الأقباط متحدون - الإسلام الصوفى والإسلام السياسى: الإنسانية أمام الإرهاب
  • ٠٢:٤٦
  • الاثنين , ٢ يناير ٢٠١٧
English version

الإسلام الصوفى والإسلام السياسى: الإنسانية أمام الإرهاب

مقالات مختارة | حلمى النمنم

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الاثنين ٢ يناير ٢٠١٧

حلمى النمنم
حلمى النمنم

فى حياتنا وفى تاريخنا الحديث يسهل على المتابع أن يتبين نموذجين من الممارسة الإسلامية فى المجال العام، الأول هو ما يطلق عليه بين الدارسين «الإسلام الصوفى»، سواء كان فى شكل طرق صوفية أو رموز كبيرة له تحمل اسمه، والثانى ما بات يعرف باسم «الإسلام السياسى» بكل تنظيماته وتياراته وجماعاته، وكذلك أشكال وطرق ممارسات هذا النموذج.

كان الإسلام الصوفى، فى أغلب مساراته، يحمل سمات ثلاثاً، أنه وطنى يدافع عن الوطن، وأنه ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبى، وهو أيضاً «إنسانى» بامتياز، وهذه الأخيرة تأتى من انحياز التصوف إلى ما هو روحانى داخل الإنسان وبناء البعد الروحى فى الحياة.. يمكن أن نتبين تلك الخصائص فى نماذج تاريخية، مثل الأمير عبدالقادر فى الجزائر، هذا الرجل قاوم الاستعمار الفرنسى وتصدى لاحتلال بلاده سنة 1830، وظل يقاوم حتى سنة 1835، ولما قضى الأمر ونجح الفرنسيون فى ابتلاع الجزائر، خرج هذا الأمير وجاء إلى مصر، وعاش هنا فترة، تم انتقل إلى سوريا، ويذكر التاريخ له موقفه الباسل هناك، حين تحرك برجاله لإنقاذ المسيحيين فى لبنان من مذبحة تعرضوا لها، وقام بها فريق من «المتشددين» والمتزمتين، هذا الأداء لا يتعلق بالأمير عبدالقادر وحده.

فى ليبيا، لدينا مَثل نبيل ورفيع يتمثل فى الطريقة السنوسية والشهيد عمر المختار فى التصدى للاستعمار الإيطالى للبلاد، الذى جعل القائد الإيطالى يسجل فى مذكراته احترامه وتقديره الشديد لنبل وبسالة عمر المختار، الذى كان شامخاً فى التحقيقات معه، متمسكاً بموقفه الوطنى والإنسانى الرفيع، يمكن أن ندرج فى هذا النموذج أيضاً الحركة المهدية فى السودان ومؤسسها السيد محمد أحمد المهدى، وهى حركة صوفية، كان هدفها فى البداية التصدى للاحتلال الإنجليزى للسودان ثم مواصلة الزحف لطرد الاستعمار من وادى النيل كله، وقد أداروا عمليات مقاومة حقيقية فى أم درمان والخرطوم.

وفى مصر، نتذكر السيد أبوالسعود الجارحى، الذى وقف إلى جوار السلطان العادل طومان باى، مدافعاً عن استقلال وحرية هذا الوطن أمام الغازى سليم الأول، السلطان العثمانى، الذى جاءنا فى 1517 محتلاً وغازياً.

لا أريد أن نوغل فى القدم، كان الإسلام الصوفى مضيئاً، معظم تاريخه، وقدم أسماء مستنيرة وعظيمة، فى الانفتاح الإنسانى والثقافى على العالم، أطلق للخيال وللعلم الإنسانى العنان، وحرر العقل من القيود الضاغطة، كان مبدأ التصوف الأساسى الزهد، نتذكر هنا مقولة محيى الدين بن عربى «إذا استغنيت اغتنيت»؛ وطريقه الحب وهدفه الارتقاء بالإنسان إلى عوالم فسيحة من التحرر والبناء.

من خلال التصوف، ارتقى كثير من الفنون، مثل الابتهالات والتواشيح ورقصات مثل المولوية وغيرها، حالة من حالات حب الحياة والإقبال عليها، دون الإخلال بمبدأ الزهد وقاعدة الترفع والسمو.على الجانب الآخر، يمثل الإسلام السياسى، أو التأسلم والمتأسلمين، النموذج النقيض، هذا النموذج ظهر من رحم الدول الاستعمارية، وأجهزتها المخابراتية، قصة حسن البنا مع المخابرات البريطانية باتت معروفة للجميع ومعلنة، حكاية حسن البنا ليست استثناءً فى مسار هذا التيار، بل هى طابع دائم وثابت له، فبعد تراجع بريطانيا العظمى قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية، انتقل هذا التيار للعمل مع الأجهزة الأمريكية، استقبال الرئيس الأمريكى لزوج ابنة حسن البنا، سعيد رمضان فى البيت الأبيض، سنة 1953، كاشف لتلك العلاقة، حرب أفغانستان نموذج آخر دال، فقد أشعلتها الولايات المتحدة، وطبقاً لشهادة مستشار الأمن القومى الأمريكى، أنه تحدث مع الرئيس جيمى كارتر عن دعم المجموعات المتشددة فى أفغانستان لاقتياد الاتحاد السوفيتى إلى «فيتنامه الخاص»، محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر فى المنشية سنة 1954، لم تكن بعيدة عن رغبة بريطانية فى التخلص من هذا الزعيم البازغ فى المنطقة. فى سجل هذا التيار، اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، صيف سنة 2014، والرئيس أنور السادات، فى أكتوبر 1981، واختطاف وقتل الشيخ محمد حسين الذهبى، واغتيال فرج فودة، ود. رفعت المحجوب، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، ومن قبل اغتالوا محمود فهمى النقراشى والمستشار أحمد الخازندار ورئيس الوزراء أحمد ماهر، سجل هذا النموذج يبدو فى الاغتيال والتدمير والهدم، أيديهم ملطخة بالدماء فى كل عصر وفى كل بلد، لا نجد أى سجل إنسانى أو حضارى لهم.

الأخطر من الاغتيال الفردى، هو إسقاط دول بأكملها، هذا ما جرى فى ليبيا الشقيقة، حيث تكالبوا عليها لتمزيقها إلى مدن وأحياء متناحرة ومتقاتلة، وحاولوا الشىء نفسه فى سوريا، وقادوا البلاد إلى مأساة إنسانية، وقبلها فى أفغانستان وغيرها من الدول، لم يصلوا إلى بلد إلا وكان الخراب والموت مرافقاً لهم.

حتى فى القضايا الكبرى، مثل قضية فلسطين، حولوها إلى «سبوبة»، يجمعون باسمها التبرعات ويحشدون باسمها الشباب، وفى النهاية يذهبون بهم إلى العمليات الإرهابية، أما القضية الأم، فقد مزقوها، وهبطوا بها من قضية وطنية كبرى، إلى قضية محلية صغيرة، اسمها «غزة»، أولاً وأخيراً.

هذا النموذج وهذا الأداء يتحرك فى كواليس الأجهزة الاستعمارية، سواء كان الاستعمار القديم أو الجديد، فهو بهذا المعنى نموذج «غير وطنى»، وهو كذلك غير وطنى بالمعنى الدقيق، إذ إنه يرفض الوطنية ويعتبر الوطن حفنة من تراب عفن، ويرفض وجود الدولة الوطنية، ويعمل على إسقاطها، لتقوم دولة الخلافة، أو «دار الإسلام» بتعبير حسن البنا.

على المستوى الإنسانى، هذا النموذج يحمل روح التشدد والانغلاق التى تجعله معادياً للحياة ذاتها وللإنسانية عموماً، لذا يسهل عليهم القتل والإحراق، لنتذكر إحراق الطيار الأردنى «معاذ الكساسبة»، ولنتذكر مشهد الإرهابى الذى كان يقذف الأطفال والكبار من فوق سطح بيته بالإسكندرية، صيف سنة 2013، وأولئك الذين طلب منهم أحد ضباط أسوان كوب ماء، قبل أن يفارق الحياة، فقدموا له «ماء النار»، وزعموا بجهل لا يحسدون عليه أنهم بذلك ملتزمون بتعاليم القرآن الكريم.

النموذجان وُجدا تاريخياً وما زالا بيننا الآن، صحيح أن النموذج المعادى للوطنية والمضاد للإنسانية هو الأكثر ضجيجاً وجلبة، لكن النموذج الآخر الوطنى والإنسانى موجود وقائم بيننا، ربما يكون فضيلة الشيخ على جمعة أبرز مثال له فى وقتنا الحاضر، هذا النموذج يعبر عن الوجه الإنسانى والحضارى المشرف للإسلام، ويجب أن نعتز به.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع