الأقباط متحدون - أوباما.. نهاية المخادع
  • ٢٠:٢١
  • الاثنين , ١٦ يناير ٢٠١٧
English version

أوباما.. نهاية المخادع

مقالات مختارة | محمود بسيوني

١٣: ١٢ م +03:00 EEST

الاثنين ١٦ يناير ٢٠١٧

محمود بسيوني
محمود بسيوني

السطور القادمة استغرقت مني ثمان سنوات من المتابعة والمعايشة، بدأت بترشح باراك حسين أوباما الديمقراطي الأسمر المنحاز للديمقراطية وحقوق الإنسان.. كان ظهوره على المسرح العالمي له تأثير أشبه بسقوط "نيزك" على الأرض، بعد سنوات الجنون التي عاشها العالم مع جورج بوش الابن.. العبد يحتل مكان السيد الأبيض وكان السؤال.. هل من المعقول أن يصبح الشاب الأسمر المثقف خريج هارفارد ذو الأصول الكينية المتهم بأنه مسلم سرًا رئيسًا للولايات المتحدة؟

كان السؤال استنكاريًا في البداية، وأشبه بالمزحة الثقيلة، إلا أن خطاباته المؤثرة كانت تجذب مزيدًا من الناس حوله.. خاصة الشباب.. وسرعان ما تحولت حملته إلى حمى تجتاح العالم.. كنت تسمع صيحات من نوعية "نعم نستطيع"، و"حان وقت التغيير" تتردد في أنحاء الأرض وتتداول عبر حسابات الفيس بوك.

ارتبط الأمل في صناعة مستقبل أفضل بهذا الفتى الأسمر المثقف، ووقع العالم تحت تأثير مخدر شعارات "الحرية" و"المساواة" و"العدل".. لم يشك أحد في إنها خدعة، وأن نذر العواصف تقترب من عالمنا العربي، وتحمل لنا مزيدًا من الدماء والفوضى والخراب.

كتبت ملاحظة في مايو 2008، قلت فيها إن أمريكا تريد مصالحة العرب والمسلمين بهذا الرجل، فالأصل المسلم يعطي انطباعًا جيدًا لدى الشعوب الإسلامية، التي تضررت من الحرب على الإرهاب، تقديري أن الرجل يمثل حملة علاقات عامة جديدة لبلاد العم سام، تمكنها من تحسين صورتها بعد الجرائم التي ارتكبتها إدارة بوش الابن، وأثرت بشكل مريع على صورة الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالفعل، حظي أوباما بتأييد عربي وإسلامي جارف، حمى الرجل تتصاعد ليصبح مرشح العالم لرئاسة الولايات المتحدة، دعتني السفارة الأمريكية في القاهرة إلى حضور يوم الانتخابات بمطعم هارد روك، وسهرنا للصباح نتابع نتائج تقدمه على منافسه العجوز البارد جون ماكين، وسط تحليلات لا تنقطع عن العالم الجديد، الذي يرسمه نجاح ذلك الشاب النابه.. لم نتوقف كثيرًا أمام قول أحد كبار ممثلي السود حينما وصفه بالأبيض في جلد أسود.. انتظرنا أن يتغير العالم في اليوم التالي.. لم يحدث شيء.. لنعطى الرجل فرصة!

صحونا من أحلامنا على صوت الطائرات الإسرائيلية تقصف قطاع غزة، فيما عرف وقتها بعملية الرصاص المصبوب، واستمر القصف والدمار من 27 ديسمبر إلى 18 يناير 2009، كنا أمام مجزرة راح ضحيتها أكثر من 1300 فلسطيني.. ماذا فعل أوباما؟ لا شيء.. ربما الرجل لا يزال يتحسس خطواته.. لنعطه مزيدًا من الوقت.

سافرت في أكتوبر مع الزميلة فتحية الدخاخني من المصري اليوم؛ لنمثل الصحفيين المصريين في برنامج الزائر الدولي للصحفيين أو دورة "إدوارد أر مورو"، والتي تديرها وزارة الخارجية الأمريكية، وجدت نفسي في مطبخ السياسة الدولية وبين أروقة مباني العاصمة واشنطن، ووجهًا لوجه مع أسطورة الصحافة بوب ودورد، كاشف أسرار البيت الأبيض في صحيفة الواشنطن بوست، وصاحب "خبطة" فضيحة ووتر جيت، التي أخرجت الرئيس نيكسون من الرئاسة، تجاسرت وسألته أول سؤال في قاعة المؤتمرات الكبرى بمبنى الخارجية، لقد تمكنت عبر سلسلة تحقيقات من محاكمة نيكسون لكن وعبر سلسلة كتب عن جورج بوش وخديعة غزو العراق للتخلص من النووي لم تتمكن من إخراجه من البيت الأبيض..هل فقدت سحرك؟ شكرني على السؤال وأجاب: لو قدمنا بوش للمحاكمة يجب أن نقدم معه أيضا كل أعضاء الكونجرس والشيوخ الذين وافقوا معه على قرار غزو العراق.. كل نخبة واشنطن مسئولة عما حدث.. انتهى رده.

إذن فالحديث عن نخبة واشنطن الفاسدة قديم، وهي التي اختارت أوباما لهدف ما، وهي التي تترصد هفوات رونالد ترامب لأنه يعرفها جيدًا وأقنع الناخبين بالقضاء عليها. في ذلك الوقت لم يكن هناك حديث في واشنطن سوى عن تقرير الجنرال ماكريستال، الذي طالب فيه بزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان لمواجهة الأنشطة الإرهابية وعارضته إدارة أوباما على أساس أن زيادة القوات تعد مخالفة لوعوده الانتخابية بسحب القوات الأمريكية سواء الموجودة في أفغانستان أو العراق، وهو ما حدث بالفعل بعد قتل بن لادن في باكستان، وفي الحالتين صنعت أمريكا فراغًا أمنيا في كلا البلدين، انتهى آل عودة طالبان في أفغانستان، ثم ظهور داعش في العراق.. خدع أوباما العالم بالأمن والحرية ثم سلمه بغباء للإرهاب!

كانت الإشارات في واشنطن تشير إلى حدث ما قادم في الشرق الأوسط، مهد له أوباما بخطاب الإشارات والتلميحات الشهير بجامعة القاهرة عام 2010 و الذي حضره الإخوان المسلمين وغاب عنه الرئيس مبارك، كانت الإشارة للديمقراطية وحقوق الإنسان وإنهاء الخصومة مع الإسلام تغطى شيئا ما يرتب في الأفق للعالم العربي وفى يناير 2011 كان الزلزال.

في تونس هرب بن على وظهر الإخوان، في مصر خرجت مجموعات من الشباب لتعبر عن مطالب سياسة مشروعة ورغبة في التغيير، لكن الإخوان احتلوا الميدان وطالبوا بإسقاط النظام ليبنوا دولتهم، ونزلت القوات المسلحة لحماية مصر من صراع دموي كان يرتب لها، تنحى الرئيس مبارك، وقاوم المجلس العسكري بشرف كل محاولات جره للمصيدة التي نصبت للجيش الليبي ثم السوري وقبلهم الجيش العراقي، حافظ الجيش على تماسكه رغم كل الاختبارات الصعبة ودافع عن الأمن القومي بكل قوته، ومن قلب ميدان التحرير أوقعت المخابرات العامة بصيد إسرائيلي ثمين، كانت إشارة لمن يحاول نشر الفوضى أن مصر قد تبدو منهكة لكنها منتبهة وقادرة على التعامل مع الأفاعي السامة. في ليبيا ارتكب أوباما جريمة بوش في العراق، دمر ليبيا وقتل القذافي وتركها للفوضى الشاملة، حتى أصبحت مرتعا خصبا لكل جماعات الإرهاب، نفس الحال فى سوريا..كان المشهد العربي قاتما ودمويا..وتحول ورد الجناين او الربيع العربي..إلى ربيع داعش والقاعدة وجبهة النصرة والإخوان المسلمين..لا صوت يعلو فوق صوت التطرف..انتهى المشهد السيريالى العبثي الكوميدي بصورة المنصف المرزوقي يحركه راشد الغنوشى مثل "العروسة الماريونيت" في تونس، وبصورة أخرى للمرشد محمد بديع يهمس في أذن محمد مرسي "استبن" خيرت الشاطر بكلمة القصاص!

 تخيل أوباما أن الأمر انتهى.. الديمقراطية الإخوانية ممتنة له وللولايات المتحدة، اختفت كلمة الشيطان الأعظم من أدبيات الإسلام السياسي ومن خطب ملالي إيران عقب توقيع الاتفاق النووي، عاد الإرهابيين من أفغانستان لبلادهم الأصلية للتمتع بالديمقراطية والحرية، تم توطين عدد لأبأس به في صحراء سيناء، نواة مناسبة لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين معهم فى إطار الحل النهائي على حساب الأرض المصرية، لا مانع فى ذلك، "ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن " كما قال سيد قطب منظر جماعة الإخوان الحاكمة آنذاك.

 إلا أن الشعب المصري استفاق سريعا وحول أحلام أوباما إلى كوابيس ظلت تطارده حتى اليوم الأخير له فى البيت الأبيض، وفى عز سطوة الإخوان يوليو 2012 وجدت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك في مواجهة طماطم وأحذية المصريين المنهمرة على رأسها. وتعترف كلينتون فى مذكراتها "خيارات صعبة" ان ملايين المصريين خرجوا إلى الاحتجاج في الشوارع ضد حكم الإخوان فتدخل الجيش للمرة الثانية بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسى وخلع مرسى من الحكم " وبدأت خطة أوباما فى حصد نتائج عكسية بعد ثورة المصريين فى 30 يونيو، كانت مصر هى الإجابة وليست تونس هذه المرة، توارى الإخوان عن المشهد في تونس وعاد الجيش الليبي لصدارة المشهد بدعم مصري مباشر وفى سوريا تم تحرير حلب من الإرهاب وخرجت اللعبة كلها من يد أمريكا الى روسيا وفى القاهرة خضع وزير خارجية الولايات المتحدة لتفتيش دقيق على باب مكتب الرئيس السيسى، ووصل الإرهاب الى العواصم الأوروبية ليحصد العشرات، ويظهر التطرف الأوروبى ضد اللاجئين لتدوس على حقوق الإنسان.

لم ينبهه مستشارى البيت الأبيض للكوارث الاقتصادية التى ستلحق بالدول التى تلاعب بها تحت اسم الديمقراطية، أين ذهب أساتذة الاقتصاد الذى يستعين بهم، هل يعلم فداحة انهيار قيمة العملة، وارتفاع التضخم، وتأكل الاحتياطى، كم مواطن متوسط الدخل أصبح فقيرا، اين هى الاستثمارات والمساعدات التى ستنهمر على الدول بعدما اقتنعت بضرورة رحيل الدكتاتور والبحث عن " أوباما"  محلى.

أمريكا لم تعد قوية كما كانت..أوباما انهي هيبتها ودورها فى العالم..حتى حقوق الإنسان أصبحت كلمة سيئة السمعة. يترك أوباما البيت الأبيض على وعد بتسليم سلس للسلطة ؟!، وهل كان يملك أصلا غير ذلك ؟ ولماذا يتلاعب بترامب المنتخب ديمقراطيا عبر جهاز المخابرات المركزية التى تخرج لتعترف أمام العالم ان روسيا نجحت فى اختراق انتخاباتها الرئاسية، نظرية المؤامرة التى حاربها أوباما وتابعيه تصبح سلاحه فى مواجهة ترامب..قمة الكوميديا السوداء.

لقد دشن أوباما نظرية جديدة فى الديمقراطية استلهمها بالتأكيد من جماعة الإخوان وهى حينما يفوز حزبي فهي الديمقراطية وحينما يخسر فالمؤامرة والطرف الثالث هم السبب، ولذلك أتوقع مستقبلا باهرا لأوباما مع الإخوان وقد نراه بعد سنوات داعما لهم مثل نظيره الرئيس الديمقراطي الأسبق جيمي كارتر يحضر مؤتمراتهم و يدافع عنهم ويشرف على توجيه الانتخابات لصالحهم فى الدول العربية او يجمع لهم تبرعات من الولايات الشمالية كما كان يفعل كارتر.

وعد أوباما العالم بالأمان ثم فوجئ العالم أن أمان أوباما هو الذبح بسكين ملثم داعشى أو الموت فى انفجار عبوه ناسفة أو سيارة مفخخة في صحراء سيناء أو ليبيا أو سوريا أو العراق أو السعودية أو تونس أو تركيا أو اليمن أو تدهس تحت عجلات شاحنة يقودها ذئب منفرد فى فرنسا أو ألمانيا أو برصاص طائش من ذئب آخر في ملاهي و مطارات أمريكا ذاتها..سلمنا لأسوأ ما في العالم..للكراهية.
نقلا عن اتفرج

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع