بطبيعة الحال ضمان أمن القلعة الجهوية للأطلسية – كما يطلق عليها دوغين – في المشرق العربي وما حوله “الكيان الصهيوني” لأن كل القوى الدولية أو الإقليمية المتدخلة تضمن ذلك الأمان.

إيران التي تحاول جاهدة تثبيت النظام السوري الذي يتداعى إلى السقوط من خلال مشاركته في الجرائم ودعمه لوجستيًا وعسكريًا وماديًا وإعلاميًا، الولايات المتحدة لم تكن لتسمح بدور ونفوذ أكبر في سورية لو لم تكن تعاني من الانحسار في القوة، فهناك الشراكات الأمريكية الإيرانية الظرفية أو طويلة المدى التي لم تعكر صفوها إلا 444 يومًا من أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، في بداية الثورة الإيرانية أو بعض الحزازات في الحرب الأهلية في لبنان أو الملف النووي فيما بعد. ما قاله محمد علي أبطحي وأكبر هاشمي رفسنجاني كمسؤولين إيرانيين كبار عن التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام طالبان وصدام حسين في أفغانستان والعراق على التوالي، عززه ما ورد في كتاب الصقر المحافظي الجديد السفير الأمريكي الأسبق في العراق زلماي خليل زادة  في كتابه “المبعوث من كابل إلى البيت الأبيض رحلتي في عالم مضطرب” وكل ما ورد في كتاب زعيم اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة تريتا بارسي مؤسس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC) في كتابه “التحالف الغادر” يعني تحالف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإيران، كل هذه التصريحات تمثل قمة جبل الثلج العائم، فالصخرة الكبيرة تبرزها إيران جايت 1985 وما بعدها. يمكن تفسير الحاجة الأمريكية لإيران على المدى المتوسط بأنها قضية استراتيجية، ولا يمكن تفسيرها بشكل مشروط بأنها أمور مكتوبة أو متفق عليها في أقبية المخابرات أو طاولات التفاوض أو إملاءات للوبي الإيراني في الولايات المتحدة، ولا يمكن أبدًا ربط العلاقة الأمريكية الإيرانية بأنها علاقة المركز والأطراف كما كانت المملكة العربية السعودية، بل يمكن اعتبارها علاقة الوكيل الثالث في المنطقة بعد إسرائيل وتركيا في المنطقة، فالوكيل الإيراني له دور يتمثل في كبح جماح أي قوة إقليمية عربية ناشئة، والسعي الدائم إلى التحرش بدول الخليج العربي للإبقاء على مظلة الحماية الأمريكية وقواعدها ومزيد من عقود التسليح المشروطة للمنطقة.

فالإيرانيون الذين أطلق لهم العنان في العراق المأزوم وسورية واليمن يمكنهم فعل أكثر من ذلك، ولقد أثبتوا أنهم أهل للثقة منذ عقود طويلة بالرغم من وجود بعض حقب التوتر والتراشقات الإعلامية اللامسؤولة، فالحاجة الملحة لكليهما هي في ذروتها أكبر من أي وقت مضى، فإيران تحتاج لمزيد من إطلاق اليد وأمريكا تحتاج لوكيل إمبريالي فاعل وموثوق في المشرق العربي تلعب فيه دولة الملالي الدور التقليدي الذي لعبه الشاه محمد رضا بهلوي. وفي المقابل فإن العلاقة الإيرانية الروسية منذ نهاية الحرب الباردة وثيقة الصلة، والتي تمثلت في المساهمة في إعادة إحياء المشروع النووي الإيراني والعقود التجارية المدنية والعسكرية بين البلدين بالإضافة إلى الاستثمارات الثنائية، لكن بحكم الحدود الجغرافية المتبادلة بين روسيا وإيران وماضي روسيا التدخلي في إيران ووجود العنصر الإسلامي في جمهوريات روسيا الاتحادية والمحاولات الجادة للتبشير بالدين الولاياتي الجعفري بين أوساط المسلمين الروس ومن حولهم من قبل ملالي طهران، وكذا الإطلالة المتبادلة على بحر قزوين، والتنافس في آسيا الوسطى والقوقاز، أو حتى التأثير على التواجد الإيراني في سورية، وعلى هذا الأساس فإن قوة إيرانية أكبر تعني نفوذًا متعاظمًا وتمدّدًا أكبر على حساب الحليف الروسي التقليدي، لذا فإن إيران تعدّ حليفا غير موثوق فيه أبدًا بالنسبة لموسكو والرؤية متبادلة من طرف طهران. ان هناك ميولات إمبريالية لروسيا من وجهة نظر هنتغتونية منذ عهد القياصرة حتى بوتين، كانت القيصر الحديدية كاترينا الثانية التي دخلت في لعبة الشدّ والجذب مع العثمانيين في المشرق العربي وما حوله في القرن الثامن عشر، والتي أقل ما يقال إنها أذلّتهم بمعاهدة كانجاري سنة 1774 وحرب القرم الكبيرة في القرن الموالي مع العثمانيين أيضًا، ومناصرة انفلات البلقان والقوقاز من سيطرة العثمانيين كذلك، ودعم حركات التمرّد الكردية والأرمنية ضدّ العثمانيين وفيما بعد الإغارة على أفغانستان وهي الفترة التي كانت كافية لإنهاكها وتقهقرها ولتستمر الحملة الإمبريالية في الشيشان ودعم الصرب الأرثودوكس ضدّ البوشناق المسلمين، وحربين مدمرتين ضدّ الشيشان في 1994 إلى 1996 و1999إلى 2000 على التوالي، ثم الحرب الأخيرة على سورية والتي تبدو وكأنها جاءت ردًا على المسلمين الذين أذلّوها في أفغانستان، والتي تعدّ مجازر رهيبة وحرب إبادة للسوريين المحاصرين في ظل العجز العربي المتمثل في جامعة الدول العربية أو الأممي المتمثل في هيئة الأمم المتحدة في حماية السوريين، أو حتى التحالف الإسلامي المشكّل أخيرًا من 34 دولة. متطلّبات الأمن المتبادلة من قبل روسيا والولايات المتحدة في المشرق العربي وما حوله يمكن التعبير عنها بمجموعة من المقدّسات وهي: ضمان أمن الكيان الصهيوني، والإبقاء على الستاتيكو القائم في الأراضي الفلسطينية، والقضاء على الجماعات الدينية المتطرفة، وضمان الإمدادات النفطية الرخيصة، والحرص على عدم بروز الأنظمة الوطنية أو الإسلامية المعادية، والإبقاء على الفوضى المتفاقمة لمزيد من الخراب في البيت العربي خصوصًا دول الطوق لمزيد من عقود التسليح وعقود إعادة الإعمار وعقود الحماية للشركات الأمنية الخاصة، وإذكاء النزاعات العرقية والطائفية، ووأد أي محاولة توافق عربي عربي، والإبقاء على عنصر الاتصال لمنع نشوب أي أزمة بين القوتين، كل هذه الأمور وغيرها هي تمظهر بالغ بسبب قصور الرؤية العربية وصعود وأفول القوى العظمى الغربية بالأساس.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع