الأقباط متحدون - لماذا يساند الإعلام الأمريكى «الإخوان»؟
  • ٠٨:٤٣
  • الاثنين , ١٣ مارس ٢٠١٧
English version

لماذا يساند الإعلام الأمريكى «الإخوان»؟

مقالات مختارة | ياسر عبدالعزيز

٠٤: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ١٣ مارس ٢٠١٧

ياسر عبدالعزيز
ياسر عبدالعزيز

فى الوقت الذى تواصل فيه إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جهودها لكى تُصنف تنظيم «الإخوان» كجماعة إرهابية، تجتهد وسائل إعلام أمريكية كبرى ومراكز بحوث مؤثرة ومنظمات حقوقية شهيرة فى الدفاع عن هذا التنظيم ومناوءة سياسات الإدارة فى هذا الصدد.

إن العوامل التى تدفع بعض عناصر الجسم الإعلامى والحقوقى والبحثى الليبرالى الأمريكى إلى مساندة تنظيم «الإخوان» والدفاع عنه متعددة، ولن يكون بمقدورنا مواجهتها والحد من أثرها من دون إدراكها وتحليلها على نحو سليم.

من بين المنابر الصحفية الأمريكية التى تنشر موضوعات ومقالات تدافع عن تنظيم «الإخوان» تبرز صحيفة «نيويورك تايمز»، التى نشرت فى 23 فبراير الماضى، مقالاً للمتحدث الرسمى السابق باسم التنظيم جهاد الحداد، تحت عنوان «أنا عضو فى (جماعة الإخوان المسلمين) ولست إرهابياً»، بينما تمت الإشارة إلى أن مصدر المقال (أى المكان الذى كُتب فيه) «طرة».

و«طرة» بالطبع هو اسم أحد السجون المصرية الشهيرة شديدة الحراسة، والذى يُشاع بين منظمات ووسائل إعلام أمريكية أنه السجن الذى يتم فيه انتهاك حقوق المعتقلين من «الإخوان» واستخدام الأساليب القمعية والتعذيب ضدهم.

يقضى جهاد الحداد عقوبة فى سجن «طرة» بالفعل، بعدما تمت إدانته فى محاكمتين شهيرتين، وحُكم عليه بالسجن المؤبد فى كل منهما، ورغم ذلك، فإن مسار المحاكمة ما زال ممتداً، وثمة مراحل تقاض أخرى تنتظره، وهى يمكن أن تُثبّت هذين الحكمين أو تنقضهما.

ومما نُشر منسوباً إلى الحداد فى هذا المقال قوله: «أكتبُ هذه الكلمات من داخل ظلام الحبس الانفرادى بأشهر سجون مصر، حيث يتم احتجازى منذ أكثر من ثلاثة أعوام. اضطررتُ لكتابة هذه الكلمات بسبب المناقشات الجارية فى الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص اعتبار (الإخوان المسلمين) جماعةً إرهابية».

ويضيف المقال على لسان الحداد: «نحن لسنا إرهابيين، ففلسفة (الإخوان)، من خلال فهم الإسلام، تؤكد على قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وسيادة القانون.. ومنذ تأسيس الجماعة ونحن منشغلون سياسياً فى مؤسسات بلادنا وكذلك اجتماعياً لتلبية الاحتياجات المباشرة للشعب».

إذا قمنا بتحليل موضوعى لهذه الرسالة؛ فسيمكننا أن نستخلص مجموعة من الإشارات والرسائل المهمة على النحو التالى:

أولاً: إن جهاد الحداد «محتجز»، فى حبس انفرادى، فى أشهر سجون مصر.

ثانياً: إن الحداد يكتب هذه الرسالة رداً على المناقشات الجارية فى الولايات المتحدة بخصوص اعتبار تنظيم «الإخوان» جماعة إرهابية.

ثالثاً: إن تنظيم «الإخوان» ليس إرهابياً، ويحترم قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون، وينشغل سياسياً بتلبية احتياجات الشعب المصرى.

ثمة الكثير من الإشارات الأخرى التى ينطوى عليها المقال، لكنها أقل أهمية وقدرة على التفسير والإيحاء من تلك الإشارات، والتى يثبت بتحليلها أنها متناقضة ومتهافتة فى آن واحد.

لا يمكن أن يستقيم كون جهاد الحداد «محتجزاً» فى حبس انفرادى، فى أشهر سجون مصر، وأن يستطيع أن يكتب مقالاً ويسربه، ليجده منشوراً فى إحدى كبريات صحف العالم التى يعجز كثيرون من رموز العالم وقادته عن نشر مقالات فيها أحياناً.

وإذا تم التسليم بأن الحداد استطاع أن يكتب هذا المقال خلسة، وأن يسلمه إلى أحد المحامين أثناء حضور إحدى جلسات محاكمته، فكيف يمكن أن نصدق أنه استطاع أن يتابع النقاشات الجارية فى المجتمع الأمريكى بشأن تصنيف «الإخوان» كجماعة إرهابية، فى ظل الأجواء التى تُشاع عن بشاعة «الحبس الانفرادى» فى ظلمة أحد أشهر قلاع القمع المفترضة فى مصر.

إن كتابة المقال، وتسريبه، ومتابعة الحداد المفترضة للنقاش الدائر فى الولايات المتحدة كلها براهين على أن أوضاع السجن ليست بالبشاعة التى تروج لها المنابر «الإخوانية» وبعض وسائل الإعلام الأمريكية.

وبعيداً عن عدم وجود تفسير مقنع لخروج مثل هذا المقال فى ظل تلك الظروف المفترضة، يثور السؤال عن الدوافع التى وجدت «نيويورك تايمز» أنها قوية بما يكفى لكى تنشر مثل هذا المقال، وأن تبدأه بالإشارة إلى أنه كُتب فى «طرة»، مع العلم أنه يطرح افتراضاً نظرياً أيضاً عن «جماعة تحترم قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون يتم اضطهادها وسجن أعضائها»، فى وقت تتوافر فيه ذرائع منطقية عديدة أخرى عن «جماعة سرية فاشية دينية، مارست الحكم، واستخدمت أساليب القمع وأدوات الاستبداد، قبل أن تُطاح عبر هبّة شعبية، ساندتها مؤسسات الدولة الرسمية».

فهل نشرت «نيويورك تايمز» هذا المقال، ضمن سلسلة من الممارسات الأخرى التى تقوم بها، مع عدد كبير من وسائل الإعلام الليبرالية الأمريكية، لأنها تؤيد «الإخوان»، أو تصدق أنه «تنظيم ديمقراطى يحترم القيم الغربية، لكن العسكر انقلبوا عليه»، أم لأنها باتت عرضة لأنشطة شركات العلاقات العامة التى تتقاضى ملايين الدولارات من الجماعة وتستخدمها لإيجاد مساحات لها فى الوسائط الأمريكية النافذة؟

هناك من المحللين والسياسيين من يعتقد أن إدارة أوباما كانت تدعم «الإخوان» لأنها تميل لهم سياسياً، أو تريد «استخدامهم فى خطة تدمير العالم العربى»، أو أن الجماعة استطاعت أن تخترق تلك الإدارة عبر تجنيد أو زرع أعضاء فيها، وهناك أيضاً من يتصور أن المجتمع السياسى الليبرالى الأمريكى «مثالى ومستقيم» إلى درجة أنه يتعاطف مع «الإخوان» لأنهم «ديمقراطيون منتخبون تمت إطاحتهم بواسطة سلطة عسكرية».

توجد أيضاً وثائق وأدلة وجيهة تشير إلى عقود وقعتها الجماعة مع شركات علاقات عامة أمريكية معروفة، وإلى جهود منسقة بُذلت على مدى عقود لبناء نقاط ارتكاز «إخوانى» فى الحياة الإعلامية الأمريكية.

سيمكن أن توفر تلك التفسيرات ذرائع وجيهة لفهم بعض الممارسات الإعلامية الأمريكية التى تجتهد فى مناصرة تنظيم «الإخوان» والدفاع عنه، إلى درجة يتم فيها الاعتداء على المنطق، والتنكر للقيم الغربية المعُلنة، خصوصاً فى ما يخص احترام التعدد، والتنوع، وفصل الدين عن السياسة، ومكانة المرأة، وإثارة الكراهية، والطعن فى أتباع الأديان، وتجريح المعتقدات.

لكنها مع ذلك لن تكون قادرة على تقديم التفسير الكامل والمقنع لهذا الاختراق الواضح الذى تحققه الجماعة فى المجتمع الإعلامى الليبرالى الأمريكى.

إن شركات العلاقات العامة، والفهم السطحى غير المدروس للواقع العربى عموماً، وانحياز النزاهة (مناصرة الأضعف)، وبعض الأخطاء والقصور فى أداء النظام المصرى، وأنظمة عربية أخرى، كلها عوامل تلعب دوراً فى تعزيز نقاط الارتكاز التى يتمتع بها تنظيم «الإخوان» فى الإعلام الأمريكى.

لكن الدور الأكبر الذى يرجح كفة «الإخوان» فى هذا الوسط الإعلامى يعود إلى «زواج المتعة» الذى يتفاعل الآن بين المنصات الإعلامية الليبرالية المعادية للرئيس ترامب من جانب، وبين تنظيم «الإخوان» من جانب آخر.

وفى هذا النوع من الزواج يقرر الطرفان تحقيق الاستفادة لوقت محدد سلفاً، وبعد إدراك غايتهما يمكن أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً؛ حيث يستخدم الليبراليون ملف «الإخوان» فى الضغط على ترامب، ويستخدم «الإخوان» الإعلام الأمريكى فى تبييض صورتهم، وتلطيخ سمعة أعدائهم.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع