الأقباط متحدون - تاريخ يجب الا ننساه .. حتي لا نكرره
  • ٢٣:٠٢
  • الثلاثاء , ١٩ ابريل ٢٠١٦
English version

تاريخ يجب الا ننساه .. حتي لا نكرره

محمد حسين يونس

برديات أمحوتب

٢٧: ٠٨ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ ابريل ٢٠١٦

بقلم:  محمد حسين يونس

دافيدس لاندر  دون في رسالتة للدكتوراه عام 1958 و التي ترجمها الدكتور عبد العظيم انيس تحت عنوان ((بنوك و باشوات )) أنه (( في مرحلة الستينات من القرن التاسع عشر قامت حرب أهليه طويله في أمريكا أوقفت امدادات القطن عن العالم و عطلت أكبر الصناعات الانتاجيه و حولت زغب الخيوط البيضاء الي ذهب )) مصانع مانشيستر ،روان ، فلاندرز ، و الالزاس عانت من نقص الخام و سيطرة المضاربين في البورصه لدرجة أن مصانع لانكشير اغلقت و سادت البطاله بين أعداد كبيره من العمال .

محمد علي باشا كان هو الذى أدخل زراعة القطن في مصر .. و كانت زراعة ناجحه لظروف طبيعة التربه و المناخ بحيث تفوق المحصول من حيث الجوده و الكميه عن ما تنتجه حقول الهند و البنجاب .

اقبال العالم علي قطن محمد علي العالي الجوده مكنه من انشاء جيش و اسطول مصرى و ينتزع بالقوه حق وراثة اسرته للحكم من القسطنطينيه.

 محمد علي لضمان مصدر ثروته امم مجمل الارض الزراعيه لصالح الدوله و توسع في زراعة القطن الفاخر بحيث أنه بعد ثلاث سنوات فقط من تجارب زراعته عام 1820ارتفع انتاجة من هذا النوع علي حساب الانواع الاخرى من 650 رطل الي اكثر من 18 مليون رطل .. وقد سر المستوردين الاوربيون من نوع التيله الجديده التي اكسبت القطن المصرى مركزا ممتازا في سوق ليفربول و الهافر .

ابن محمد علي ( الوالي سعيد باشا )عندما تولي الحكم عام 1854 اعاد الارض للفلاح فارتفع انتاج القطن في مصر بحيث (( عندما حلت مجاعة القطن العالميه كانت الزراعه المصريه مستعده لها )).

سعيد باشا الذى ملأت عائدات القطن خزائنه ( عام 1855 كسب 2 مليون استرليني و الخمس سنوات التاليه 4 مليون استرليني ) كان شخصا ودودا يتظاهر بالثقافه و قد تعلم من أساتذته الاعجاب بالحياه الغربيه وفي الواقع لقد عشق هذا النوع من الحياه اكثر من اللازم بحيث كان يتقبل اقتراحات أصدقاؤه الاوربيون بلا حذر و أخذ علي عاتقه أكثر مما يستطيع أو تتحمله مصر .. بعض المشروعات لم تثمر ،و البعض الاخر تم في عهد خليفته اسماعيل باشا ،و لكن في المجمل تميز عهده بالعوده الي روح التمدن التي زرعها محمد علي في مصر مع القطن .

خلال حكم اسرة محمد علي قطعت مصر شوطا واسعا في اللحاق بركب التقدم اذا ما قورن الوضع بما كان عليه عندما ((رسا نابليون بسفنه عام 1798عند مصب النيل فلم يجد الا قشور المدنيه ، شعب قعيد وبقايا ماض طويل عفا عليه النسيان الي درجة أن زعم البعض انه عندما انزل نابليون عربته الي الشاطىء كان يدخل العجله من جديد في مصر ..))

في عام 1954 اسس سعيد التلغراف الكهربائي الذى ربط افريقيا باوروبا و استكمل خط السكة الحديد من الاسكندريه الي القاهره و خط اخر من القاهره للسويس و قام يتحسين شوارع الاسكندرية و مد شبكات مياه الشرب بها كذلك خطوط الترام وعمق وطهر ترعة المحموديه بحيث اصبحت مجرى ملاحي نهرى و منح فرناند دى ليسبس الامتياز لحفر قناة السويس .

بمعني ان سعيد بنصيحة مستشاريه الاجانب اهتم بالبنيه الاساسيه التي تخدم الحركة تجاه اوروبا و تؤمن ربطها بافريقيا لتزيد اهمية مصر كممر لصادرات الهند الي البحر الابيض كما أن إنشاء هذة المشاريع الطموحه جعل منها سوقا ذو اهميه كبرى .

