الأقباط متحدون - لو كنا صدقناهم ما شربنا القهوة ولا فتحنا الحنفية ولا قرأنا الجريدة!
  • ٠٣:١٤
  • الثلاثاء , ١٤ فبراير ٢٠١٧
English version

لو كنا صدقناهم ما شربنا القهوة ولا فتحنا الحنفية ولا قرأنا الجريدة!

مقالات مختارة | خالد منتصر

٠٤: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

حضرتك الآن تتابع وتقرأ فى جريدة «الوطن» معركة الطلاق الشفوى ومقتنع تماماً بفرمان أو قرار هيئة كبار العلماء، لأننا يجب أن نمتثل لآراء علمائنا الأجلاء، ولك كل الحق والحرية، أثناء قراءة الجريدة ومن قبلها المصحف الشريف لأخذ البركة والعظة، ترتشف من فنجان القهوة وتتأمل كلام وكتابات المنتقدين، وتندهش كيف يفكر هؤلاء المرجفون العلمانيون «الوحشين» فى التشكيك أو مجرد التفكير فى مناقشة هيئة كبار العلماء، وتصرخ: خسئتم، أين أنتم يا أقزام من تلك الهيئة الموقرة؟!، وبالطبع غسلت وجهك قبلها من الحنفية أو الصنبور لكى تنتعش وتستطيع استيعاب جنون هؤلاء المنتقدين للهيئة الجليلة، لكن هناك معلومة بسيطة أريد توصيلها إلى سيادتك، وهى أنه لولا الاعتراض على هؤلاء الفقهاء، ومثل هذه الهيئات ما كنت معاليك قد قرأت الجريدة المطبوعة أصلاً، ومعها المصحف، ولا كنت قد شربت القهوة، ولا كنت أيضاً قد استخدمت الحنفية، فقد كان مصيرك وما ينتظرك هو قراءة الورق المنسوخ بالريشة، وانتظار عدد فبراير من «الوطن» فى ديسمبر، لقراءته بعد أن ينتهى منه النساخ!، وبالطبع لن تلمس القهوة شفتيك، لأن المطوعين لو ضبطوك متلبساً بوضعها فى النملية سيجلدونك فى ميدان عام!، أما الحنفية فهى الكفر بعينه وعليك انتظار السقا بقربته الشهيرة المحمولة على ظهره وإلا تم تعليقك على باب زويلة بتهمة عدم احترام رأى كبار العلماء والفقهاء الشافعية والمالكية والحنابلة!!، والسؤال: لماذا لو كنا مشينا «ورا كلامهم» لكان هذا مصيرنا؟!، هذه هى حكايات تحريم القهوة وتحريم الطباعة وتحريم الحنفية، وأنتم تعرفون مدى النشوة التى تحملها كلمة حرام عندما يتلفظ بها دليلك ومرشدك ونموذجك الأثير ونجمك المفضل.

لنبدأ بحكاية القهوة، تسلل مشروب القهوة إلى القاهرة والأزهر عبر طلبة اليمن، وقد كان هناك جدل فى مكة حول شربها، وانتقل هذا الجدل إلى مصر، الشيخ السنباطى الذى وصف الشيخ عبدالوهاب الشعراوى موته بقوله «ولما مات أظلمت مصر لموته، وانهدم ركن عظيم من الدين»، هذا الشيخ أفتى فى 1572م بتحريم القهوة، رداً على سؤال يقول «ما رأيك فى المشروب الذى يُدعى قهوة، والذى يزعم بعضهم أنه مباح، رغم ما ينجم عنه من نتائج وعواقب فاسدة؟»، من يومها قرر الشيخ السنباطى ومعه تلاميذه الأزاهرة رفع سيف التكفير ضد كل من يشرب القهوة، وصعدوا على المنابر وألبوا المصلين على أصحاب المقاهى وشاربى القهوة، فخرجوا بعد الصلاة يحطمون المقاهى ويثيرون شغباً فى الشوارع، حتى صار أهل القاهرة يرتعبون ويرتعشون من مجرد ذكر كلمة قهوة، كما يرتعبون من الثعابين والضوارى!، فى شعبان من العام نفسه صدر فرمان بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها، ولتنفيذ هذا الحكم كما وصف فى أحد كتب التراث «كان العسس على الفحص وبيوتها وباعتها شديداً جدّاً، وضربوا وأشهروا وهدموا البيوت وكسروا أوانيها المحترمة الطاهرة التى هى مال لرجل مسلم»!!، أصيبت تجارة البن بالكساد، فقرر التجار الذهاب إلى «السنباطى» وإقناعه، لكنه أصر على رأيه، وقامت مشاجرة رهيبة بين التجار والشيوخ من تلاميذ «السنباطى»، الذى أظلمت مصر لموته، وسقط ضحايا فى المسجد من شباب التجار، فثارت ثائرة المصريين وأقاموا عزاءً وتحدوا الشيخ السنباطى وتابعيه من أبناء الأزهر وقدّموا القهوة السادة فى السرادق، وكانت تلك الحادثة هى بداية توزيع وشرب القهوة السادة فى سرادقات عزاء المصريين!!.

أما الطباعة، فبالمنطق نفسه الذى يُحرم به الأزهر الآن طباعة المصاحف الملونة والاقتصار على اللون الأسود بدعوى الحفاظ على الوقار والإيمان، حرّموا قديماً طباعة المصحف أصلاً فى زمن محمد على، إنه المنطق نفسه الذى جعل الخلافة العثمانية تحرم الطباعة بجميع أنواعها لمدة قرون، حتى أصابها التخلف والانهيار، لم يسمح الخليفة وقتها إلا لليهود بطباعة كتبهم الدينية، أما محمد على فقد واجه حرباً ضروس حين قرر طباعة المصحف الشريف، كان محمد على حاكماً لئيماً يعرف أن سبب التحريم هو خوف الأزهريين من ضياع مهنة النسخ التى تُدر أموالاً طائلة لو دخلت الطباعة، لذلك اخترعوا أسباباً للتحريم، صدّقها العامة والدهماء، منها أن مواد الطباعة نجسة منافية للطهارة، وعدم جواز ضغط آيات الله بالآلات الحديدية، واحتمال وقوع خطأ فى طبع القرآن.. إلى آخر تلك الحجج الواهية، ولأن الوالى محمد على بجانب لؤمه كان رجل دولة قوياً حاسماً فقد ضرب بمعارضة الشيوخ وقتها عرض الحائط، وكما ذكرت الباحثة سماح عبدالمنعم السلاوى أنه فى عام 1832 أمر بطبع أجزاء من المصحف لتلاميذ المدارس، ثم أصدر أمره إلى مدير مطبعة بولاق بطبع المصحف، وأمر الشيخ التميمى؛ مفتى الديار المصرية بوضع خاتمه على المصحف، ليكون بيعه وتداوله أمراً مشروعاً، وتم توزيع المصحف المطبوع على المدارس والأزهر الشريف، واستمر ذلك حتى وفاة محمد على، ولذا يُعتبر مصحف محمد على أول مصحف مصرى مطبوع، وبلغت عنايته بالمصحف أن خصص جزءاً من مطبعة بولاق عُرف باسم مطبعة المصحف الشريف، واختار لها رئيساً مستقلاً، وشغل تلك الوظيفة عبدالرحمن أفندى عام، بالطبع لم تهدأ ثائرة البعض من كبار المشايخ وانتصروا فى فرض رأيهم وفرض منع الطباعة فى عهد الخديو عباس حلمى الأول حتى نجح الملك فؤاد 1918 فى طباعة المصحف بالمطابع الأميرية بعد التصحيح والتنقيح والرسم المضبوط.

أما الحنفية فمعركتها كانت معركة كبرى ورهيبة لم ينقذنا فيها إلا فقيه حنفى وقف فى وجه كل فقهاء المذاهب الأخرى، وكان رأيه يعتبر قياساً لما قاله بيان هيئة كبار علماء الأزهر ووصفوا به رأى د. سعد هلالى رأياً شاذاً!!، لكن هذا الرأى الشاذ انتصر الآن وأصبحت حضرتك تشرب من الحنفية وتغسل وجهك وتستحم بالصنبور والدش!!، وكما ذكرنا من قبل فى موضوع الطباعة أن المصلحة كانت سيد الموقف، فقد كانت المصلحة هى السيد والسند والصوت العالى المقنع، لكنها لم تكن مصلحة النسّاخ، لكنها مصلحة السقائين الذين كانت لهم نقابة قوية، ذهبوا إلى الفقهاء، فاستصدروا لهم الفتوى بتحريم الصنبور، كانت أسبابهم وحججهم أكثر هشاشة من حجج تحريم الطباعة، الأسباب كما قال الباحث على يس فى بحثه عن أصل اسم الحنفية «لاستبدال الميض التى ينال المتوضئون فيها بركة الشيخ الذى يفتتح الوضوء من مائها، واعتبروا التغيير بدعة، وأيضاً لأن انتشارها فى الشوارع أدى إلى وجود بِرَك ماء عندما تمر فيها العربات التى تجرها الخيول تُطرطِش الطين فى وجوه المؤمنين»!!!، وكما أنقذ محمد على الطباعة من فتاوى مشايخ زمانه، أنقذ الإنجليز الحنفية من فتاوى المالكية والشافعية والحنابلة، يقول البحث التاريخى إن سلطات الاحتلال الإنجليزى أصدرت المنشور (رقم 68 لسنة 1884) باستبدال أماكن الوضوء فى المساجد بصنابير متصلة بشبكة مياه الشرب النقية التى أقامتها بناءً على (ما تقرّر فى مجلس النظار عن مسألة المراحيض النقالى المقتضى إحداثها، وميض الجوامع اللازم استبدالها بحنفيات)، لاستخدام المياه النقية فى المساجد للوضوء، بدلاً من «الطاسة»، تسهيلاً على المصلين، ضمن شبكات عمومية لمياه الشرب والصرف الصحى بدأت الحكومة فى تركيبها فى المدن، وأشرف عليها المهندسان «ويلكوكس» و«پرايس باى»!!.

المعركة قديمة يا سادة، والدولة المدنية كانت ولادتها متعثّرة وعسيرة فى مصر التى عانت من حمى النفاس التزمتى!، لكن السؤال لماذا صارت المعركة أشرس؟!، الإجابة لأن البيزنس أصبح أكبر وأضخم، لذلك لن يتم التنازل عنه بسهولة، لا تصدقوا أن المعركة أساسها الدفاع عن الدين، أساسها وعمود خيمتها هو الدفاع عن المصلحة، فمثلما كان النساخون والسقاءون يعضون بالنواجذ على المكاسب، الآن أحفادهم يعضون على الكراسى والمناصب والقصور والفوز بأى فوز ورحلات الحج والإعارات والمنح والعطايا والأبهة والحصانة بالنواجذ والأظافر، بل المصارين!!.
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع