الأقباط متحدون - نموذج يتهاوى
  • ٠٦:٥٠
  • الاثنين , ٢ يناير ٢٠١٧
English version

نموذج يتهاوى

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الاثنين ٢ يناير ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تعرضت تركيا ليلة رأس السنة لجريمة إرهابية حصدت أرواح تسعة وثلاثين ممن كانوا يحتفلون بالمناسبة، وأصابت العشرات، وجاءت هذه الجريمة ضمن مسلسل الجرائم الإرهابية الذى يضرب تركيا، فمن قتل الجنود وعمليات التفجير إلى اغتيال السفير الروسى فى أنقرة على يد أحد أفراد القوات التركية الخاصة، وصولاً إلى نشاط مكثف للعناصر الإرهابية التى احتضنتها تركيا من مختلف المشارب. ومع بداية ٢٠١٧ تقف تركيا فى مفترق طرق، حيث باتت الأراضى التركية ملجأ للإرهابيين من كل حدب وصوب، حصلوا على كافة أشكال الدعم والمساندة من الرئيس التركى، وجاءت التحولات كبيرة فى الموقف من دعم ومساندة «داعش» إلى العمل وفق الرؤية الروسية لتفجر موجة من الغضب الشديد لدى «الدواعش» وأنصارهم من دول وجماعات، ومن ثم تواجه تركيا اليوم تحديات خطيرة للغاية تخص أمنها واستقرارها، بعد أن تشبعت الأراضى التركية بمختلف أشكال وأنواع الإرهابيين من شتى أنحاء العالم على نحو بات معه النموذج التركى معرضاً للسقوط، ذلك النموذج الذى جرى تقديمه باعتباره نموذجاً لدولة إسلامية ديمقراطية، دولة تدين الغالبية الساحقة من شعبها بالإسلام، وتمكنت من إرساء أساس لنظام ديمقراطى وفق المعايير الغربية،

وجرى تقديم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان باعتباره نموذجاً لحزب ذى مرجعية إسلامية تمكن من تحقيق المعادلة الصعبة، بالمزج بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، ومبادئ هذا الحزب التى تؤكد على المرجعية الإسلامية. قدم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان نفسه للمجتمع الغربى، الأوروبى تحديداً، باعتباره مجتمعاً غربياً يطبق المعايير الأوروبية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والثقافية، ومن ثم طالب بضم بلاده إلى الاتحاد الأوروبى. روجت تركيا لسياسة خارجية جديدة متصالحة مع الجميع سموها «صفر مشكلات»، أى السعى الحثيث لتسوية جميع الخلافات وحل جميع الصراعات مع دول الجوار، سمّوا ذلك العثمانية الجديدة. اندفعت دول الخليج العربى إلى دعم هذه التجربة، فوجه رأس المال للاستثمار فى تركيا دعماً للنموذج والتجربة، وسعت للاستفادة من خبرات تركيا فى شتى المجالات حتى شهدنا حالة من الانسحاق الشعبى أمام تركيا، وأخرى من الانبهار بالرجل والنموذج، وهناك من صلى لله أن يمنح بلده زعيماً مثل أردوغان كى يأخذ بيد بلاده إلى طريق التنمية والتطور.

نجح «أردوغان» بالفعل فى بناء نموذج فى التنمية السياسية والاقتصادية، وفى تهدئة الخلافات مع دول الجوار، وبدأت تركيا تخفف من ضغوطها لدخول الاتحاد الأوروبى، فقد باتت الدولة الأبرز فى العالم الإسلامى وتطلعت إلى قيادته والتعبير عنه، وسعى «أردوغان» بالفعل إلى توظيف قضايا شعبية للحصول على مزيد من الشعبية فى العالمين العربى والإسلامى، ونفهم هنا موقف «أردوغان» من القضية الفلسطينية والمبالغة فى رد الفعل تجاه العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. وكانت تركيا من أوائل الدول التى رحبت بما سُمى «الربيع العربى»، دعمته وساندته فى تونس ومصر وليبيا، وتدخلت مباشرة فى سوريا، تحولت تركيا من سياسة «صفر مشكلات» إلى الدخول فى صراع مفتوح مع النظام السورى وتحولت إلى بوابة عبور المقاتلين من شتى الجنسيات إلى الأراضى السورية، تبنت تماماً موقف الأطراف المعادية للنظام، وقادت حملة إقليمية ودولية للتدخل العسكرى فى سوريا.

وجاء فوز محمد مرسى بمنصب الرئيس فى مصر وبدء زمن حكم المرشد والجماعة ليسقط القناع تماماً عن وجه «أردوغان»، ويكشف حقيقة انتماء الرجل للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، فقد أدى فوز «مرسى» بداية إلى تغير لغة خطاب «أردوغان» وأركان نظام حكمه لتصبح لغة قريبة من تلك التى ترددها الجماعة، ليتحول «أردوغان» من رئيس وزراء ديمقراطى إلى مسئول غاضب يضيق صدره بالنقد، يكرر مفردات «مرسى» والمرشد من أنه منتخب، لديه قاعدة جماهيرية يمكن أن تنزل إلى الشوارع وتدافع عنه، مستعد للدفاع عن شرعية الصناديق بالسلاح.

وما أن قامت ثورة الثلاثين من يونيو حتى تعرى «أردوغان» ونظام حكمه تماماً، فقد أدى إسقاط الشعب المصرى لحكم المرشد والجماعة إلى إصابة «أردوغان» بحالة هياج دفعته إلى تكريس كل الوقت والجهد للهجوم على النظام المصرى الانتقالى ووصفه بالانقلابى، بل إن الرجل أقدم على تصرفات «طفولية» وجاء بحركات «صبيانية» مثل رفع شارة «رابعة العدوية» فى أحد المؤتمرات الصحفية. تفرغ «أردوغان» للهجوم على النظام المصرى وعلى الشعب المصرى، وحول بلده إلى مقر لفلول الجماعة الفارين من مصر، كما استضاف اجتماعات التنظيم الدولى للجماعة، وشاركت أجهزته الأمنية فى التخطيط لإثارة القلاقل فى مصر.

وعلى أرض سوريا سقط قناع «أردوغان» تماماً وتحولت تركيا إلى مرتع لجميع الجماعات الإرهابية، التى لن تقبل بتحولات «أردوغان» السياسية، ومن ثم فسوف تتحول إلى العمل المسلح داخل تركيا على نحو يجهز على ما تبقى من نموذج «أردوغان».
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع