الأقباط متحدون - شفرة «ريجينى»
أخر تحديث ٠٦:٢٦ | السبت ١٦ ابريل ٢٠١٦ | ٨برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٠٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شفرة «ريجينى»

د. عماد جاد
د. عماد جاد

كشفت طريقة التعاطى الرسمى مع ملف الطالب الإيطالى جوليو ريجينى عن حالة من الارتباك والاضطراب غير المبرّر على الإطلاق، وكانت عملية إدارة الأزمة مع إيطاليا عملية قاصرة غلبت عليها طريقة «الفهلوة» المصرية التقليدية، وهو ما أثار الجانب الإيطالى ودفعه إلى التصعيد. برهنت طريقة إدارة الملف على غياب منطق إدارة الأزمة وهيمنة عقلية غلق الفم بأسرع ما يمكن، وإذا لم يكن ممكناً تقيس القضية ضد مجهول فلن توجه التهمة إلى شخص ما حبذا لو كان قد رحل عن عالمنا أو تم قتله فى تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن. هذا الاستعجال فى إغلاق الملف هو ما جعل الجانب الإيطالى يشك فى أن الفاعل ربما يكون من الأجهزة الأمنية المصرية، وأن الجانب المصرى يرغب فى إغلاق الملف بأسرع ما يمكن حتى يحمى القاتل الحقيقى.

كان واضحاً من البداية أن «ريجينى» ليس بالشخص العادى، فقد كان محل اهتمام دول أوروبية كثيرة، وكانت بريطانيا فى مقدمة هذه الدول، وجاء عضو فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطانى لزيارة مصر، تحت ذريعة التواصل مع نواب البرلمان المصرى، فالتقيته وكان محور الحديث أن أجهزة الأمن المصرية القمعية صاحبة السجل العريق فى التعذيب والقتل هى التى قتلت «ريجينى»، وجاء غيره حتى وصل الأمر إلى قرار من البرلمان الأوروبى بفرض عقوبات على مصر.

كان التقدير من البداية أن «ريجينى» راح ضحية تصفية حسابات بين أجهزة استخبارات، وأن عملية الخطف والقتل تمت بإحكام شديد، بحيث تُلصق التهمة بأجهزة الأمن المصرية، وفى الوقت نفسه لا تفك شفرة عملية الخطف والقتل، ومن ثم تكون مدخلاً لأزمة فى العلاقات المصرية - الإيطالية، ويتم وقف التعاون الإيطالى المصرى وتُفرض عقوبات أوروبية على مصر، تضامناً مع إيطاليا. كان واضحاً وبجلاء منذ اللحظة الأولى لاختفاء «ريجينى» وتحديداً توقيت الاختفاء (25 يناير) أن التوقيت تم اختياره بعناية، لتوجيه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية المصرية، أيضاً ما تعرض له الطالب الإيطالى من ضرب وتعذيب وخلع أظافر وضرب على الأرجل بعد التعليق، كل ذلك محاولة للإيحاء بأن ما تعرض له الشاب الإيطالى هو منهج معتاد لأجهزة الأمن المصرية، وهو ما عبّرت عنه بقسوة بالغة كلمات والدة الشاب التى قالت فيها «عذبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً». أيضاً جرى اختيار توقيت إظهار الجثة بعناية فائقة، فى يوم حضور وفد إيطالى رفيع المستوى لتوقيع اتفاقات تعاون مشترك تنقل علاقات البلدين نقلة كبيرة. وتم التخطيط لعملية قتل «ريجينى» بدقة بالغة من اختيار توقيت الاختفاء، وصولاً إلى توقيت إظهار الجثة، مروراً بالتعذيب الذى تعرّض له الشاب الإيطالى، الهدف كان توجيه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية المصرية، وقد أدت الطريقة المرتبكة التى أدارت من خلالها الدولة المصرية الملف برمته إلى مساعدة الجانى الحقيقى على تحقيق مخططه، بحالة الارتباك والاضطراب، والرغبة فى كشف اللغز سريعاً، إضافة إلى جرى وسائل الإعلام المصرية وراء السبق الإعلامى والإثارة، كل ذلك ساعد على تحقيق مخطط الجانى الحقيقى الذى بدأت وقائع جديدة تشير إلى هويته، وهو ما سوف نتناوله غداً إن شاء الله.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع