الأقباط متحدون - الجيش المصرى وحكم العسكر
  • ١٢:١٨
  • الاثنين , ٦ مارس ٢٠١٧
English version

الجيش المصرى وحكم العسكر

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٠٥: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٦ مارس ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

جيش مصر جزء من شعبها، فمصر تتبع نظام التجنيد الإجبارى ومن ثم يمر غالبية الشباب المصرى على الجيش خلال فترة التجنيد التى تتراوح ما بين عام وثلاثة أعوام. وهناك فئة جنود وضباط الصف والضباط الذين يقضون حياتهم العملية داخل صفوف القوات المسلحة، كما أن طلبة الكليات العسكرية هم شرائح ممثلة لغالبية فئات المجتمع المصرى إلى حد كبير. إذن القوات المسلحة المصرية جزء من شعب مصر بكل ألوان طيفه. أيضاً جيش مصر من الجيوش القليلة فى المنطقة الذى تنطبق عليه شروط ومواصفات الجيش الوطنى، فهو عكس حالات كثيرة فى المنطقة، يستند إلى أساس وطنى عام، لا يستند إلى أساس دينى، أو عرقى أو طائفى، هذا عكس حال غالبية جيوش المنطقة التى تستند إلى أسس عرقية، أو دينية أو طائفية (سوريا، العراق، لبنان).

تنطبق على جيش مصر شروط ومواصفات الجيش الوطنى، ومن ثم لا يبدو مصطلح «العسكر» ملائماً له، فهذا المصطلح جاء من الخبرة التاريخية الغربية، وفى العقود الماضية ترسخ المفهوم فى دول شرق ووسط أوروبا إبان فترة الحكم الشيوعى (١٩٤٥- ١٩٩٠)، وتشكل المفهوم أيضاً من تجارب دول أمريكا اللاتينية (تشيلى، المكسيك، البرازيل وغيرها)، وكان المفهوم يعنى فئة العسكريين التى انفصلت تماماً عن المجتمع وأصبحت فئة حاكمة، مارست كل أشكال القمع والقهر ضد شعبها للاستمرار فى السلطة ومقاومة دعوات التحول الديمقراطى. وقدم حكم «العسكر» فى دول أمريكا اللاتينية نماذج سلطوية فى الحكم قامت على أساس قمع المعارضة وقهرها، والتوسع فى استخدام القوة ضد المعارضين، والعمل فى خدمة السياسة الأمريكية، والاستعانة بالسلاح الأمريكى لقمع مطالب الحرية والديمقراطية. لم يتورع الجنرال بينوشيه عن التخابر مع الأجهزة الأمريكية للقيام بقتل الرئيس سيلفادور الليندى، المنتخب ديمقراطياً، وبناء نظام دكتاتورى استبدادى نكل بشعبه عقوداً طوالاً، وأقدم بينوشيه على وضع معارضيه فى «ستاد سنتياجو» وإطلاق النار عليهم جميعاً، كما قدم عسكر أمريكا اللاتينية تجارب بشعة فى قتل المعارضين، منها وضعهم فى «شباك» الصيد وإلقاؤهم من الطائرات فى قلب المحيط.

باختصار، هناك فارق جوهرى بين الجيش الوطنى الذى هو جزء من شعبه، ملتحم به ومتداخل معه، وبين «العسكر» فى التجارب الأوروبية واللاتينية وهم فئة انفصلت عن شعبها، مارست الحكم الدكتاتورى ونكلت بالشعب وقتلت المعارضين وأسرهم. الجيش الوطنى عادة ما يتبنى قضايا شعبه، يعبر عن ضمير الأمة باستمرار ولا يحفل سجله بجرائم ضد شعبه.

وتكشف تجربة مصر فى السنوات الأربع الماضية عن طبيعة الجيش المصرى باعتباره جيشاً وطنياً مندمجاً مع شعبه غير منفصل عن مشروعه الوطنى ولا تطلعات شعبه، خرج فى الثامن والعشرين من يناير ٢٠١١ ليؤمّن الشعب ويسد الفراغ الذى خلفه تحلل جهاز الشرطة، تسلم السلطة من الرئيس وتبنى خطة لمرحلة انتقالية كانت حافلة بالأخطاء الناجمة عن هرم وشيخوخة القيادة وترهلها، سلمت السلطة لمندوب الجماعة وعندما انحرف صدر من القيادة العسكرية ما يفيد دعوته لاحترام الشعب وإرادته، وعندما قرر الشعب الثورة من جديد لاسترداد ثورته والإطاحة بحكم المرشد والجماعة، توجهت الأنظار نحو قيادة المؤسسة العسكرية كى تقف بجانب الشعب وتوفر له الحماية من ميليشيات الجماعة وإرهابييها، لبى الجيش نداء الشعب، وكرر فى بياناته أنه لن يسمح بترويع الشعب، ودفع الجيش المصرى ثمناً باهظاً من أرواح أبنائه دفاعاً عن شعب مصر وحماية له، ولا يزال يدفع حتى يومنا هذا. وفى مرحلة تالية نادى غالبية المصريين بوزير الدفاع مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ضغطوا عليه وناشدوه الترشح، فلبى الرجل النداء، فاحتفل الشعب بالقرار، هنا خرجت أصوات «موسمية»، سبق أن أبرمت صفقات لبيع الوطن للجماعة وتنظيمها الدولى، تولول وتصرخ محذرة من «حكم العسكر»، الجديد فى الأمر أن هذه الأصوات باتت معروفة لدى غالبية المصريين ولم تفلح أقنعة «المدنية والديمقراطية» التى وضعوها على وجوههم، لم تفلح فى خداع المصريين بعد تجربة حكم المرشد والجماعة. تبقى بعد ذلك نجاح هذه التجربة عبر دعم مؤسسات الدولة والسير على طريق بناء نظام ديمقراطى حقيقى، والأهم من كل ذلك تغليب المكون السياسى على الأمنى فكراً وممارسة.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع