الأقباط متحدون - «ترامب» يدمن الاعتداء على الدستور!
  • ١٣:٢٠
  • الاربعاء , ٨ مارس ٢٠١٧
English version

«ترامب» يدمن الاعتداء على الدستور!

مقالات مختارة | بقلم : مكرم محمد أحمد

٣٨: ٠٩ م +02:00 EET

الاربعاء ٨ مارس ٢٠١٧

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد

 لا يبدو أن الصيغة الجديدة من الأمر التنفيذى المتعلق بقضية الهجرة التى أصدرها الرئيس الأمريكى «ترامب» قبل عدة أيام سوف تنجح فى إقناع القضاء الأمريكى بأن الأمر التنفيذى الجديد المتعلق بمنع دخول مواطنى ست دول إسلامية لا يتصادم مع الدستور الأمريكى الذى يعتبر منع دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة على أسس دينية نوعاً من التمييز يرفضه الدستور.

 
صحيح أن الأمر التنفيذى الجديد حذف العراقيين من قائمة الحظر التى كانت تضم إلى جوار العراق، إيران وسوريا والصومال واليمن وليبيا والسودان، لأسباب عديدة، أولها أن الأمريكيين يحاربون إلى جوار العراق فى معارك الموصل لإنهاء سيطرة داعش على أى من أجزاء العراق، فضلاً عن وجود أكثر من خمسة آلاف عسكرى أمريكى فى العراق يعملون كمستشارين عسكريين ويشاركون عن قرب فى الحرب على داعش، كما أن رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى هدد بإصدار قرارات مماثلة تمنع دخول الأمريكيين إلى العراق فى إطار المعاملة بالمثل.
 
وباستثناء هذا التغيير إضافة إلى السماح بدخول كل من يحمل تأشيرة دخول أمريكية مسبقة أو بطاقة إقامة خضراء، يكاد يكون القرار التنفيذى الثانى الذى أصدره «ترامب» أخيراً هو نفس القرار الأول، يمنع مواطنى ست دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة على أسس دينية، وبرغم تأكيدات الإدارة الأمريكية بأن الأمر التنفيذى الجديد يسرى فقط على مواطنين خارج الولايات المتحدة لم يحصلوا على تأشيرة دخول إلى أمريكا، يظل منطوق القرار مخالفاً لأحكام الدستور الأمريكى الذى يرفض منع دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة على أسس دينية؛ لأنه ينطوى على نوع من التمييز السلبى ضد المسلمين، ويكاد القرار الجديد يكون فى جوهره مطابقاً لبنود الأمر التنفيذى الأول الذى أصدره «ترامب» فى يناير الماضى ورفضت المحاكم الأمريكية تنفيذه، واعتبرته محكمة الاستئناف قراراً غير دستورى يضر بسمعة الولايات المتحدة ويسىء إلى موقف أمريكى واضح يلتزم احترام حق الهجرة، فضلاً عن أن القرار ينطوى على إقرار خطير بأن كافة المسلمين يمثلون خطراً على أمن الولايات المتحدة وهو أمر تنقصه الشواهد والأدلة.
 
وبينما يعتبر وزير الخارجية الأمريكى ركس تليرسون أن صدور الأمر التنفيذى الثانى هو حق يخوله الدستور للرئيس الأمريكى لتحقيق أمن المواطنين الأمريكيين، ويرى المدعى العام الأمريكى جيف سيشين أن ضرورات أمن الولايات المتحدة تلزم الرئيس الأمريكى إصدار هذا القرار حماية للأمريكيين بعد أن تأكد أن 300 شخص من المهاجرين الذين سمح بدخولهم من هذه البلاد تم استجوابهم فى قضايا تتعلق بالإرهاب، وعلى نفس المنوال يؤكد جون كيرى وزير الأمن الداخلى، أن الإرهابيين المقبلين من الخارج يستثمرون مناخ الحرية فى الولايات المتحدة للعمل ضد الشعب الأمريكى، وأن من صالح الأمن الأمريكى منع دخول المهاجرين من هذه الدول الست!.
 
وعلى الناحية الأخرى يعتقد الحزب الديمقراطى وجماعات عديدة من المجتمع المدنى الأمريكى أن الأمر الثانى الذى أصدره «ترامب» يسرى عليه ما سرى على الأمر الأول وسوف ترفض المحاكم الأمريكية تنفيذه لتناقضه مع أحكام الدستور، وتتنوع أسباب رفض الأمر التنفيذى الثانى لـ«ترامب» من اعتباره مناقضاً لأحكام الدستور الأمريكى الذى يرفض التمييز الدينى إلى اعتقاد نسبة غير قليلة من الأمريكيين بأن القرار يفتقد دقة ووضوح أسباب صدوره لأنه يعطى للمسيحيين من هذه الدول الأولوية والأفضلية فى الحصول على إذن بدخول الولايات المتحدة، ولأن المواطنة لا تصلح معياراً يستدل منه على الإرهاب وليس من المقبول أو المعقول منع شعوب بأكملها وإلصاق شبهة الإرهاب بمواطنيها لمجرد أنهم مسلمون، فضلاً عن أن الجاليات المسلمة فى الولايات المتحدة سوف تعانى الكثير من المتاعب من هذا التمييز السلبى ضد المسلمين، رغم أن كثيرين منهم يحاربون فى الجيش الأمريكى دفاعاً عن أمن الولايات المتحدة ومصالحها، واستشهد منهم أعداد كثيرة، كما يعملون بجد فى كافة مناحى الحياة الأمريكية وقدموا تضحيات كبيرة فى أنشطة عديدة.. ومثلما أكد الرئيس الأسبق جورج بوش فى أعقاب حوادث سبتمبر، فإن هناك الآلاف من الأمريكيين المسلمين الذين يشكلون فخراً للولايات المتحدة ويفخرون بأنهم أمريكيون ويلتزمون بأحكام دينهم التى تحض على المحبة والسلام وتبادل المنافع والمصالح بين الأمم والشعوب.
 
وكما أدانت صحيفة «نيويورك تايمز» قرار «ترامب» الأول والثانى أدانت «واشنطن بوست» القرار فى صيغته الأولى وصيغته المعدلة واعتبرته ليس فقط مناقضاً للدستور، ولكنه يناقض مصالح الولايات المتحدة التى يتمثل فخارها الدائم فى ترحيبها وحسن استقبالها للمهاجرين المقبلين من كل أنحاء العالم الذين أسهموا فى ثراء تنوعها.. ومع أن الأمر التنفيذى يمكن أن يسهم فى تقليل أعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة من 110 آلاف مهاجر سنوياً إلى حدود 50 ألفاً، إلا أن المظاهرات تجتاح كافة مدن الولايات المتحدة، أغلبها يعترض على سياسات «ترامب» فى الهجرة وبعضها يناصر الأمر التنفيذى الثانى الذى أصدره «ترامب»، ويتوقع معظم المراقبين أن يلقى الأمر التنفيذى الثانى المصير نفسه الذى لقيه الأمر التنفيذى الأول فى المحاكم الأمريكية التى ترفض تنفيذه، ويكاد ينقسم المجتمع الأمريكى حول سياسات «ترامب» فى الهجرة بصورة يتعذر إصلاحها رغم وجود جمهور غير قليل يتحمسون لسياسات ترامب، ينتمى معظمه إلى فئات العمال البيض وأبناء الطبقة المتوسطة الدنيا الذين لم يكملوا تعليمهم الجامعى، وأصحاب الحرف وموظفى البيروقراطية فى أدنى درجات السلم الوظيفى، لكن سياسات «ترامب» لا تلقى القبول من فئات أخرى واسعة فى المجتمع الأمريكى تمثل نخب الاقتصاد والسياسة ورجال الأحزاب وأصحاب المهن من أطباء ومحامين ومهندسين وعاملين فى المصارف والبنوك، بما يزيد من مصاعب إدارة «ترامب» نتيجة تنامى التيارات المعارضة لسياساته وتسرعه فى إصدار قرارات يتم تغييرها، وتورط اثنين من كبار إدارته فى التواصل مع السفير الروسى خلال الحملة الانتخابية، وإنكار أحدهما أنه قابل السفير الروسى مع ثبوت لقاءاته مع السفير.
 
ويأتى الخطر الأكبر على حكم «ترامب» من تسرعه فى اتخاذ القرار وتقلب سياساته وكثرة مشاكل أعضاء إدارته وغياب الرؤية الواضحة. فضلاً عن إصرار «ترامب» على الالتزام بتنفيذ وعوده الشعبوية خلال الحملة الانتخابية، ولو أن «ترامب» وضع ضوابط مهمة للهجرة تقوم على أسس اقتصادية ليست عنصرية أو دينية فربما لم يكن لقراريه الأول والثانى هذه الأصداء الواسعة التى تعزز مواقف المعارضة.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع