الأقباط متحدون - سيرك بهلوانات النظام
  • ١٩:٣٠
  • الثلاثاء , ٢١ فبراير ٢٠١٧
English version

سيرك بهلوانات النظام

مقالات مختارة | إبراهيم عيسى

٥٩: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٧

إبراهيم عيسى
إبراهيم عيسى

كنت أتصور أن ظاهرة الصحفى البهلوان والإعلامى البهلوان والسياسى البهلوان ستنتهى بعد ثورتَى يناير ويونيو صاحبتَى الحظ التعس، لكنها لم تنتهِ، بل بهلوانيتهم أكثر.. وأطول.

البهلوانات لا يزالون فى قلب المشهد فى منتهى البراعة التى تثير التعجب لا الإعجاب!

البهلوانات والأقنعة تقودنا فورًا إلى مسرحية موجعة كتبها سيد الكتابة العربية يوسف إدريس، فى زمن طين وعجين، تعرض فيه لحصار من السلطة ورجالها وصحفييها ومسؤوليها، هى مسرحية «البهلوان».

كان الدكتور يوسف إدريس قد كتب كتابه الغاضب الممرور «البحث عن السادات»، وهو عبارة عن حلقات نشرها فى جريدة خليجية عام 1982، وللحق هو أضعف كتب هذا المبدع العظيم، فهو تحليل سياسى لم يكن إدريس أبرع مَن يتقنه، ويمكن أن تصف الكتاب بأنه كتاب تصفية حساب مع زمن السادات من وجهة نظر أديب اختلفت كل توجهاته وأفكاره مع ما ذهب إليه هذا الرئيس، غضبة مبدع وعصبية فنان وحدّة شخص يشعر بأن رئيسه غدر به وبوطنه.

المهم، نشر يوسف إدريس حلقاته من هنا وإذا بكلاب السكك تخرج عليه من كل سكة وحارة تنبح عليه بتهم الخيانة والعمالة وبيع الوطن.

فلول السادات يومها كانوا موجودين فى كل خرم فى الصحافة، ومتربيين فى الجنينة لخدمته وعضّ أى مخالف ومعارض له، نهشوا فى عرض يوسف إدريس فى الجرائد الحكومية والحزبية التى كانت كلها تحت أيديهم، حتى إن جريدة كانت الأكثر انتشارًا أيامها كتبت صفحة كاملة عن إدريس بعنوان (كاتب يغتال نفسه) واتهمته -كما كل الصحف يومها- بأنه قبض خمسة آلاف جنيه من القذافى ثمنًا لتحويل هذه الحلقات إلى كتاب، وطلع حسنى مبارك فى خطاب رسمى تالٍ لهذه الهجمة البشعة على يوسف إدريس، وقال عنه نصًّا (كاتب كنا نحترمه)، وكانت المرة الأولى والأخيرة التى يأتى فيها مبارك على اسم كاتب فى خطبه وبياناته، وهاجت وماجت الدنيا بكل متبرع متطوع ليهاجم إدريس ويسب فيه ويتهمه بالخيانة تقربًا لأمن الدولة والرئيس كعادة الأفاقين.

يبدو أن يوسف إدريس نجح فى توسيط أحدهم للقاء مبارك، ثم إن القذافى نفسه بقى زى العسل على قلب مبارك، وفوجئت مصر بعدها بفترة بالصورة الشهيرة التى تضم مبارك وحافظ الأسد معًا فى ضيافة يوسف إدريس فى شاليهه فى #مارينا على الساحل الشمالى، حيث كان إدريس من أوائل مَن سكنوا هناك، وكان مبارك يتباهى أمام الأسد بمنشآته الجديدة، فأخذه فى جولة مشيًا على الأقدام على الشاطئ فصادف إدريس فى البلكونة فجلسا فى ضيافته.
دنيا والله العظيم!

عمومًا، خرج إدريس من كابوس الهجمة الشرسة على وطنيته واتهامه بالعمالة ناجيًا، لكنه كان مجروحًا جدًّا وكتب مقالًا فى صحيفة «الأحرار»، وهى الوحيدة التى سمحت له بالنشر أيامها بعنوان (أشكو منك إليك) مخاطبًا مبارك، ولعل ما يَعلق بقوة بذاكرتى عن هذه الواقعة أننى كنت صبيًّا وعاشقًا متيمًا -وما زلت- بكل حرف كتبه إدريس، وأجمع كل مقالاته التى ينشرها فى «الأهرام»، حينذاك، فى ملف يحوى أصول الصفحات وأطويها وأعلّق على هوامشها، فلما قرأت اتهامات الصحافة فى هجمتها المفترسة لسمعة إدريس صدقت وتأثرت فذهبت فى جنينة بيتنا ومزقت كل صفحات إدريس باكيًا ناحبًا، وكانت هذه والحمد لله آخر ساعة فى حياتى أصدق فيها هجمات الصحافة المصرية حين تنافق وتنبح على مَن يريد سيدها أن تنبح عليه!

الهجمة والحملة على إدريس أنتجت لنا هذا العمل الإبداعى المدهش (مسرحية «البهلوان»)..

انتقم يوسف إدريس إذن من الصحافة والصحفيين الذين أداروا أكبر عملية تشويه منظمة محترفة له، وحاولوا الطعن فى وطنيته، بل طعنوا وحاولوا اغتياله، بهذه المسرحية التى تكشف عن بهلوانات الوسط الصحفى، والإعلامى والسياسى، الذى أقول متأسفًا ومعتذرًا للقراء إنهم مستمرون من زمن #مبارك الطويل وسنة مرسى السوداء حتى الآن يقفزون على الحبل بنجاح ساحق.
نقلا عن المقال

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع