الأقباط متحدون - يتيم الأورمان المُعَّذب.. ما خفي كان أعظم
  • ٠٣:٠٢
  • الثلاثاء , ١٠ يناير ٢٠١٧
English version

يتيم الأورمان المُعَّذب.. ما خفي كان أعظم

سعيد السنى

مساحة رأي

٣٦: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٧

يتيم الأورمان المُعَّذب
يتيم الأورمان المُعَّذب

سعيد السني
جاءت «واقعة تعذيب طفل» يتيم في الخامسة من عمره، بالماء البارد فجراً، مُوجعة وشديدة الإيلام إنسانياً، فالتعذيب جرى بالماء البارد من الدُش، في هذا الجو الثلجي، الذي يقترب بنا من درجة التجمد، والطفل المُعَذَّب هو من نزلاء «دار للأيتام» جنوب التجمع الخامس بالقاهرة، والدار تابعة لـ«جمعية الأورمان» التي تملأ الدنيا ضجيجاً دعائياً وإعلانياً عن أعمالها «الخيرية»، حتى أن رئيس الجمهورية أحسن بها الظن، وأوصى وزير الصحة مؤخراً ببيع المستشفيات التكاملية لها.

بحسب موقعها الإلكتروني وحضورها الإعلامي والإعلاني، فإن «الأورمان» تمارس نشاطها من خلال 40 فرعاً ومكتباً وداراً منتشرة بمحافظات ومناطق مختلفة، ومن جنوب البلاد إلى شمالها، وتتنوع خدماتها لتشمل كفالة الأسر الفقيرة والأيتام، ومحو الأمية ودعم زواج الفتيات وسداد الديون للغارمات والرعاية الصحية، وهي تحظى بدعم وزراء ومسئولين كبار يحضرون لها فعاليتها، بما يضفي أجواءً من الثقة والمصداقية على هذه الجهود، إذ تبدو «الجمعية» مهتمة بتسجيل نشاطاتها دعائياً، بأكثر مما تهتم بجودة خدماتها على أرض الواقع، وودونما ترفُق بمن تتولى إعالتهم، كما أن حضور الوزراء وكبار المسؤلين، ربما يكون مُخيفاً للموظفين المعنيين بـ«وزارة التضامن الاجتماعي»، وقد يُسبب لهم حرجاً، ويمنعهم «أدبياً» عن ممارسة مسؤولياتهم الرقابية على مقرات وفروع ودور أيتام الجمعية.. فالواقعة الراهنة، رغم أنها قد تكون «فردية»، إلا أنها كاشفة عن حجم الإهمال والاستهتار بـ«صغار» أبرياء في عمر الزهور، لا يملكون من أمر انفسهم شيئاً، عانوا الذُل والهوان من غدر الزمان، وشابوا قبل الآوان، بعد أن حكمت عليهم الأقدار باليُتم وافتقاد السند، فلم يجدوا لهم أباً أوأماً، يحنون عليهم بالدفء الأبوي.. لم ترحمهم المقادير، فأوقعتهم «أسرى» لبشر قساة القلوب، وغلاظ الطباع، يرتدون أقنعة ملائكية، يحسبهم المرء رحماء وأصحاب أيادي حانية، من كثرة الإعلانات التليفزيونية التي تتكلف ملايين الجنيهات، وتُستغل فيها صور «المنكوبين» ضحايا اليتم، والفقر والعوز، والتشرد الأسري، وقلة الحيلة، من أمثال هذا «اليتيم» وأقرانه، ترويجاً لنشطات «الأورمان» الواسعة والمتعددة، استعطافاً وابتزازاً للمشاعر النبيلة والنفوس الطيبة والخيرة، للفوز بأكبر نصيب من كعكة «تبرعات أهل البر والإحسان»، كما لو أن «العمل الخيري»، قد صار تجارة، و«سلعة» يلزمها التسويق.

حسنا فعل المستشار على رزق رئيس هيئة النيابة الإدارية، إذ سارع وقرر فتح تحقيق عاجل بشأن «الفيديو» المتداول، الذي يرصد بالصوت والصورة عملية التعذيب للمسكين، والذي تمكنت سيدة و«إنسانة»، تجاور دار الأيتام، من تسجيله ونشره على «فيس بوك»، بعد أن هزتها صرخات اليتيم المجني عليه، مستغيثاً من قسوة موظفة الدار المُسماة «أم بديلة»، وبحسب ما نشر فلم تكن المرة الأولى التي تشاهد فيها السيدة استغاثات أطفال الدار وتسمع صرخاتهم المؤلمة.. من جانبها، اعترفت «جمعية الأورمان» بما حدث، وقالت إنها سلمت الموظفة «الجانية» إلى الشرطة.. فيما أعلنت وزارة التضامن أنها قامت بعزل مدير الجمعية، لتقصيره وقيامه بتعيين وتشغيل المشرفة بطلة الواقعة، دون أن تكون جامعية، ومؤهلة للعمل بدارالأيتام.

بعيداً عن قضية «يتيم الأورمان» المُعَذَّب بالمياة المثلج، فإن مثل هذه «الدور» لرعاية الأيتام والمشردين، التي يفترض أنها تقوم بدور إنساني، لرعاية فئة منكسرة ومقهورة من الأطفال، تشهد تكراراً مقيتا لوقائع «تعذيب» متنوعة وسادية بشعة أحياناً، وتحرش واغتصاب للنزلاء والنزيلات من «الأطفال»، بل وربما حالات اتجار بهم، وبعض هذه الوقائع عرفت طريقها للنشر، ومن ثم تتحرك الأجهزة المعنية، «بعد خراب مالطة» كما يقولون.. هذه الوقائع المنشورة تمثل نسبة ضئيلة، مما يحدث داخل جدران هذه «الدور» وهي بالآلاف، إذ يتخذها «البعض» «سبوبة» وباباً واسعاً للثراء الفاحش وجني الملايين يتبرع بها الخيرين.. الأسوأ هو أن «وزارة التضامن» تتقاعس أو تعجز عن ممارسة دورها الرقابي على هذه الجمعيات، بما يفتح مجالاً للتجاوزات والمخالفات، والجرائم الجنائية، على قاعدة أن «مَّن أمن العقوبة أساء الأدب أو السلوك».. كما تستعين بعض الجمعيات بـ«موظفين حكوميين» من إدارات التضامن.. يعني بالبلدي كده، «زيتنا في دقيقنا»، أو بعبارة أخرى، «شيلني واشيلك».

قضية «يتيم الأورمان»، كشفت أن «المشرفة» غير مؤهلة لشغل وظيفتها، بما يعني أن جمعية بهذا الاسم والحضور الدعائي الطاغي، الموحي بالمثالية والنبل والأداء الفائق، لم تهتم باختيار موظفيها الملائمين للمهام الإنسانية التي تقوم بها، كما لم تنشغل بانطباق الشروط المقررة قانوناً عليهم، بما مفاده، أنها في مأمن وحصانة.. وما خفي كان أعظم.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع