الأقباط متحدون - الحوار الأخير (١)
  • ٠٢:٤٩
  • الجمعة , ٦ يناير ٢٠١٧
English version

الحوار الأخير (١)

مقالات مختارة | محمد حبيب

٣٥: ١٠ ص +02:00 EET

الجمعة ٦ يناير ٢٠١٧

محمد حبيب
محمد حبيب

هذا هو المقال (١١) فى سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، وفيه نتعرض لآخر حوار أجراه المستشار المأمون الهضيبى، المرشد العام للإخوان.. كان ذلك فى نهاية الأسبوع الأول من يناير ٢٠٠٤، ونُشر قبل وفاته بيوم واحد بصحيفة «آفاق عربية»، حيث تناول مجموعة مهمة من القضايا؛ كالحريات، وآفاق المستقبل، والانتخابات التكميلية التى جرت فى مصر، وأولويات الإصلاح، وقضية التوريث، والضغوط الأمنية على الجماعة، وقضية الحجاب فى فرنسا، وغيرها.. وسيتبين للقارئ الكريم، كم كان الرجل ذكياً، مثقفاً، سياسياً، واعياً، ومهموماً بقضايا وطنه وأمته.. اتفقت واختلفت معه كثيراً، لكن هذا لم يكن ليقلل من تقديرى له، كما أن المنهجية العلمية والموضوعية والإنصاف، كل ذلك يقتضى أن أعطى للرجل حقه، خاصة وقد أصبح فى ذمة الله.. وفى تصورى، لو أن العمر امتد به لأحدث تغييرات كثيرة فى فكر الجماعة، لكن هكذا شاءت إرادة الله.. وسوف يتبين أيضاً، عندما نتناول تاريخ الجماعة فى عهد المرشد العام محمد مهدى عاكف، كيف أن الأمر اختلف كثيراً كثيراً، فشتان -أى شتان- بين الرجلين.. ومن أسف أن أقول إن التشكيلات والجماعات والأحزاب، وحتى النظم السياسية فى منطقتنا العربية، يلعب فيها الرؤساء والزعماء والحكام الدور الرئيسى -إن لم يكن الوحيد- فى تقدمها أو تخلفها، وفى نهضتها أو قعودها، فضلاً عن تحديد سياساتها وتوجهاتها العامة.. أما دور الشعوب، فهو محدود -إن لم يكن منعدماً- ولله فى خلقه شئون.. وإلى نص الحوار.

س١: فى أعقاب العدوان الأمريكى البريطانى على العراق، تحدث الكثيرون عن تغيرات فى المنطقة لصالح الديمقراطية، لكن الواقع خيب الآمال، كيف ترون الديمقراطية والحريات فى المنطقة العربية عموماً وفى مصر خصوصاً؟

ج: الحريات الخاصة والعامة ليس من المتصور عقلاً أن يهبها للشعب عدو أجنبى، شن الحرب على الدولة والشعب، وقتل الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال، وجميع طبقات الشعب، ولا يزال يحمى وجوده بقتل المزيد واعتقال الآلاف من أبناء الشعب، وليس من المتصور عقلاً أن دولة أجنبية تضحى بعدد -مهما قل- من أبناء شعبها وتنفق البلايين من ثروتها لمصلحة شعب آخر ودولة أخرى.. إن المستعمر دائماً يهدف إلى تثبيت أقدامه فى البلد الذى احتله بالقوة، لمغانم تعود عليه هو، ومنافع يريدها لشعبه هو ولا يفرط فى شىء من ذلك أبداً، وهو دائماً يسعى لمصلحته الذاتية، ولا قيمة عنده لأرواح وممتلكات البلد الذى استعمره واحتله، وغاية ما يهدف إليه المستعمر أن يحاول ارتداء ثوب الناصح الأمين، أو الذى يبذل الجهد لمصلحة الشعب، الذى هو فى الحقيقة يعمل على إبادته.. لذلك يلوح بالحريات والمنافع المادية.. وبكل أسف، فإن الشعوب العربية والإسلامية فى غالبيتها مبتلاة بحكام ظلمة، نشروا الاستبداد والفساد وأذلوا شعوبهم، وضاق الناس بهم، ويتطلعون إلى الخلاص منهم.. والعدو المستعمر يستغل هذه المشاعر ليدلس عليهم، بأنه هو المنقذ لهم، والصديق الوفى الذى يوفر لهم الحرية والأمان والثروة.. وتاريخ الاستعمار فى منطقة الشرق الأوسط وفى غيرها من أفريقيا وآسيا، يقطع بأنه امتص ثرواتها ليبنى مجده، وليبنى حضارته وأدوات الحرب والفتك التى يستعين بها لقهر البلاد المحتلة، وأنه عمل على إقامة حكام ظلمة مستبدين أورثوا بلادهم التخلف الفكرى والثقافى والأخلاقى والاقتصادى والاجتماعى.. ولا ننس أن المستعمرين هم الذين مكنوا للصهيونية فى فلسطين وأورثوها الاستعمار الاستيطانى الذى يستأصل أهلها، ولا يزال هذا الحال قائماً منذ نحو ٦٠ عاماً، ولا يزال انحياز الدول الاستعمارية للصهيونية على أشده، وما زالت نظرتهم إلى من يجاهد لتحرير أرضه على أنه إرهابى وأنه هو المعتدى! أما الصهيونى المحتل المستأصل لأهل البلد، فهو حبيبهم الذى يؤيدونه بالمال والسلاح.. وإذا أردنا أن ننظر إلى أواسط أفريقيا وما هى عليه من تخلف وفقر مدقع نتيجة الحكم الاستعمارى الذى حكمها لقرون ولا يزال هو صاحب النفوذ فيها، فهيهات هيهات أن يرجى من المستعمر صلاح أو حرية حقيقية.

س٢: وماذا عن المستقبل؟

ج: نحن نرجو أن يفيق حكام المنطقة من سكرة الحكم المطلق الاستبدادى الذى يسومون به شعوبهم، وأن يدركوا أنهم يعملون على هدم كل ما هو صالح ومفيد فى بلادهم، والنهاية المؤسفة ستدور عليهم كما دارت على غيرهم، ونأمل أن يحاولوا إصلاح ما بينهم وبين شعوبهم، كما نأمل من الشعوب أن تتحرك وتنتفض بصورة سلمية، تكفى للضغط على الحكام كى يحققوا لهم حرية وعدالة وإصلاحاً حقيقياً ومشاركة حقيقية فى أمور بلادهم.. ولو أن أعداء الأمة الذين يلوحون الآن بالديمقراطية امتنعوا عن تأييد الحكام المستبدين، لكفى هذا كى تستطيع شعوب المنطقة أن تحقق الكثير من حريتها.. (ملحوظة: من العجيب أن جورج بوش الابن صرح بأن شعوب الشرق الأوسط تكره أمريكا، لأنها ساندت الحكام المستبدين خلال الستين سنة الماضية.. لكنه، نسى -أو تناسى- ما فعله فى أفغانستان والعراق من جرائم ومخازى يندى لها جبين الإنسانية خجلاً).

س٣: الانتخابات التكميلية الأخيرة فى مجلسى الشعب والشورى.. كيف ترون دلالتها فيما يتعلق بمدى قناعة السلطة بإعطاء الحرية للشعب؟

ج: الانتخابات الأخيرة أكدت -بكل أسف- أمرين: الأول وهو الأخطر والأفظع، إسقاط ما كان يسمى بالسلطة القضائية.. فإن السلطة التنفيذية أصرت على أن تضرب عرض الحائط وتدوس بالأقدام على أحكام المحكمة الدستورية العليا، والهيئة العامة لمحكمة النقض، والهيئة الرئاسية لمجلس الدولة، التى أجمعت كلها على بطلان هذه الانتخابات وعدم جواز إجرائها لمخالفتها للدستور والقانون.. إذن، السلطة التنفيذية سلبت منا القضاء المصرى بدرجاته العليا، أن يكون سلطة (كما هو منصوص عليها فى الدستور) يجب احترامها وإنفاذ أحكامها.. وهذه مصيبة كبرى لم تمر بمصر مثلها خلال المائة سنة الماضية.. الأمر الثانى هو أنه تأكد أن مزاعم التطوير السياسى وما قيل عن تحاور، إلى غير ذلك، كلها أقوال للتخدير والتهدئة.. والحقيقة أن الفئة المستأثرة بالثروة والسلطة تأبى بكل شدة أن تغير قيد أنملة أو أن يكون لأى جهة أخرى أو للشعب أى تدخل قد ينتقص مما استبدت به وآثرت نفسها به، وهى تقاتل مقاتلة المستميت وبكل الطرق فى سبيل بقائها. (وللحديث بقية إن شاء الله).
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع