الأقباط متحدون - كبد الوطن مأزوم يا «طاهر»
  • ٠٢:٠٤
  • الاثنين , ٦ مارس ٢٠١٧
English version

كبد الوطن مأزوم يا «طاهر»

مقالات مختارة | خالد منتصر

٠٠: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٦ مارس ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

ترجّل الفارس ونزل من على فرسه الجامح، صرخ كبده الموجوع، لقد استسلمت وسلمت الراية ورفعت الراية البيضاء أمام الضبع الكاسر، رحل الشاعر والصديق طاهر البرنبالى، رحل فى صمت، دهسته عجلة الروتين قبل أنياب المرض، ما أقسى أن تكون شاعراً فى مصر وبمصر، والأقسى أن تكون شاعراً فلاحاً لفحت الشمس الصريحة بشرتك الترابية، ومنحتك الضحكة المخادعة سمت المتفائل، واعتصرت قلبك الأحزان المزمنة، فجعلتك كهلاً فى شرخ الصبا، تظل تبحث عن الوزن والقافية فى واقع يزن الرجل بالبنكنوت، ولا يفهم من القافية إلا اشتقاقها من القفا، وتبيت تطارد الإيقاع فى وسط فوضى الزحام وصخب النشاز، وفى النهاية يا غلبان مطلوب منك أن تضبط بوصلتك على الصدق وإحساسك على الحب وبصمات أناملك على موسيقى نبض الناس، فكيف تعبر يا شاعر وأنت مطلوب منك أن تُزمر؟، وكيف تبكى والدموع تم تأميمها، ثم خصخصتها؟!!.

لمن لم يعرفه أو يقرأ له، هناك شاعر عامية مصرى جميل حاول الإفلات من هذه الدوامة اسمه طاهر البرنبالى، كان يقاوم الإحباط كل يوم بأشعاره المرهفة ويشرع فى وجه الموت سن قلمه المدبّب، فينزوى الموت وراء الجدار يجز على أسنانه مغتاظاً من قدرة هذا البنى آدم الأسطورية على حب العيشة والدنيا والحياة، ينزوى وهو يراقب متربصاً ومتحيناً الفرصة لكى يعيد المحاولة، لعله ينجح فى اصطياد «طاهر»، وكان الموت فى كل مرة يطارد ويفشل، وكان «طاهر» فى كل مرة يضحك ملء فمه على رداءة صنعة الفخ الذى نسجه الموت، لكن طاهر البرنبالى قد نال منه التعب، وأصابه الملل من لهاث المطاردة، لأنه من الصعب على من كانت حرفته الصدق أن يبيع بضاعة الكذب، فقد خرج علينا عارى الصدر، مثخناً بالجراح قبل النهاية، ليعلن النهاية بنفسه، قائلاً:

«ورق الشجر عَ الأرض من غير الخريف.. يبقى نزيف.. والفارس اللى اعتلى ضهر الحصان.. ومالهوش سيف.. يبقى ضعيف»..

كما قال فى مقدمة مسلسل «حياة الجوهرى»:

يا كل صرخة ألم

طالعة بحس وروح

يا كل قلب اتظلم

بكره السحابة تروح

تبقى الليالى نهار

ويدبل الصبار

ونداوى كل جروح

شرف الأمانة اختيار

وم القلوب اعتذار

نار المواجع نار

واللى يدوق المرار

لازم يكون مجروح

إحنا كمان عارفين

أول طريقنا فين

لسه الإيدين خايفين

بس العيون شايفين

باب الأمل مفتوح

ويظل الكبد فى مصر يكتب شهادة نهاية المواهب، ولقد خلد طاهر البرنبالى قصة الكبد فى مرثية لصديق آخر مات بالمرض نفسه، وهو خالد عبدالمنعم، وكأنه يُرثى نفسه:

فيه أكتر من كده إيه؟

علشان ماكتبش فى ذكراك

وأفضل مذهول مقفول متبرشم

والمرض الساكن فى عضايا

على ريحتك فيّا يشمشم

إبرة بتغرز فينا السن

واحنا اولاد وصغار السن

تشقى الروح والجسم يئن

والأجراس عمالة ترن

بس يا واد يا شبيه الجن

الموضوع أكبر من «طاهر»، والموضوع أكبر من «خالد»

الموضوع هواه بيزن

ابن امبارح وابن اليوم

كبد الوطن مأزوم
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع