الأقباط متحدون - فرح أنطون.. رواية هزت مصر كلها (3)
  • ١٦:٤٧
  • الاثنين , ٧ نوفمبر ٢٠١٦
English version

فرح أنطون.. رواية هزت مصر كلها (3)

مقالات مختارة | د. رفعت السعيد

٤٧: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٧ نوفمبر ٢٠١٦

د. رفعت السعيد
د. رفعت السعيد

والحقيقة أن رواية أو كتاب «الدين والعلم والمال» قد أحدثت تساؤلات كثيرة فى المجتمع آنذاك، فقد حركت موضوعات لم تكن مطروحة من قبل فى ظل مجتمع كانت رأسماليته لم تزل جنيناً، وأوضحت فى نفس الوقت موقفاً صريحاً وصارماً يؤيد الاشتراكية ويرفض الاستغلال. ويتلقى «فرح» رسائل عديدة وأسئلة كثيرة على صفحات الجرائد ويجيب عن واحد منها: «إن كتاب الدين والعلم والمال هو نتيجة مطالعات ثلاث سنوات فى أهم الصحف والمجلات الفرنساوية فقد اشتدت الأزمة الاجتماعية فى فرنسا وكنت أتابع ذلك باهتمام وهو ما انعكس فى هذا الكتاب». ويخاطبه آخر: «أليس من الأفضل ترك هذه المسائل الخطيرة وعدم تحريكها فى فضاء الشرق لئلا يلتهب بها؟»، وجوابنا على ذلك أننا لا نريد أن يوجد حد لحرية الرأى والفكر والنشر، ومجلة الجامعة إنما تكتب عن شعور باللذة فى الكتابة ولا جزاء لها غير هذه اللذة، فإذا قيل لها اتركى هذه اللذة وقيّدى قلمك بعض الشىء فإننا نفضل قصفة على تقييده. على أن رسالة ناقدة قد أتته من محرر جريدة «المنارة» فى البرازيل هاجمه فيها وقال «إن المؤلف لم يحكم بين الأحزاب الأربعة أهل الدين وأهل العلم وأهل المال والاشتراكيين بل حرقهم جميعاً وعلى قدم المساواة بنار وصواعق من السماء فى ختام الرواية». وبتواضع واحترام للحقيقة يقول «فرح» تعقيباً على هذا النقد اللاذع: «ولوم الكاتب فى مجلة الجامعة [السنة الرابعة- العدد 9 و10 صـ369]. وعندما أضرب لفافو السجاير من ديسمبر 1899 وحتى 21 فبراير 1900 بدأت الصحف الرجعية تهاجم المضربين باعتبار هذا «الاعتصاب» بدعة غربية واتهمت العمال بأنهم يقلدون عمال أوروبا تقليد القرود. وهنا تصدى فرح وهاجم منتقدى العمال ووقف فى صفهم وطالب الحكومة بمساندتهم ضد أصحاب الأعمال. ويرد «كرومر» على «فرح» وأمثاله من المدافعين عن الإضراب قائلاً «إن الحكومة لا وظيفة لها سوى حماية حرية الصناعة وحرية العمل وحفظ الأمن إلا إذا اتفق الفريقان المختلفان على تحكيمها». ويدخل «فرح» فى جدال غير مباشر مع «كرومر» فيقول: «إن أصحاب الأعمال لا يحبون هذا التحكيم». ويبدأ فرح حملة عنيفة على أصحاب الأعمال وعلى الحكومة وعلى النظام الرأسمالى، أو كما سماه فى ذلك الحين «نظام الاستفراد»، ويقول إن الحكومة فى مصر والأمة المصرية كلها تساسان بذات المبدأ الذى تساس به إنجلترا نفسها وهو مبدأ «الاستفراد»؛ فالقوى يستقوى ويزداد قوة والضعيف يسقط ويزداد انحطاطاً وسقوطاً. ويتصادف أن ينشب فى ذلك الحين إضراب لعمال الموانى الفرنسيين ويقرأ فرح تعليقاً لأحد الاقتصاديين الفرنسيين جاء فيه: «إن الشريعة الإسلامية قد حلت هذه المشكلة حلاً جميلاً، إذ أوجبت على الحاكم التدخل بين أصحاب المال والعاملين لديهم عند نشوب خلاف بينهم» [الجامعة- أول سبتمبر 1906]، وينشر فرح هذا التعليق مشيراً إلى طلبه من الإمام محمد عبده وكان مفتياً للديار المصرية رأيه فى موقف الحكومة إزاء مثل هذه المنازعات وكانت فتوى الأستاذ الإمام حاسمة فى إدانة أسلوب الاستغلال وأمرت الحاكم بالتدخل لحماية العمال [راجع النص الكامل للفتوى فى الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده- الجزء الأول- صـ673- طبعة بيروت].

ولكن فرح أنطون لم يكتف بأن يدعو للاشتراكية فى صراحة وقوة بل يدعو إلى ضرورة تحريض العمال على تحقيق الاشتراكية بالقوة، وإلا بقيت نظرية باردة لن تتحقق «إلى ما شاء الله». وبعد فترة أصبح يعتقد أن بث المبادئ الاشتراكية بين طبقات الناس من أعلاها إلى أدناها لا يؤدى إلى تغلبها وتسلم السلطة حتى ولو اعتقد كل فرد غنى أو فقير أنها نظام صحيح ويحقق الراحة للجمهور، لأن من كان فى حوزته قوة مالية لا يتنازل عنها عن طيب خاطر حتى لو كان فى أعماقه يعرف أنه لا يستحقها. ولهذا أخذ فرح فى الترحيب بالتحرك العنيف والدعوة له [نقولا حداد- تطور فرح من النظرى إلى العملى- ملحق مجلة السيدات- صـ131]. وعلى صفحات جريدة «الأهالى» كانت ميول فرح واضحة حتى فى نوعية الأخبار التى يبرزها والتى يتعمد اختيار ما يشير فيها إلى نجاحات السوفييت فى أيامهم الأولى. لكنه هو نفسه وجد أن تطرفه ودعوته للعنف لم تحقق مخرجاً فى عالم الروايات فكان أن حرق الجميع وهو حل يائس. وكما لمع فرح سريعاً، يتوهج ويتبلشف وتعلو نظريته الاشتراكية سرعان ما رحل.. «وإذا كانت النفوس كباراً تعبت فى مرادها الأجسام. وكشهاب مسرع أتى.. وكشهاب مسرع رحل ويجتمع فى حفل تأبينه خصومه وأحباؤه وتلاميذه معاً.. ودهش الجميع إذ كان رئيس لجنة الاحتفال الشيخ رشيد رضا الذى وقف ليرثى فرح بمديح لم يتصور أحد أنه يأتى من رشيد رضا بالذات.

ويرثيه مصطفى صادق الرافعى بقصيدة طويلة، منها:

«فتى كان لا يرضى الحياة حقيرة/ فعاش ليفنى والجليل جليل

فتى كان باباً واحداً لا كغيره/ بناحيتيه مخرج ودخول

فتى كان أندى من نسيم بلاده/ بفجر الروابى والنسيم بليل».
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع