الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. وفاة المؤرخ الأديب محمد صبري
  • ٠٥:٠٠
  • الاربعاء , ١٨ يناير ٢٠١٧
English version

فى مثل هذا اليوم.. وفاة المؤرخ الأديب محمد صبري

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

٢٨: ٠٩ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٨ يناير ٢٠١٧

المؤرخ الأديب محمد صبري
المؤرخ الأديب محمد صبري

فى مثل هذا اليوم 18 يناير 1978..
الشهير بالسربوني، أول مصري يحصل على دكتوراة الدولة من جامعة السربون، له مؤلفات في التاريخ والأدب، من أشهرها الشوامخ، الشوقيات المجهولة...

كان د. محمد صبرى السربونى رائدا من رواد الدراسات الجامعية الذين جمعوا فى دراستهم وتأليفهم وتدريسهم بين التاريخ والأدب وعلوم أخرى، وهو واحد من أبرز المفكرين المصريين المعاصرين الذين جمعوا التفوق فى الأدب والتاريخ معا، كما تميز بقدرات نقدية عالية، وهو أول رئيس لمعهد المكتبات والوثائق بجامعة القاهرة الذى تحول إلى قسم، وظل كذلك حتى الآن.

ولد على أرجح الأقوال (1894) فى قرية المرج مديرية القليوبية بالقرب من العاصمة، وتلقى تعليمه فى الكُتاب، وتلقى تعليمه الابتدائى فى مدرسة النحاسين الابتدائية بشارع باب الفتوح بالقاهرة، وفى أثناء أدائه امتحان الشهادة الابتدائية توفيت والدته فانتابته حالة من الحزن الشديد عليها، واستغرقه حب الشعر فأدمن قراءته مما صرفه عن دراسته المدرسية حتى كاد حبه للشعر يجنى على مستقبله، لكنه عاد وحصل على شهادة البكالوريا من منازلهم (1913)، ثم سافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته على نفقته الخاصة (1913)، وفى باريس عكف على قراءة أشعار «لامارتين» و«هيجو»، وعاش الحياة الباريسية معجبا بالطبيعة والحضارة معاً، ثم عاد إلى مصر مع مقدمات الحرب العالمية الأولى بعد سنة واحدة قضاها فى فرنسا، ولم يلبث أن سافر إلى باريس مرة أخرى (1915) فحصل على الليسانس (1919) وفى هذه الفترة كان زميلا للدكتور طه حسين الذى سبق وحصل على شهادة الليسانس (1918)، وفى هذا التوقيت (1919) سافر الوفد المصرى إلى باريس، وهناك التقى السربونى مع أعضاء الوفد، وعمل فى سكرتارية الوفد، واتصل اتصالا مباشرا برئيس الوفد المصرى سعد زغلول باشا، وقد واصل دراسته فى فرنسا حتى حصل على درجة دكتوراه الدولة، وهو أول مصرى يحصل على شهادة دكتوراه الدولة فى الآداب من السربون (1924)، ومن هنا جاءت تسميته المحببة إلى نفسه، وقد عاد بعدها إلى مصر، حيث عمل بالتدريس فى الجامعة المصرية، وقبلها فى مدرسة المعلمين العليا، كما عمل أستاذا للتاريخ فى دار العلوم، كما انتدب لبعض الوظائف المهمة فكان مديرا للمطبوعات، ووكيلاً لدار الكتب المصرية، ثم انتدبته الحكومة للعمل كمدير للبعثة التعليمية المصرية فى جنيف (1939)، ثم اختير ليكون أول عميد لمعهد المكتبات والوثائق عند إنشائه فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، وهو المعهد الذى تحول بعد ذلك إلى قسم للمكتبات، ويبدو أن تعيين السربونى مديرا لهذا المعهد المبتكر فى ذلك الوقت كان ذكاء طه حسين لاستغلال جهد السربونى وطاقته بعد أن تخطاه د. السنهورى فى التعيين كمدير عام لدار الكتب (1946)، حين خلت هذه الوظيفة، وكان السربونى فى ذلك الوقت نائبا لدار الكتب.

ولم يطل العهد بالسربونى فى منصب عميد معهد الوثائق والمكتبات فى جامعة القاهرة، إذ كان واحدا من الذين أخرجتهم الثورة من مناصبهم فى بداية عهدها تحت شعار التطهير.

قدم السربونى الكثير من المؤلفات فى الأدب والنقد أبرزها سلسلة كتب عن الشعراء بدأها بكتابة «شعراء العصر» وقد نشره فى شبابه من جزأين، ترجم فيه للشعراء محمود سامى البارودى، وإسماعيل صبرى، وأحمد شوقى، وحافظ إبراهيم وغيرهم، وقد صدر الجزء الأول منه 1910 بمقدمة للأديب الكبير مصطفى لطفى المنفلوطى، ثم صدر الجزء الثانى بمقدمة للشاعر العراقى جميل صدقى الزهاوى، ثم أصدر كتبا عن محمود سامى البارودى، وإسماعيل صبرى، وبعد ثلاثة عقود عاوده الحنين إلى الكتابة عن الشعراء وبدأ 1944 فى إصدار سلسلة «الشوامخ» استهلها بكتاب عن «امرئ القيس» ثم «الشعر الجاهلى».. أعلامه وخصائصه، ثم «ذو الرمة» 1946 و«البحترى» 1946 و«أبو عبادة النجدى» 1946، وبعد أربعة عشر عاما أخرى نشر كتابه «شاعر القطرين.. خليل مطران وأروع ما كتب» 1960، أما أشهر أعماله فى هذا المجال هو كتابه «الشوقيات المجهولة» 1961 الذى يكاد الآن أن يعرف به فى المقام الأول، وفيه جمع قصائد شوقى المجهولة التى لم ترد فى «الشوقيات» المطبوعة، وبهذا الكتاب يعود إليه الفضل فى نشر مجموعة كبيرة من شعر أمير الشعراء أحمد شوقى، وقد طبعت دار الكتب هذا الكتاب أكثر من مرة، بالإضافة إلى هذه الدراسات القيمة عن الشعراء نشر كتابا بعنوان «أدب وتاريخ» وكتابا آخر بعنوان «ذكرى الماضى» وقد ضمنه مجموعة مقالاته فى صباه.

وبجانب اهتماماته الأدبية كانت له اهتمامات سياسية وتاريخية وقومية خاصة بتاريخ مصر، وقد حظيت دراساته التاريخية ولا تزال تحظى بقيمة كبيرة منذ عمل على مساعدة الوفد المصرى فى فرساى بكتاباته التى تميزت بالقدرة البيانية، فضلا عن الإحاطة التاريخية الدقيقة، وقد أصدر باللغة الفرنسية عام 1919 الجزء الأول من كتابه «الثورة المصرية» وأصدر عام1920 كتاب «المسألة المصرية» بالفرنسية، ثم أصدر عام 1921 الجزء الثانى من «الثورة المصرية» بالفرنسية أيضاً، ثم كانت رسالته للدكتوراه عن «نشأة الروح القومية فى مصر» وقد صدرت بالفرنسية عام 1924 فى باريس، ثم أصدر باللغة العربية كتابه «تاريخ مصر الحديث من عهد محمد على إلى اليوم» عام 1926، ومرجعين ضخمين عن «الامبراطورية المصرية فى عهد محمد على والمسألة الشرقية»، وقد صدر بالفرنسية، و«الامبراطورية المصرية فى عهد إسماعيل والتدخل الانجليزى الفرنسى»، وقد صدر بالفرنسية، ونشر كتاباً آخر عن السودان المصرى عام 1821 - 1948 وكتابا عن مصر فى أفريقيا الشمالية، وله بالإضافة إلى هذا دراسات تاريخية متميزة منها «تاريخ الحركة الاستقلالية فى إيطاليا» وعلى نحو ما أفاد سعد زغلول من موهبة السربونى فقد أفاد منه النقراشى عام 1947 حيث كلفه بوضع دراسة عن السودان.

وفى عهد الثورة وعقب تأميم قناة السويس نشر السربونى كتابه «أسرار قضية التدويل واتفاقية 1888» عام 1957 وكتابه «فضيحة السويس» عام 1958، وفى هذه الكتب التاريخية اجتمعت الوطنية المتدفقة بالبحث العلمى الأصيل، وظهر نموذج نادر للمؤرخ الوطنى الذى يملأ الحماس قلبه مع عقل ذكر، وأسلوب علمى.

ويذكر له أنه تمكن من دراسة وثائق قصر عابدين مستعيناً بأحد أصدقائه الذين يعرفون التركية، كما تفرغ للبحث عن الوثائق التاريخية التى تفيد بحوثه ضمن المجموعات الكثيرة المنتشرة فى مكتبات العواصم الأوروبية، وتحفل دراساته الأدبية بتوظيف جيد للتاريخ والدراسات التاريخية، لتوسيع مدارك البحث وضبط أساليبه، أما دراساته التاريخية فتحفل بالروح التى منحتها حرارة الوجدان بالإضافة إلى دقة العلم وسعة الاطلاع، بالإضافة إلى كل هذا الجهد العلمى كان السربونى شاعراً، وقد نشرت له الأهرام فى شبابه قصيدة وطنية فى أثناء الحرب الإيطالية على ليبيا، ونسبت القصيدة من باب الخطأ إلى الشاعر الكبير إسماعيل صبرى باشا.

وعلى العموم كان السربونى أبرز نموذج لطراز العلماء الذين يستغرقهم علمهم حتى ينشغلوا عن العالم به، وهو طراز يقترب من البوهيمية لكنه غير بوهيمى.. وتوفى السربونى يوم 18 يناير عام 1978. !!