الأقباط متحدون - «مولانا»: مذهب السلطة وصناعة الفتنة
  • ١٥:٥٣
  • الاربعاء , ١١ يناير ٢٠١٧
English version

«مولانا»: مذهب السلطة وصناعة الفتنة

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٠١: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١١ يناير ٢٠١٧

سحر الجعارة
سحر الجعارة

«صناعة النجوم» لا دين لها، إنها «صناعة» قادرة على التسويق لأى بضاعة متواضعة، (ولا أقول رديئة)، طالما كانت تتضمن عناصر الجذب والإبهار ويتوفر لها «دعاية جيدة»، تصنع من النجم «صاحب رسالة» تفرض وجودها على جمهور إن لم يكن «جاهلاً» فعلى الأقل غير مثقف!

عايشت بنفسى فى كواليس قنوات ART مولد الداعية «عمرو خالد»، على يد المخرج المحنك «ميلاد بسادة»، وسجلت فى قناة «الرسالة» مع الداعية «طارق سويدان» وتناقشت معه قبل التسجيل خلال وضع المكياج لوجهه السمح.

إنها اللقطة الأبرز فى فيلم «مولانا» المأخوذ عن رواية الكاتب المشاغب «إبراهيم عيسى»: (جورجيت تضع بلمسات محترفة المكياج للشيخ «حاتم الشناوى»، فيقول لها «بارك الله فيك يا أخت جورجيت.. وعندما يقول «أنور»، مقدم البرنامج لمولانا: تفتكر ما هو إحساس المصلين وراءك والمريدين لك وطالبى فتاواك، لما يشوفوا مولانا يضع مكياجاً قبل التصوير؟ فيرد بانسجام: ما النبى يا خويا كان بيحنى شعره وبيكحل عينيه، النبى تتلهى يا أنور من أسئلتك الرخمة دى).

«المكياج» كما أعرفه أنا هو مجموعة فتاوى «وسطية» على خفة ظل وسرعة بديهة وسخرية من الخصوم، يستخدمها الدعاة فى الفضائيات، (هم قدموا بالمناسبة)، ليمرروا من خلالها «السم فى العسل»، تخديم على السلطة أو ترويج لخطاب الوهابية السلفى أو تحريض على «الصوفيين».. المهم أن يتنقل «الداعية» برشاقة من «البدلة السينيه» إلى «الجبة والقفطان» حسب مقتضيات الموقف.. وأن يكون عصرياً ورجعياً دون أن يتعرى أمام الناس، وأن يمتلك مهارة السحرة فى كسب المال والسلطة والشهرة.. وإقناع الجمهور أنه «مضطهد» بينما هو «عميل» لأجهزة الأمن!

«حاتم الشناوى» يختلف فى بعض التفاصيل عن التوليفة السابقة، إنه إنسان أحب بصدق وفجع فى مرض ابنه وآمن بشيخه الصوفى، وكأن «إبراهيم عيسى» شكل ملامحه لكشف تناقض الآخرين من خلال «الصدام الدرامى» وهو ضرورة فرضتها مرحلة كتابة الرواية، (بدأ إبراهيم كتابة هذه الرواية عام 2009 وهو يعارض الرئيس السابق «مبارك»، واستمر فى الكتابة حتى مارس 2012)، ولهذا ربما تكون مشكلة «الخطاب الدينى» تأزمت أكثر وعلاقة الدعاة بالدولة أصبحت أكثر تعقيدا، ولكن النجم «عمرو سعد» استطاع بعبقرية نادرة أن يبسط (كلاكيع الخطاب الدينى)، مستنداً إلى حوار «إبراهيم عيسى» السهل الممتنع، فكان يتحدث عن «المعتزلة» و«الرق فى الإسلام» و«الشك» أو إنكار بعض الأحاديث النبوية «الضعيفة» بطلاقة وتمكن من درس جيداً كل حرف ينطق به.. لكن الحروف مبعثرة، متشابكة مثل كرة خيط كلما حاولت فكها تعقدت.

«التنصير» هو عنوان شخصية «حسن بطرس»، شقيق زوجة ابن الرئيس الذى قرر أن يتحول إلى المسيحية، بينما «جلال» يعد نفسه رئيساً للبلاد، فى إشارة واضحة إلى «جمال مبارك».. و«التنصير» هو الصيغة المشوهة لأجيال لا تعرف عن الأديان شيئاً، ولا تتنقل من الإسلام إلى المسيحية إلى الإلحاد إلا عناداً فى منظومة فكرية متعصبة تدفعهم للتطرف.

«حسن أو بطرس» كان مفتاح «الباب العالى» الذى فتح قصر الحكم أمام «مولانا»، بعد فشل الداعية السلفى فى هدايته ووصفه له بأنه «ملبوس».. وهو أيضاً سر رضا «أمن الدولة» ثم انقلابه على «مولانا»!

فى مشهد (ماستر سين) وأثناء استجواب الشيخ «حاتم» يقف متبولاً فى مواجهة رجال أمن الدولة، وأجهزة الاستخبارات، التى كان أقصى ما فعلته تلفيق تهمة «التشيع» لأقطاب الصوفية.. وهنا يعلن «إبراهيم عيسى» عن وجوده وكأنه يلعن النظام الذى حرمه من جريدة «الدستور» وحكم عليه بالسجن بتهمة إهانة الرئيس «مبارك».. وهو نفس النظام الذى أوصلنا إلى خندق ضيق لا نملك فيه من حرية العقل أكثر من «ثقب إبرة».

استطاع المخرج «مجدى أحمد على» الإمساك بحرفية عالية بتفاصيل كل الشخصيات، وإبراز تناقضاتها رغم جلوسهم جميعاً على مائدة طعام واحدة تضم: (الأمن والممول والمعلن والسلفى والصوفى والوسطى).. وحرص «مجدى» على تقديم لغة سينمائية خاصة بكاميرا حساسة تلتقط أبعاد كل «كادر» من فيللا الشيخ «حاتم» وعلاقة الفتور التى شرخت زواجه، وعميلة أمن الدولة التى دبرت له «صوراً فاضحة».. ليكون ملفه ضاغطاً عليه، وحين ينفلت عيار الدولة فتسمح لسلفييها بحرق منازل صوفييها يصبح تفجير الكنائس أمراً طبيعياً وعادياً.. إنه المشهد العبثى الذى يتكرر فى واقعنا لتصبح «الفوضى عنواناً».. و«الانفجار» موقوتاً على لحظة غضب.

خرجت مؤامرة تفجير «كنيسة القديسين» من منزل الحكم، وهنا قال «القس»: (لا بد أن نتحرك سريعاً، فلدينا شباب يغلى، كما رأيت بنفسك، والأقباط ليسوا فى مصر وحدها، بل فى العالم كله، وصلوا مع هذه الحادثة إلى درجة عدم القدرة على التحمل).

وهنا بكى «مولانا» فى لحظة صدق نادرة، رافضاً سياسة المسكنات والقبلات الفاترة بين القساوسة والمشايخ.

فلا تراهنوا على أى «مولانا» كلهم أطراف فى تحالفات وصفقات مذهبية وأمنية ومادية.. ولا تهللوا لحركات «التنصير والأسلمة» إنها لغم مزروع بين ضلوعنا.. ولا تصدقوا أبداً أن هناك من يملك إخراس «إبراهيم عيسى»!
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع