الأقباط متحدون - خريطة داعش في أدغال أفريقيا
أخر تحديث ٠٣:١٨ | السبت ٢٩ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ١٩ | العدد ٤٠٩٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

خريطة داعش في أدغال أفريقيا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

التنظيم استغل الحالة الأمنية للتوغل داخل القارة  بالاضافة إلى محاولات للتنسيق بين «البغدادى» والجماعات الأخرى أمثال «بوكو حرام» وتنظيم «المرابطون» بالقارة

يبدو أن القارة الإفريقية على موعد جديد مع العنف، فالهجرة لدى تنظيم داعش  لم تنقطع، برغم الهزائم المتكررة التى تلقاها فى مواطن نشأته، إلا أنه فتح باب هجرة عناصره إلى قلب القارة السمراء مجددًا.

على مر العصور، لم تكن القارة السمراء منتجة سوى لمواد خام، ولاعبى كرة القدم، ببشرتهم السمراء إلى العالم، لكنها باتت الآن محلًا للاستيراد، لا طواعية بل غصبًا، لا نجوم كرة قدم بل آخرون يركلون المتفجرات بين أقدامهم.

هكذا أصبح الحال فى قلب القارة السمراء، خاصة بعد الهزائم المتكررة للتنظيمات المسلحة فى شمال القارة – ليبيا – والتى أعلن تنظيم داعش عن عاصمته الثالثة فيها «سرت» لكن سرعان ما تهاوت وأوشكت القوات الليبية على تحريرها، و يأتى هذا بالتزامن مع معارك وخسارة فادحة يتكبدها الدواعش فى سوريا والعراق.

المعارك فى ليبيا التى أطلقها رئيس حكومة الوفاق الوطنى الليبى، فايز السراج، تحت شعار عملية «البنيان المرصوص»، لم تستمر طويلًا. من «درنة» إلى «سرت»، ومن «بنغازي» إلى «أجدابيا»، معادلات حربية فى عقل داعش ، فتلك المناطق كانت شاهدة على نواة التنظيم فى «الشمال الإفريقي»، لكن سرعان ما تهاوت تلك المعادلات مع بداية الحرب الليبية المشتركة ضد التنظيم.


البحث عن بدائل
تلك الهزائم دفعت التنظيم  إلى ضرورة البحث عن موطئ قدم جديد داخل القارة السمراء، بعد فقدانه معاقله بطول الخط الساحلى للجماهيرية واحدًا تلو الآخر، مستغلًا كثرة الصراعات الموجودة داخل القارة وضعف المنظومة الحدودية وهشاشة الدول المركزية.

البداية كانت مع أقرب النقاط الحدودية إلى ليبيا حيث الحدود التونسية، وبالأخص مدينة القيروان فى الجنوب، والتى شهدت محاولات مضنية من قبل التنظيم لتكون إمارة جديدة له فى تونس، معتمدًا على الحاضنة الشعبية التى كانت تعيش فيها كتائب عقبة بن نافع، والتى اعتبرها الباحثون نواة جديدة للتنظيم.
 
نفس الحال مع الحدود المصرية، لكن قوات الجيش مثلت حائط صد منيعًا، لجميع المحاولات لدخول الأراضى المصرية من البوابة الغربية من جهة، والبوابة الشرقية فى سيناء من جهة أخرى.

سرعان ما هدأت تلك المحاولات، وحاول التنظيم التقوقع داخل ليبيا والحفاظ قدر الإمكان على أراضيه، مع استمرار خط الهجرة الدافق إلى الجماهيرية عن طريق السودان مرورًا بالجنوب الليبى من جهة وتشاد والنيجر من جهة أخرى.

يقول عمر عزام، الباحث فى الشأن الإفريقى، إن انحسار التنظيم فى ليبيا بداية من شهر مايو ٢٠١٦ فى عملية سرت – لم ينته بعد – لكنها قد تكون قضت على آمال داعش فى إنشاء عاصمة له فى شمال إفريقيا، وهو ما دفعه إلى محاولة الالتفاف والاتجاه إلى مناطق جديدة داخل القارة السمراء كما الحال فى سوريا والعراق، عن طريق الصحراء الكبرى.

وتابع عزام، تلك المحاولات وضعت إفريقيا أمام خطر وشيك، خاصة فى ظل محاولات التنسيق بين التنظيم والجماعات الأخرى أمثال «بوكو حرام» وتنظيم «المرابطون» التابع للقاعدة، وخلايا أخرى داخل دول المغرب العربى، فى محاولة لفتح باب للتنظيم.

ونشر موقع ساوث فرونت الأمريكى، دراسة تقول: «مع اقتراب نهاية التنظيم وخساراته ولايته فى ليبيا – سرت – التى كانت تعتبر مستقبله وانطلاقته داخل القارة السمراء، توجد الكثير من الأسئلة، أهمها: «إلى أين يذهب داعش بعد الهزيمة التى لحقت به فى ليبيا؟».

وأضافت الدراسة، الصادرة عن المركز المتخصص فى التحليل الاستراتيجي: «إن داعش فى ليبيا يحاول التسلل إلى دول الجوار بحثًا عن متنفس فيها، فى ظل الدعوات المتزايدة لدحره من ليبيا، وبغض النظر عن كون التنظيم سيحاول اللجوء إلى أى واحدة من تلك الدول، لكن ما يزال الخطر يحلق فى سماء ليبيا، حيث تذهب أغلب التحليلات إلى أن خطره سيبقى فى ليبيا حتى لو هزم فى سرت، خاصة فى ظل تعقيدات الوضع الأمنى والانقسامات السياسية وصراع الشرعية، بين حكومة مدعومة من الولايات المتحدة، والحكومة الموازية فى الشرق التى ترفض الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني».

فلول الدواعش
عمليات داعشية عنيفة ضربت مواقع مهمة فى دول متفرقة منها الكاميرون وكينيا وبوركينا فاسو والصومال وتشاد ومالى، اعتبرها «عمر عزام»، تمهيدًا لفتح جبهات جديدة للتنظيم: «تكمن الخطورة فى الجنوب الليبى وخاصة فى مناطق التماس مع النيجر ومالى وتشاد فهناك لا يوجد رادع أمنى على المناطق الحدودية وتلك الدول ضعيفة بالأساس وبالتالى هى تربة خصبة لظهور تنظيم جديد».

يضيف الباحث فى الشأن الإفريقى، أن التنظيم خاطب فلول الدواعش فى مناطق متفرقة من القارة ما بين «شباب المجاهدين» فى الصومال، وبوكو حرام فى نيجيريا ومالى، وجماعة التوحيد والجهاد – الأكثر تشددًا من بوكو حرام – والتى قضت عليها الضربات الفرنسية، إلا أن هناك فلولا لها ما زالوا على قيد الحياة ينتظرون وجود فرصة للعودة مرة أخرى، ويعتقد أن بمحاولات دخول داعش سيظهرون.

ترى عبير زكى، الباحثة فى الشأن الإفريقي: «إنه تم تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية فى مالى والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو حيث ازدادت نسبة الهجمات فى منطقة الساحل وشمال إفريقيا وحدها بنسبة ٢٥٪ منذ عام ٢٠١٤ ففى هذا العام تم تنفيذ ٢٨٩ عملية فى هذه المنطقة فقط».


مخاطبات التنظيم تحولت إلى تحركات فعلية على أرض الواقع، فى صورة تحالفات تم رصدها داخل القارة الإفريقية، وتعد وجهة التنظيم الحالية، بحسب «عزام»: «بداية من جماعة بوكو حرام النيجيرية، المصنفة كأخطر الجماعات الإرهابية،التى أعلنت نهاية ٢٠١٤ ولاءها للتنظيم، وبدأت بتوسيع مناطق نشاطها بشكل بات يهدد جوار نيجيريا التى تعتبر أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، والتى تبدو شبه عاجزة عن اجتثاث التنظيم رغم مضاعفة جهودها وتنسيقها مع محيطها الجغرافى ».

وبالتزامن مع الضربات الموجعة التى يتلقاها داعش فى ليبيا وأنصاره «أنصار بيت المقدس فى مصر»، نشطت جماعة بوكو حرام فى تحرك ملحوظ وبدأ امتداد الضربات إلى تشاد والنيجر والكاميرون وتبنت عمليات فى الآونة الأخيرة.

بالإضافة إلى تنظيم «حركة الشباب المجاهدين» فى الصومال، الذى ظل إلى زمن قريب مسيطرًا على كامل التراب الصومالى قبل تحجيم دائرة نفوذه بشكل تدريجى من قبل قوات إفريقية لم تستطع حتى الآن القضاء عليه، وكذلك تنظيم «المرابطون»، الذى يقوده الجزائرى مختار بلمختار، و الذى أعلن هو الآخر البيعة لـ«داعش» العام الماضى عبر تسجيل صوتى نُسب إلى قائده.

على الرغم من أن البيعة لم تشمل سوى فرع من التنظيم ا، فإنه قد يشكل همزة وصل بين داعش فى ليبيا وفرعها فى نيجيريا، حيث يمتد نشاط «المرابطون» عبر الحدود بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالى.

وتمثل دول النيجر والتشاد وبوركينا فاسو ومالى حلقة ضعيفة فى المنطقة من الناحية الأمنية، وقد تكون الوجهة المفضلة للتنظيم الإرهابى فى المرحلة المقبلة، حيث تتشاطر حدود شاسعة ووعرة وتنشط داخلها أو على حدوها تنظيمات إرهابية بايعت جميعها «داعش»، وهى على استعداد لتقديم الدعم والإسناد للتنظيم بعد طرده من ليبيا، بخلاف السودان.

تقول عبير زكي: «إن شبكات التجنيد منتشرة فى العديد من الدول على رأسها موريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو والسودان عن طريق العديد من المؤسسات والمدارس الدينية».

وتضيف: «هذه الجماعات متورطة فى تجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر بالإضافة إلى سيطرتها على بعض من موارد الدول (آبار بترول، مناجم.. إلخ)، وقد أدرت عمليات الاختطاف وقبول فدية فقط مبالغ خرافية تستخدم لخدمة أغراض الجماعات».

وتتابع الباحثة السياسية، أن هجرة الجماعات الإرهابية إلى الجنوب الإفريقى، لها مدلول جغرافى، حيث ساهمت طبيعة منطقة غرب إفريقيا، خاصة فى حزام منطقة دول الإيكواس، فى انتشار الجماعات الإرهابية حيث لا توجد قيود على حركة الأفراد والعملة موحدة، بينما فى الشرق ساهمت الحدود المثقبة فى سهولة حركة الجماعات.

داعش ذريعة لتدخل أجنبي جديد
تشكل تلك التحركات تحولًا خطيرًا فى مسار نشاط الجماعات الإرهابية فى الصحراء الكبرى، التى بايعت «داعش»، حيث إنها بداية مرحلة جديدة من العنف فى قلب القارة، ولكن هذه المرة عنف فيه تدخلات دولية، كما الحال فى ليبيا.

سيطرة داعش على موانئ النفط، دفعت بفرنسا إلى ضرورة التدخل حتى لا تصل التهديدات إلى بلادها من البحر.

الأمر قد يكون سهلًا و ربما يصبح التدخل الدولى وشيكًا فى حال إعلان التنظيم عن أولى مناطقه الجديدة، بعد عزم التنظيم توجيه ضربات إلى فرنسا وقواعدها فى إفريقيا – فشلت أغلب محاولاته فى مالى.

وبدأت التحالفات الأمنية تظهر للحيلولة دون وقوع مناطق جديدة فى قبضة التنظيم الأخطر، حيث أعلنت دول الساحل والصحراء عن إنشاء تحالف عسكرى لتبادل المعلومات الاستخبارية وتسيير دوريات مشتركة.

وتريد دول التجمع الخمس «مالى وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد» تشكيل حاجز قوى يحول دون التواصل بين أفرع «داعش» فى منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء.

التحالفات العسكرية الإفريقية هى خطوة جادة للحد من تلك الجماعات، يكمل «عمر عزام»: «هناك إشكالية فى تحركات التنظيم خارج نطاق الدول الخمس (نيجيريا، تشاد، بنين، النيجر، الكاميرون) التى أعلنت عن قيادة موحدة لضرب معاقل التنظيم فى بوكو حرام وجماعة التوحيد».

ويتابع: «قد شكلت هذه الدول بالإضافة إلى موريتانيا حلفا عسكريا لتبادل المعلومات وتسيير الدوريات بدعم مباشر من الجيش الفرنسى لتعقب الإرهابيين ومنعهم من التنقل بين حدودها، لكن التحالف المعروف بتجمع دول الساحل لم يحقق حتى الآن نتائج تذكر فى مجال الإرهاب».


قيام دولة الظواهري مجددا
تقول الباحثة عبير زكى، إن هناك توقعات بأن إفريقيا هى أرض الجيل الثالث لتنظيم القاعدة، وهى مرشحة بقوة لتكون أفغانستان جديدة، وهى الحركة التى بدأت من الجزائر بعد عودة المجاهدين من أفغانستان والذين أطلق على ظاهرة عودتهم (عودة الأفغان العرب) ليشكلوا النواة الأولى للجماعات العنيفة.

جغرافيًا تمتد تلك الجماعات من أقصى الساحل الإفريقى بالغرب إلى أقصى الساحل الشرقى مرورًا بوسط إفريقيا، قد تنتهى داعش فى ليبيا، ولكن سيعود تنظيم القاعدة إلى الظهور مرة أخرى إلى الساحة، بعد أن تلاشى نفوذه وسيطرته من وقت ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.

البداية للعودة مرة أخرى كانت فى الحرب التى تمكن فيها من هزيمة داعش وطرده من بنغازى ودرنة، فى بداية العام الجارى، لكن اختفى مرة أخرى، وعاد للظهور بعد الضربات الموجعة لداعش واقتراب هزيمته.

تنظيم القاعدة التابع لأيمن الظواهرى، أعلن عن تواجده مرة أخرى، فى تسجيل صوتى لزعيم التنظيم فى بلاد المغرب، أبومصعب عبدالودود، زعيم قاعدة الجهاد فى المغرب الإسلامى، فى كلمته التى بثتها مواقع خاصة بالتنظيم.

حملت الكلمة عنوان «بنغازى ومعركة الصبر»، فى إشارة إلى أن التنظيم باقٍ فى ليبيا، وفى بنغازى وعلى جميع أنصاره الهجرة إلى الجماهيرية لمناصرة التنظيم فى معاركه ضد قوات المشير خليفة حفتر، بحسب ما تضمنه الخطاب.

«بنغازي» المدينة الواقعة فى الشمال الشرقى للجماهيرية، يسيطر عليها ما يسمى بتنظيم شورى مجاهدى درنة، الأمر الذى دفع قوات المشير خليفة حفتر إلى مواصلة ضرباته لعناصر التنظيم فى المدينة.

هناك دلالات واضحة من ظهور القاعدة مرة أخرى، وهى أن التنظيم يبحث عن معركته الخاصة فى ليبيا بعد اقتراب سقوط سرت، التى كان يسيطر عليها داعش، وجاء اختياره لمدينة «بنغازي» لعدة اعتبارات أهمها تواجد القواعد المتحالفة مع ميليشيات أخرى فى هذه المدينة، بخلاف القيمة الرمزية للمدينة عند التنظيم، كما أن هناك محاولات استمالة القبائل الليبية وإدخالها فى تلك المعركة تحت عناوين الشرف، وهذا امتداد لمنهج القاعدة ولتوصيات أيمن الظواهرى بعد ٢٠١١، حول الحاضنة الشعبية.

دعوة القاعدة للجهاد والنفير فى المدينة، للوقوف ضد ضربات حفتر، ستكون سببًا فى بدء موسم جديد لهجرة أنصار من تونس والجزائر فى اتجاه ليبيا استجابة لدعوة النفير تلك، وعند الحديث عن تونس، فلا بد من ذكر أنصار الشريعة وكتيبة عقبة بن نافع.

وفى حال نجحت قوات حفتر فى هزيمة تلك العناصر، التى أعلنت حرب البقاء فى ليبيا، فإن ذلك سيدفع عناصره إلى فتح جبهات جديدة فى الجنوب الليبى إن لم يكن فى دول أخرى أيضًا فى الجنوب.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.