وهكذا أصبحت مصر علي أعتاب ثورة اقتصادية مع انشاء قناة السويس و رواج القطن( الذى تعاني مصانع اوروبا من نقصه) صاحبه أمران أحدهما تحولها الي نقطة جذب سكاني و الاخر هجوم شركات الانشاء و التوريدات المدعومه بالبنوك العالميه .. فلقد قذفت موانى البحر الابيض المزدحمة بالالاف من العاطلين ، الساخطين ، المعدمين الي ارض المال الوفير حثالة مالطه و صقليه و الشرق الادني ليزحموا الاسكندريه .

في عام 1862دخل مصر 32000 و في عام 1863 دخلها 34000 زادوا الي 56000عام1864 و 80000 في عام 1865 عملوا في خدمة تلبية احتياجات و شهوات الرواج يديرون المحلات و الحانات و المطاعم في الحوارى والمحالج و كازينوهات القمار و الفنادق و بيوت الدعاره .

اجانب يحميهم مرسوم عثماني يجعل لهم امتيازات استغلوها في نهب خزائن الوالي سعيد الذى قيل انه كان يواسي نفسه بالضحك (( في احدى المناسبات قطع حديثه مع أحد رجال الاعمال الاوربيين لكي يأمر خادمه باغلاق النافذه قائلا اذا اصيب هذا السيد بالبرد فسوف يكلفني ذلك 10000 جنيه استرليني ))

بالطبع  كان له حق فدافيدس لاندر يقص علينا قصص من نوع الكوميديا السوداء عن الاساليب التي اتبعها الاجانب للاحتيال علي الحكومه المصريه أحدهم وهو من نبلاء النمسا بمساعدة حكومته انتزع 700000 فرنك علي اساس أن ثمانية و عشرين صندوقا من شرانق الحرير قد تلفت لتعرضها للشمس عندما تأخر القطار من السويس الي القاهره .

النهب الحقيقي تمثل في العقود و الامتيازات التي حصلت عليها الشركات الاوروبيه للبناء وانشاء المرافق و الخدمات العامه فضلا عن امتيازات استغلال الثروات الطبيعية أو استخراج و حفظ الاثار المصرية القديمه .. لقد كان المجتمع غير مؤهلا بعد للاندماج في السوق العالمي فترك استيراد احتياجاته و تصدير منتجاته بأيدى الغرباء بالاضافه الي اغلب انشطه التجاره الداخليه و استغل الغرباء غفلة المجتمع اسوأ استغلال يتبدى هذا بوضوح في الظروف غير الانسانيه التي عمل فيها الاف العمال المصريين في حفر قناة السويس و التي ادت الي وفاة العديد منهم بسبب سوء التغذيه و الاوبئة الناتجه عن عدم النظافه .

وكأننا نتحرك في دائرة مغلقة و التاريخ يعيد نفسه بإصرار فبعد حرب 73 و ارتفاع أسعار البترول و تجمع مبالغ فلكيه من الاموال بأيدى غير مؤهله لاستخدامها لصالح مواطنيها تحولت بلاد النفط الي نقاط جذب سكاني للالاف من العماله الفائضه عن حاجة الدول المجاوره تسعي لتلحق بنصيبها في ارض المال الوفير .. الشركات من جميع الجنسيات تزاحمت وكل منها يستخدم نفوذه و اسلحه بلدة ليفوز بجزء من الكعكه.. بنوك، شركات انشاء، وكالات تجاريه ، أفقدت المنطقه استقلالها الهش الذى صاحب حركات التحرر الوطني التاليه للحرب العالميه الثانيه .

وها هو المشهد يتكرر للمرة الثانية.. مع إعادة تعمير العراق و غزة .. و قريبا ليبيا و سوريا .. و في خلفية الصورة نرى الرؤساء الاوروبيون و الاسيويون ورجال البنوك و الاعمال الامريكيين.. يوقعون عقودا بالمليارات في قاعات تبدو كما لوكانت مصرية ..  بنفس السيناريوهات و نفس الاخطاء ..  انه الدرس الذى نأبي ان نتعلمه .. نحن لا نعيش منفردين.. نحن نعيش في مجتمع عالمي شرس سوف ينقض علينا ما دمنا نعيش في القرون الوسطي في رعاية الملالي و الشيوخ و البلطجية والفاسدين .