الأقباط متحدون - مجدي مكين وتحرير الطب الشرعي من التبعية؟
  • ٠٣:٢٥
  • الاثنين , ٢١ نوفمبر ٢٠١٦
English version

مجدي مكين وتحرير الطب الشرعي من التبعية؟

١٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٢١ نوفمبر ٢٠١٦

مجدي مكين
مجدي مكين

سعيد السني
تسلطت الأضواء على «مصلحة الطب الشرعي»، واتجهت إليها الأنظار مؤخراً، باتهامات من منصات إعلامية وتواصلية، بالتلاعب في تقريرها بشأن مقتل المواطن مجدي مكين، الذي لقي حتفه «تعذيباً» داخل قسم شرطة الأميرية، بحسب بلاغ أسرته للنيابة العامة والصور والفيديوهات المؤلمة والمفزعة، المتداولة والكاشفة لعلامات وشواهد القسوة والتعذيب والسلخ على جسده.. هذه الاتهامات دفعت المستشار عمر مروان مساعد وزير العدل لشؤون قطاعي الخبراء والطب الشرعي، إلى إصدار بيان رسمي مساء الخميس (17 نوفمبر)، ينفي فيه بشدة أن تكون «المصلحة» قد أصدرت تقريرها بشأن تشريح جثة مكين، مشيراً بأن الأمر يستغرق وقتاً للوقوف بدقة على «أسباب الوفاة»، وموضحاً، أن عبارة «هبوط في الدورة الدموية» لا تعني أن الوفاة طبيعية، إذ إن «التقرير النهائي» سيُحدِد بدقة، الأسباب التي أدت إلى هذا «الهبوط المفاجئ».

هذه السهام التي طالت مصلحة الطب الشرعي في حالة مكين، كما في حالات سابقة مشابهة، لم تأت من فراغ.. إذ تقع المصلحة أحيانا في أخطاء فنية خطيرة، سواء «عمداً»، مثلما يحدث في قضية تعذيب محتجز هنا، أو سجين هناك ووفاته، في عصر مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، حيث اشُتهِرت التقارير الطبية الشرعية بعبارة: «المتوفي مات متأثراَ بـ(هبوط حاد في الدورة الدموية)، ومن ثم يفلت الشرطي الجاني من المحاسبة».. الأمثلة ربما لا تقع تحت حصر.. نكتفي بالتذكير بحالة شهيرة وهي للشاب السكندري خالد سعيد، المقتول بيد رجلي شرطة سريين (يونيو 2010)، ومثل «قتيل الأميرية»، لفقوا له قضية مخدرات (تعاطي)، وزعم قاتلوه أنه «ابتلع لفافة بانجو» انحشرت في حلقه وأدت لوفاته، وجاء التقرير الطبي الشرعي، ومن بعده تقرير لجنة ثلاثية برئاسة كبير الأطباء الشرعيين (رئيس مصلحة الطب الشرعي آنذاك)، مسايرين لهذه الكذبة.. بعد شد وجذب وحفظ التحقيق وإعادته، ثم محاكمتين أمام محكمة الجنايات، خلال خمس سنوات، انتهت المحكمة إلى إدانة الشرطيين بقتل المجنى عليه تعذيباً.. يُهمنا من القضية أن محكمة جنايات الإسكندرية لم تقتنع بهذه التقارير، وانتدبت «لجنة خبراء» من خارج المصلحة، بينهم أساتذة من ثلاث جامعات مختلفة، لتحديد أسباب الوفاة وكيفية حدوثها.. المفاجأة أن تقرير هذه اللجنة الأخيرة جاء صادماً كاشفاً «خطايا» التقارير الطبية الشرعية الرسمية، وأن الشاب توفي متأثراً بالضرب والتعذيب، وأن لفافة البانجو تم حشرها له بعد مقتله، وأخذت المحكمة برأي هؤلاء الخبراء، ونحت جانباً التقريرين السابقين، وعليه أدانت المحكمة الشرطيين.. هذا الحكم «النهائي والبات» المؤيد من محكمة النقض، نال من سمعة مصلحة الطب الشرعي، وأساء إليها، وضرب مصداقية وسلامة وحيادية تقاريرها، بما أفقدها ثقة الجمهور.. لكن ماذا تتورط المصلحة أو بعض أطبائها في مثل هذه المطبات؟ وما هو الحل؟.. معلوم أن دور «الطب الشرعي» لا يقتصر على تشريح الجثث في حالات القتل والاشتباه الجنائي، وتحديد ما إذا كانت الوفاة طبيعية أم جنائية، بل تقديم الخدمات والخبرات الطبية الشرعية لـ«الجهات القضائية»، حتى يتسنى لها أن تبني أحكامها على أسس سليمة فنياً.. فهذا التخصص الطبي معروف بأنه «طب العدل» أو «الطب الجنائي»، لأنه يسهم في كشف غموض الجوانب الطبية في حالات القتل والاغتصاب والنّسب، وسرقة الأعضاء والأخطاء الطبية، والتسمم والعقم والعجز الجنسي، وتعاطي المخدرات والاتجار بها، وحسم المنازعات في هذا كله، وغيره، ومن ثم، فإذا كان التقرير الطبي الشرعي سليما، فإنه ينصف المظلوم ويحفظ الحقوق لأصحابها، وبالعكس إذا كان مشوباً بخطأ متعمد أو بدون قصد، فإنه قد يقود بريء إلى «حبل المشنقة»، أو يؤدي إلى إفلات قاتل منه، وهكذا، بما مفاده أن «الطبيب الشرعي» هو في حقيقة الأمر «قاضي فني» مرتبط في عمله مباشرة بحقوق الناس وإشاعة العدل والفصل في المنازعات.. وهو ما يستلزم بالضرورة وطبائع الأمور أن يكون الطبيب الشرعي «مستقلاً» متحرراً من الضغوط والتبعية.. ذلك أن محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، عندما أنشأ «مصلحة الطب الشرعي» عام 1820، فإنه جعلها مستقلة، بينما انتهى بها الحال، مصلحة تابعة لـ«وزارة العدل»، محكومة بالمرسوم الملكي رقم 96 لسنة 1952 (قانون الخبراء)، يشرف عليها أحد مساعدي الوزير.. فإذا عدنا لوقائع التعذيب الشرطي التي أشرنا إليها، فمن الممكن تصور أن ضغوطاً من هنا أو هناك، يمكن أن تقع على الطبيب الشرعي كي يذهب تقريره في اتجاه معين، لصالح الشرطي الجاني أو قاتل صاحب نفوذ، ومادام الطبيب الشرعي تابعاً للسلطة التنفيذية، لا تحميه الحصانة في عمله، فقد يقع في المحظور، وإلا فإنه قد يتعرض للاضطهاد والتشريد، وهذا كله، مما يفتح الباب للتشكيك في التقرير الطبي الشرعي بأسباب وفاة مكين قبل صدوره، وغيره.

نسأل الله السلامة لمصر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع