الأقباط متحدون - هل حقاً الحل في الانتخابات المبكرة؟
أخر تحديث ٠٣:٢٧ | الخميس ٥ مايو ٢٠١٦ | ٢٧برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩١٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل حقاً الحل في الانتخابات المبكرة؟

د. عبدالخالق حسين
غني عن القول أن العراق بلد مأزوم منذ كتابة التاريخ ولحد الآن، لأسباب تاريخية وجغرافية. ولكن هناك فترات يحصل فيها تصعيد حاد للخط البياني لهذه الأزمات. فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي عام 2003، وبعد أي تصعيد للأزمة، يطلع علينا نفر من المخلصين وغير المخلصين، باقتراح حل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة كحل للأزمة. وآخرون يقترحون تغيير النظام الانتخابي من التمثيل النسبي (Proportional Representation=PR) إلى نظام الفائز الأول (First past the post ). كما ويرى آخرون أنه من الأفضل انتخاب المرشحين المستقلين فقط، وعدم التصويت لمرشحي الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة، لأن في رأي هؤلاء أن الأزمة ناتجة عن المحاصصة وتفشي الفساد. فبحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، والتصويت للمستقلين، ستنحل الأزمة ونتخلص من المحاصصة ونقضي على الفساد!! وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال!!

كما ويميل أصحاب هذه الاقتراحات إلى شخصنة الأزمة وإيعازها إلى أشخاص معينين وضعتهم الأقدار في موقع المسؤولية، وهم عادة من قادة الكتل السياسية، فيعتقدون أنه ما أن نتخلص من هؤلاء القادة ومن نوابهم في البرلمان، وممثليهم في السلطة التنفيذية، حتى وتنفرج الأزمة. والملاحظ أن كل من هؤلاء السادة يطرح اقتراحه باسم الشعب، ويدعي أن اقتراحه هذا مطلب شعبي وأنه يمثل الشعب، بينما في الواقع هو لا يمثل إلا نفسه، واقتراحه مجرد رأيه الشخصي فقط، قد يصيب أو يخيب.

نسي أو تناسى هؤلاء السادة أن الأزمة ليست ناتجة فقط عن الصراع بين قادة الكتل على المناصب والمصالح المادية، الشخصية والفئوية، بل هي أعمق من ذلك بكثير من هذا التبسيط والتسطيح، إنه صراع عميق بين مكونات الشعب العراقي بسبب التاريخ الدموي، والأنظمة المستبدة التي حكمت الشعب وفق مبدأ (فرق تسد)، ولا يمكن التخلص من هذا التراث المدمر بمجرد إجراء انتخابات مبكرة والتخلص من هذا وذاك.

إن الصراع الطائفي والعرقي في العراق، والأعمال الإرهابية التي تغذيها وتدعمها حكومات وجهات خارجية مثل السعودية وغيرها، وتدخلها الفض في الشأن العراقي، هي التي جعلت جماهير كل مكون تشعر أنها مستهدفة بالفناء و الإبادة، وأن خلاصها مرهون بالتخندق الطائفي والعرقي، والتمسك بقادة كتلها السياسية. لذلك فرغم إجراء أربع انتخابات برلمانية في الماضي، لاحظنا أن مرشحي هذه الكتل السياسية هم الفائزون. لذا، فحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة هذه المرة لا بد وأنها ستفرز نفس النتائج السابقة، إضافة إلى تكاليف هذه الانتخابات الباهظة على خزينة الدولة. وإذا ما جاءت النتائج مخيبة لآمال دعاة الانتخابات المبكرة كما هو متوقع، بالتأكيد سيرفعون عقيرتهم بالصراخ والويل والثبور وعظائم الأمور، واتهام الانتخابات ومفوضيتها بالتزييف حتى ولو شهد المراقبون الدوليون بنزاهتها.

إذنْ، حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة لن يقدم حلاً للمشكلة.

أما التصويت للمرشحين المستقلين فهو الآخر غير مجدي، إذ يبدو أن الكثيرين من المثقفين لحد الآن يعتقدون أن المستقلين هم ملائكة معصومين من الخطأ، وأنهم أفضل من المنتمين. بينما الواقع يؤكد أن في الدول الديمقراطية العريقة لا يثق الناخبون بالمستقلين إلا في حالات نادرة واستثنائية جداً. إذ لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية. لأن العمل السياسي يحتاج إلى فريق عمل (Team work)، منسجم وملتزم بانضباط، أشبه بفريق كرة القدم. ولا بد لهذا الفريق (الحزب السياسي)، أن يكون له برنامج عمل (بيان انتخابي)، لتقديم الحلول للمشاكل التي يواجهها الشعب، وخاصة الأمن والمعيشة. والمرشح الحزبي مسؤول أمام حزبه والشعب، ولا بد أنه موافق على برنامج الحزب ونظامه الداخلي وبيانه الانتخابي. وهذا هو المتبع في جميع الأنظمة الديمقراطية الناضجة. أما المرشح المستقل فلا برنامج له، وليس له القدرة على الانسجام مع غيره للعمل، وليس مسؤولاً أمام أي تنظيم، لذلك احتمال وقوعه في الخطأ، والتنصل من المسؤولية أكثر من الحزبيين. فالناس لا ينتخبون الشخصيات بل الأحزاب.

أما النظام الانتخابي المتبع في العراق (التمثيل النسبي)، فهو في الحقيقة من أفضل الأنظمة الانتخابية، وليس فيه أي عيب وإنما العيب في حداثة التجربة الديمقراطية، وكثرة أعدائها، وتدخل الجهات الخارجية بالشأن العراقي، وإليكم الدليل:

النظام الانتخابي البريطاني لانتخاب أعضاء مجلس العموم، يتبع نظام الفائز الأول (First past the post). بينما تتبع بريطانيا نظام التمثيل النسبي في انتخاب برلمانات الأقاليم ذات الحكم الذاتي (سكوتلاندا وويلز وشمال أيرلندا). فماذا حصل في الانتخابات البرلمانية المركزية الأخيرة وفق نظام الفائز الأول؟
الحزب القومي السكوتلاندي صوت له نحو 1.5 مليون ناخب (%50% من الأصوات) حصل على أكثر من 53 مقعداً، أما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي صوت لها نفس العدد والنسبة من الناخبين في سكوتلاندا حصلت على 3 مقاعد فقط. فأين العدالة في هذا النظام؟

كذلك صوت لحزب المملكة المتحدة المستقل (UKIP) في عموم بريطانيا نحو أربعة ملايين ناخب، في الوقت الذي حصل الحزب على مقعد واحد فقط. مرة أخرى نسأل: أين العدالة في هذا النظام؟

أما الحزب المحافظين الفائز بالحكم صوت له 36% فقط من الناخبين، وحصل على الغالبية المطلقة نحو (60%) من المقاعد البرلمانية رغم أن 64% من الشعب لم يصوتوا له. وهذا يعني أن حكومة المحافظين هي حكومة الأقلية، وهذا ليس نظاماً عادلاً بالتأكيد. بينما المطلوب أن تكون النسبة المئوية للمقاعد البرلمانية لكل حزب تتناسب مع الناخبين وما تفرزه صناديق الاقتراع. ولذلك فأغلب الدول الأوربية تتبع نظام التمثيل النسبي، وبذلك تشكل حكومات إئتلافية تتمتع بقاعدة شعبية واسعة، وهذا النظام يقدم فرصة للأحزاب على التآلف وتشكيل حكومات إئتلافية لا حكومة الحزب الواحد ذات القاعدة الشعبية الضيقة.

الانستنتاج
وبناءً على كل ما تقدم نستنتج ما يلي:
1- حكومة التكنوقراط المستقلين فاشلة وغير عملية، بدليل أنها ولدت ميتة. وحتى لو ولدت مستقبلاً بعملية قيصرية، فهي ليست مستقلة لأن تم ترشيح أعضائها من قبل الكتل السياسية.

2- حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة لن يحل المشكلة، لأن الانتخابات ستأتي بنفس النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع في المرات الأربع السابقة.

3- الانقسام الطائفي في الأحزاب والكتل السياسية والمحاصصة الطائفية لا يمكن التخلص منها إلا في حالة تشكل أحزاب وكتل سياسية عابرة للطائفية والأثنية كما اقترحنا في مقال سابق*

4- المحاصصة السياسية في تشكيل مجلس الوزراء لا يمكن التخلص منها في العراق ولا في غير العراق فهي من طبيعة الحكومات الإئتلافية، فالمتبع في الأنظمة الديمقراطية في كل العالم أنه إذا فشل أي حزب في الحصول على الغالبية المطلقة من المقاعد البرلمانية، لا بد من تشكيل حكومة إئتلافية من حزبين أو أكثر متقاربين سياسياً وأيديولوجياً، ولكل حزب حصة من المقاعد في مجلس الوزراء تتناسب مع حصة الحزب في البرلمان. وهذا من شروط الديمقراطية.

5- الشعب لا ينتخب أفراد ومهما كانت مكانتهم ووجاهتهم ونزاهتهم إلا في حالات استثنائية نادرة، بل ينتخب مرشحي أحزاب وكتل سياسية ذات برامج سياسية واضحة،

6- النظام الانتخابي (التمثيل النسبي) المتبع في العراق هو أفضل من نظام (الفائز الأول) الذي يأتي بحكومة الأقلية، وخاصة في العراق حيث شعبه متعدد الأقوام والأديان والطوائف، ولا بد من حكومة يشترك فيها ممثلون من كل مكونات الشعب. وهذه الحكومة تسمى بحكومة الشراكة الوطنية، وإذا كنا ضد هذه الشراكة ونصر على حكومة المكون الواحد كما كان قبل 2003، فنسميها حكومة المحاصصة الطائفية البغيضة والمقيتة!!
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ـــــــــــــــ
* د.عبدالخالق حسين: لتتحول انتفاضة البرلمانيين إلى حركة عابرة للطائفية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=836


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter