الأقباط متحدون - التـسامح ضـرورة قـانـونيـة و انسانية
  • ٠٧:٥٩
  • الثلاثاء , ١٥ نوفمبر ٢٠١٦
English version

التـسامح ضـرورة قـانـونيـة و انسانية

د. رؤوف هندي

مساحة رأي

٥٣: ٠٥ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٥ نوفمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم الدكتور رؤوف هندي    

التسامح لم يعُـد فضيلة إنسانية وأسلوب اخلاقي راقي فـحسب بل باتَ ضـرورة قانـونـية من مـتطـلبات عـصر العولمة حيث لامـفرمن تناغـم وتعايش وتآخي كل المـجتمعات ومن هنا فالـتسامح في ظل عـالم جديد فرضته ثورة الأتصالات التكنولوجية العالمية وأصـبح لكل مواطن إمكانية مستقلة على المعرفة بل بـاتَ لكل إنـسان في أرجاء المعمورة القدرة على التفكيركونيا والتفعيل محليا.في ظل كل هذه المتغيرات العالمية والتي جعلت تقريبا الكوكب الأرضي وطننا واحدا والبشرسكانه كان لابد من تطورجديد لمفهوم التسامح فلم يعُد فقط فضيلة اخلاقية بل باتَ ضرورة قانونية ترسمها وتحـدد ملامحها مواثيق وعـهـود دولية فالتسامح بمفهومه الشامل لايحياإلا في ظل التعدد والتنوع الفكري والديني والعقائدي والسياسي والثقافي فالتعـدد والتنوع ثراء للفكر الإنساني وثراء لكل دوائر التنوع. وقد مرَّ مفهوم التسامح بصيغ وتراكيب وانماط مختلفة من حيث البساطة والتعـقـيد والـتشعب والامتداد بوحيّ من التطـور الحضاري والثـقافي والعلمـي للجـنس البـشريّ والمجتمعات الإنسانـية وذلك في إطـار الزمان والمكان والـمراحـل التاريخية لتطورالجـنس البشري.                            
   وُلِدت كلمة التسامح Tolerance في القرن السادس عشر إبان الحروب والصراعات الدينـية التي عرفتها أوربا بين الكاثـوليك والبروتـستانت حيث انـتهى الكاتولـيك للـتسامح مع البروتستانـت وبشكل متبادل وقررا التعايش بسلام ثم أصبح التسامح يُمارس تجاه كل الاديان والمعتقدات الاخرى وفي القرن التاسع عشرإنتشر هذا المفهوم ليشمل مجال الـفكر والإبداع وحرية التعبـير ويضمن جوانب إجتماعية وثقافـيـة تؤكد جميعها على إحترام وقبول التنوع والتعدد بكل أبعاده ويعدَُ هذا المفهوم أحد أهم سـمات ومكونات المجتمع الديمقراطي الحقيقي ومن هنا فإن مفهوم التسامح يسجل حضوره في عمق التجربة الإنسانية ويأتي في طليعـتها تلك التجـربة القاسيـة والمؤلـمة التي عاشتها أوربا في صراعات دـينية طائفية فمن رحم المأساة والمعاناة والقهروُلِد مفهوم التسامح وجاء في قاموس اللاروس الفرنسي ان التسامح يعني إحترام حرية الآخر وقناعته وطرق تفكيره وآرائه السياسية والدينية والعقائدية وقـبول الآخر بعيداعن التسلط أوالقـهرأو العنف.

ويعـتبر (كتاب رسالة في التسامح ) لجون لوك الـفيلسوف الإنجليزي الشهيرومضة نور نحوعالم إنسانـي أفضل وأجمل حيث أكدعلى انه لاسبيل امام البشرية إذا أرادات أن تعيش في سلام ووئام إلا بإعلاء قيمة التسامح بمفهومه الشامل من إحترام كل المعتـقـدات والتنوع والتعدد الفكري والثقافي والإجتماعي وكان له الفضل ان يتخطى مفهوم التسامح حـدود الدين ليقترن بحرية الفكروالإبداع والتعبير. ومع التطورالإنساني وبزوغ ثورةالإتصالات العلميةوالتكنولوجيه بات مفهوم التسامح ومبادئ حقـوق الإنسان العامة والخاصـة والديمقـراطية بمكوناتها والسلام العـام ضمن وثيـقة عالمية واحدة كاإعلان مـبادئ عـامة صدرت في 16 نوفمبر 1995 أرتقـت بمفهـوم التسامح إلى صورة وصيغة قانونية تتطلب الحماية من المجتمع الدولي حيث ورد في البند الاول من هذه الوثيقة التاريخيةالصادرة عن اليونسكو بصدد معنى التسامح ومفهومه عدة محـاورهامة نستطيع تسليـط الضـوء عليهـا لنفهم مغزاها

(أولا)  قبول تنوع وتعدد ثقافات عالمنا واحترام هذا التنوع (ثانيا)التسامح موقف يقوم على الإعتراف بالحقوق العالمية للفرد والحريات الأساسية للآخـر. (ثالثا)التسامح هو مفتاح حقوق الإنسان والتعددية السياسية والثقافية والفكرية والديمقراطية. (رابعا) إن تطـبيق التسامح يعني ضـرورة الاعتراف لكل فـرد بحقه الكامل في حرية إختيار معـتقـداته والتعبيرعنها والقبول بأن يتمتع الآخربالحق نفسه ويعني بأن لاأحد يفرض آراءه على الآخرين بالقـهر أو العنف . والمتأمل برويّة يجد أن التسامح بصيغـته القانونية قادرعلى إخضاع القناعات الخاصة لأي إنسان بضرورة الحياة المشتركة القائمة على الإحترام والتعاون والتكامل والتسامح وهذا المفهوم النبيل الراقي لايستند إلى أساس التساهل ولا الشهامة أوالضعـف أوالمنّ من أحد بل يستـند على قيمة وقـامة الإعتراف بالتعـدد والـتنوع الإنساني فالإنسان هو أعـظم الأرقام في معـادلة الوجـود وهوقـيمة في ذاتـه وعليه فمن اجل عالم أرقى وأعظم ومن اجل أن يكون لدينا كمصريين القـدرة على فهم متطـلبات العصر الجديد أناشد وأطالب مسئولي التربية والتعليم بوضع مفهـوم التسامح الواسع الشاسع ضمن منظـومة تحسين وتطوير المناهج التعليمية بكل مراحلها حتى لانكون منفـصلين عن واقعـنا العالمي والإنـساني.


 وفي رأيي أننا إذا أدركـنا واستوعـبنا المفهوم الواسع للـتسـامح سيؤدي ذلك وبطريقة مباشرة وفعـالة إلى تجديد الفكر والخطاب للعقـل الجمعي لكل المصريين وسينعكس ذلك بكل تاكيد على تجديد وتطوير منظورنا في كل المناحي